سليم الشلبي ليس بيننا جسدا فقط..!
بال سبورت :
كتب محمد زحايكة-
القدس عندما تعود بي الذاكرة الى الوراء .. الى اليوم الذي تعرفت فيه على الراحل سليم الشلبي اشعر بدوار في رأسي وغصة في قلبي..! فهو من الشبان القلائل الذين تعرفت عليهم في ميادين المواجهة والعطاء..! كنت وقتها ربما قبل نحو ربع قرن او اقل قليلا راكبا قدمي وجائلا ابحث عن اخبار تهم صحيفة " الفجر" المقدسية التي اعمل فيها كمراسل متجول في النهار ومحرر اخبار محلية في الليل..! ولا بد انني التقيته صدفة في أحد شوارع او أزقة القدس العتيقة..! شاب طويل ابيض يضج حيوية وعنفوانا وتلمع عيناه ببريق اخاذ .. دائم المرح والابتسام ..! وسرعان ما تناغمت شخصيتي مع شخصيته او كما يقال " ضربت وتآلفت الكيمياء" الشخصية بيننا..! الارواح جنود مجنحة.. ما تآلف منها ائتلف ..! وما تنافر منها اختلف..! وصرنا بمثابة صديقين – لدودين- رغم انني كنت حينها محسوبا على اليساريين وهو على الفتحاويين المتهمين “زورا وبهتانا” بانهم يمينيين او من اهل اليمين ..! وانطلقنا كل في مجاله.. انا في خندق الصحافة والصحفيين اتتبع الاخبار واغطي الاحداث وهو في خندق المواجهات وصنع الاحداث وبقينا على هذه الحال سنين عددا..! كان الراحل سليم يتقدم في طريق المواجهة كمناضل وكادر فتحاوي بثقة ويشق طريقه بثبات ليصل الى ما وصل اليه من كادر وقائد فتحاوي ميداني له بصماته حول القائد الفذ امير القدس الراحل فيصل الحسيني ومقرب منه ..! وكنت الاحظ احيانا ان الراحل سليم الشلبي يتوارى عن الانظار ويبتعد عن الاضواء بعد ان تكون احدى موجات المواجهة قد انتهت وانحسرت وجاء دور السياسة و السياسيين والتفاوض والمفاوضين والتقاط الصور واجراء المقابلات امام لمعان الفلاشات والكاميرات..! كأنه اراد ان يقول للمناضلين والقادة الميدانيين دعوا السياسة للسياسيين .. ولا تتلوثوا بها..! ادوار كثيرة لعبها الراحل الشلبي .. ليس فقط في ميادين المواجهة ومقارعة الاحتلال.. بل ايضا في ميادين الحياة المجتمعية والمشاركة الفاعلة في حل الخلافات ورأب الصدع وسد الفجوات التي قد تنشأ بين ابناء الوطن الواحد والصف الواحد بحكم المرحلة الشاذة التي يعيشها شعبنا تحت نير الاحتلال منذ اكثر من 40 عاما..! وما زلت اذكر تلك الليلة للتي جاءني فيها الراحل سليم الى بيتي قبل نحو 15 عاما في جهد منه لانهاء حالة خلاف نشبت بين شبان من منطقة جبل المكبر- السواحرة وشبان اخرين على خلفية الدراسة في المدرسة الرشيدية..! وكيف بقينا حتى ساعات الفجر الاولى نبحث عن بيوت اهالي الشبان لاخذ ) العوايد ( وتطويق الخلاف والنزاع ، فقد اصر سليم على زيارة كل - اهالي الاولاد - كما قال.. رغم تأكيدي انه لا داعي لذلك.. لادراكه ووعيه التام بضرورة احترام وتقدير عادات شعبنا خاصة ما يتعلق منها في لم الصف وحل الخلافات بالحسنى ووأد النزاعات قبل ان تكبر وتستفحل، فنحن في غنى عنها في وضعنا الاستثنائي تحت الاحتلال..! في السنوات الاخيرة استغربت قيام الراحل سليم الشلبي في الوقوف على اضرحة الاموات بعد دفن الجثامين واعطاء العظات الدينية المؤثرة..! فانا اعلم انه شاب مقبل على الحياة محب لها ولم يكن زاهدا بها على حد ظني.. وفي تلك اللحظات خطر لي خاطر ان الراحل سليم "رحمه ورحمنا الله" ربما يؤبن نفسه في هذه العظات التي كانت تجد قبولا وتمس قلوب المستمعين..! فهل كان صديقنا الحبيب الراحل يؤبن نفسه..؟ وهل كان يستشعر ان اجله المحتوم قد بدأ يقترب..! وهل كان يريد ايصال رسالة واضحة ومؤثرة الى اولئك الذين يتقاتلون على امور تافهة في هذه الحياة الفانية..! رسالة مفادها ان العمل الصالح وخدمة المؤمنين والناس عموما هي الرأسمال الحقيقي لكل واحد فينا في الحياة الاخرة..! شيء اخر لفت انتباهي في حياة هذا المناضل المقدسي العنيد..! هو مسحة الحزن والقلق التي بدأت تعكر حياته في اعقاب رحيل القائد الرمز ياسر عرفات وقبله الراحل فيصل الحسيني وبعد ضياع العراق واعدام قائده صدام حسين.. فقد احس ان الهدف من وراء اغتيال ابو عمار وسلخ العراق عن امته مؤامرة في الصميم ضد قضية العرب الاولى فلسطين وجوهرتها القدس الشريف ..! وهو ما تثبت الايام صحته يوما بعد يوم..! الان.. اتفهم بشدة وباحساس عميق صرخات الحاج ماجد ابو عيشة على ضريح الراحل سليم.. وهو يصرخ من اعماق قلبه الجريح.. سليم لم يرحل.. سليم لم يرحل..! نعم الموت حق علينا..! سليم قد رحل جسده فقط.. اما روحه وافكاره واعمالة الطيبة فسوف تبقى معنا الى الابد..! الله سبحانه وتعالى يرحمك يا سليم.. ويسكنك في جنانه العالية بين الصديقين والقديسين والشهداء والاطهار ..! ورغم الم الوداع والفراق الا اننا نؤمن بان الله قد اختارك لجواره ربما قبل الاوان لانه يحبك ايها الراحل الطيب الحبيب..! اعلم ايها الراحل ان القدس سوف تظل تذكرك كما ذكرتها وعملت من اجلها .. وكما دافعت عنها ضمن حدود امكانياتك وامكانيات شعبك العظيم..! فالقدس تعرف ابناءها..! وتعرف عطاءهم من اجلها..! لذلك فهي تحنو عليهم .. ويضمهم ترابها الطاهر بين حناياه بكل الرفق والعطف والحب..! واعذرني يا سليم.. فالموقف لا يساعدني لذكر كل مآثرك ومناقبك ومحاسنك الكثيرة..! فانا لم اذكر من خصالك الرائعة الا النزر اليسير.. واعرف ان هناك الكثيرين من محبيك سوف يشيرون الى خصال اخرى من خصالك العديدة..! فقد كنت كتابا مفتوحا لشعبك .. كنت وفيا لقدسك.. وكنت محبوبا عند عموم ابناء شعبك لان كنت منهم واليهم.. تشعر بوجعهم وآلامهم ومعاناتهم..! وتحاول جهدك التخفيف عنهم..! اذهب ايها الراحل الى عالمك الاخر..! فانت تركت خلفك نورا وشموعا سوف تبقى تضيئ عتمة ليل القدس.. حتى رحيل اخر جندي محتل عنها.. اذهب فقد تركت اسرة مناضلة واما مناضلة واخوة كالاسود الهائجة في الدفاع عن حقنا في القدس وفي فلسطين.