لقاء مع البلعاوي
كتب فايز نصار- الخليل
قبل مغادرتي أرض الوطن نهاية السبعينات ، شاهدت لأول مرة اللاعب غسان البلعاوي ، الذي شكل يومها مع الفنان رزق خيرة طليعة موجة جديدة من نجوم الكرة ، في نادي غزة الرياضي ، حاملين المشعل من نجوم القطاع ، الذين سبقوهم ناجي عجور ، وإسماعيل مطر ، وزكريا مهدي ، وأبو جزر والآخرين .
بعد ذلك لم أشاهد أمير الكرة الفلسطينية غسان في الملاعب كثيرا ، وأصبحت أتلمس أخبار تألقه في الملاعب الأردنية ، مع القطبين الفيصلي والوحدات ، حيث شكل البلعاوي مع الحارس "الياشيني" باسم تيم ، حالة نادرة من التألق المزدوج ، في صفوف الغريمين التقليديين في ملاعب الأردن .
سنة 1988 كنت في زيارة للأردن مع منتخب الجزائر ، الذي شارك في بطولة كاس العرب الخامسة ... ويومها التقيت البلعاوي في شقته القريبة من ستاد عمان الدولي ، فكان الحديث ذا شجون ، حول هموم وشؤون الكرة الفلسطينية تحت الاحتلال ، وآفاق تطور هذه الكرة ، والأحلام المشروعة في أن يكون لشعبنا كرة نباهي بها الآخرين !
يومها حدثني البلعاوي عن رحلته في الملاعب العربية ، وحسن سفارته في ملاعب العرب لكرة الشعب المحتل ، تزامنا مع ما فعله الرهوان مصطفى نجم في الاتحاد السكندي والزمالك في مصر ... وقد نشرت اللقاء في صحيفة المنتخب الرياضية ، التي تلقت سيلا من الاستفسارات حول كرة القدم الفلسطينية ، من الجماهير العربية ، التي نجح البلعاوي ونجم في الترويج لها ، عبر تألقهما فوق المستطيل الأخضر .
وبعد قيام سلطتنا الوطنية على ارض الوطن ، التقيت البلعاوي ، على ارض غزة المحررة ، على هامش زيارة النادي الفيصلي ، الذي لعب مباراة أمام نادي فلسطين ، خسرها الأخير بالثلاثة ، ورغم ذلك تمكن النادي الفتي ، بفضل المدرب الواعد من عرض صورة لائقة عن كرة فلسطين – كما نريدها – ويومها زفّ البلعاوي لملاعبنا ثلة من النجوم ، الذين حملوا المشعل الكروي حقبة لا بأس بها .. يومها تحدثت مع البلعاوي عن تحول الحلم الفلسطيني إلى حقيقة ، وعن الورود التي بدأت تتفتح في ظلال الوطن!
في المرة الثالثة التقيت البلعاوي ، على ارض خليل الرحمن ، حين كان مدربا لفريق خانيونس الذي زار المدينة ، ولعب عدة مباريات في دورة محلية ... ويومها لاحظت أن تجربة الرجل التدريبية تنضج رويدا رويدا ، وان إمكانية تألقه كمدرب لمنتخبنا صارت قاب قوسين أو أدنى ، وخاصة بعد نيله شهادة متقدمة من معهد ليبزغ الألماني ، الذي يعتبر حجة في تعليم أسس التدريب ، ومنه تخرج البلعاوي والصباح، وقبلهم الدكتور المعروف منصور الحاج سعيد .
والحق يقال: إن البلعاوي استطاع جمع المجد من أطرافه، فقاد المنتخب الفدائي، وساهم في تحضير ثلة من النجوم الواعدين ، من خلال المنتخب الأولمبي ،ولكن تداول الرجال على العارضة الفنية للمنتخب ، أدى إلى التريث في أمر مواصلته المهمة على رأس المنتخب ، حتى يأتي الله بأمره !
ولعل من حسنات الدوري التصنيفي الحالي ، انه جمع شمل أسرة القدم الفلسطينية ، فكانت الفرصة المنتظرة لتألق نجوم ومدربي القطاع في ملاعب الضفة ، في خطوة أنجبت لملاعبنا تفاعلا رياضيا محمودا بين شباب الوطن الواحد!
قبل عيد الأضحى المبارك التقيت البلعاوي في ملعب الخضر ، ولأنني طالما حرمت من الاحتفال بالعيد مع الأهل ، خلال سبعة عشر عاما قضيتها في المهجر ، تلمست أحاسيس البلعاوي ، الذي قال لي : إنه لم يقابل الأحبة منذ خمسة أشهر .. وبين الأسطر أملا في أن ينال هو وصحبه من المدربين واللاعبين الغزيين فرصة قضاء إجازة بين الأهل في غزة ، والكرة هنا في ملعب المحتل ، الذي يتعامل مع ملفاتنا الإنسانية بمزاجية غير مسبوقة .
رغم ذلك يعتز البلعاوي بالحفاوة ، التي يحظى بها من قبل كل رياضيي الضفة ، مؤكدا أن عمله مع الامعري يمثل ثمرة للإعداد الجيد ، والتفاعل المجدي من كل أبناء أسرة الأمعري ، خدمة لمصالح الفريق العليا .
ولكن البلعاوي ، الذي يتحدث بلغة الفنيين أمل من اتحاد الكرة أن يوقف الدوري لأسبوع أو أسبوعين ، في استراحة للمراجعة ، وللتقييم والتقويم ، لأن لعب 21 مباراة بشكل متتالي لم يحصل في أي بلد في العالم ، فالدوري الاسباني مثلا يلعب 38 مباراة ، خلال عشرة أشهر ، اما نحن فمطلوب منا أن نلعب 21 مباراة خلال أربعة أشهر ، لا تزيد إلا ببضعة أيام .
والحق يقال : إن البلعاوي راض عن تسير الدوري في الضفة ، ولكن له ملاحظات على الملاعب ، وخاصة ملعب أريحا ، كما أن له ملاحظات على أداء كثير من الحكام ، لأن قضاة الملاعب ، لا يعتمدون المعايير نفسها .
قبل الدوري الحالي كنت من المعترفين بان كرة القدم في المحافظات الجنوبية أفضل مستوى من نظيرتها في المحافظات الشمالية ، ورغم الحيوية التي أعادت النشاط إلى ملاعبنا ، إلا أن المدرب الدمث غسان البلعاوي يرى بان الأفضلية ما زالت للكرة في المحافظات الجنوبية ، رغم اعترافه بأن الدوري الحالي ، ساهم في تقريب المستوى بين الضفة والقطاع ، لعدة عوامل ، من بينها الاحتكاك بين النجوم في شقي الوطن .