اتحاد القدم بين تحديات الحاضر وتطلعات المستقبل
بقلم خضر ابو عبارة
رئيس نادي ارثوذكسي بيت جالا
منذ انتخابه في العاشر من ايار الماضي، اثار التشكيل الجديد لكرة القدم برئاسة اللواء جبريل جدلا واسع النطاق ما بين متشكك ومنتقد وما بين متفائل وداعم على اكثر من مستوى لا سيما في الساحة الرياضية والسياسية وبين اوساط الصحافيين والاندية الرياضية وعشاق كرة القدم الفلسطينية.
فقد اخذ البعض يطلق الاحكام ويعقد المحاكمات ويضع المقدمات الافتراضية او الذاتية ويخلص الى استنتاجات تفتقد الى البراهين والمعطيات سواء في مجالسه المغلقة او على صفحات الانترنت بل ان بعضهم راح الى ابعد من ذلك حين اخذ ينعت الاتحاد بالدكتاتورية والفئوية ولما يمض بعد على وجود التشكيل الجديد اكثر من شهرين.
ولا انكر انني ومنذ اللحظة الاولى كنت مع هؤلاء المتشككين في معنى ومغزى وجود رجل امن سابق على راس المؤسسة الرياضية الاهم والعنوان الاساس للرياضة الفلسطينية فالتخوف والتشكيك مشروعين في ظل معادلات سياسية وتحديات غاية في التعقيد وفي ظل بيئة سياسية وامنية تهيمن عليها الحلقية والفئوية والجغرافيا فضلا عن الانقسام العامودي الحاد ما بين الضفة والقطاع وما بين فتح وحماس، فالرجل له باع طويل في المؤسسة الامنية الفلسطينية كما انه من اركان السلطة الوطنية الفلسطينية ما زال له نفوذه وحضوره.
وفي الجهة المقابلة وجدنا البعض قد اوغل في تفاؤله وقفز الى نتائج "مفرطة" في الانجازات والنجاحات وفي ما تحقق او ما يمكن تحقيقه، فراح يعقد الآمال الكبيرة ويرفع من سقف توقعاته في تحقيق نهضة كروية لم يسبق لها مثيل مستندا الى مواقف مسبقة ومحاكمات فئوية وذاتية مجردة وواهية او مضخمة، فاخذ على سبيل المثال يستحضر الماضي ويعقد مقارنات افتراضية ما بين التشكيل القديم للأتحاد وما بين التشكيل الجديد وما بين الحقبة "السوداء" كما يسمونها وما بين الحقبة "المشرقة" التي تنتظرها الرياضة الفلسطينية والتي سوف تتحقق على يد التشكيل الجديد مشيرا على سبيل المثال لا الحصر الى الوزن والثقل النوعي في الاوساط الرياضية الذي بدت عليه كرة القدم بعد تسلم التشكيل الجديد لمنصبه.
ومهما يكن من امر هذين الفريقين، ورغم انني لا الوم احد ولا انكر على احد حقه في التعبير وفي النقد وفي الرقابة الصارمة، او في عقد الامال الكبيرة غير ان المطلوب اجراء محاكمات علمية وموضوعية تستند الى الواقع وترتهن الى سوق البراهين والمعطيات. فكون الرجل والتشكيل الجديد للأتحاد جاءا عبر صناديق الاقتراع وعبر عملية ديمقراطية حرة ونزيهة لا يمكن لأحد ان يشكك في نزاهتها وفي ديمقراطيتها ولم يأتيا على عربات مصفحة او عبر انقلاب عسكري فان من الواجب احترام التجربة الجديدة ودعمها من قبل محبي الرياضة وذوي الاختصاص والحريصين على وجود كرة فسطينية يمكن وتطمح ان ترقى الى مصاف الكرة العربية او العالمية.
وفي هذا الصدد ومن خلال تجربتي المتواضعة مع الاتحاد اسمحوا لي ان اسجل امام اسرتنا الرياضية الواحدة ، بكافة اركانها واقطابها من اندية ومؤسسات ووزارة، من لاعبين وحكام ومن جمهور وعشاق لكرة القدم الفلسطينية في الضفة كما في القطاع في جنين ورفح، في نابلس والخليل كما في بيت لاهيا والبريج وغزة، بعض الملاحظات التي تخلو من اية محاكمات او احكام اعتباطية، اذ من السابق لأوانه كما انه من المرفوض اجراء محاكمات سريعة وميدانية للأتحاد ولما تستقر بعد ملامح الاتحاد الجديد.
اولا: عقم المقارنة ما بين التشكيل القديم والتشكيل الجديد للأتحاد: اذ لا يحق لنا الان وبعد انتهاء معركة الاتحاد السابقة بين مؤيد ورافض الا ان نقدم كل ايات الاحترام والتقدير للاتحاد السابق وللجهود المضنية التي بذلوها ابان حقبة مليئة بالتحديات والتشابكات والصراعات التي لم تؤثر على الاسرة الرياضية بل تسللت وامتدت الى اعضاء الاتحاد نفسه، وليس لنا الا ان نؤكد هنا ان "لكل مجتهد نصيب فاذا اخفق فله حسنة واذا نجح فله حسنتان"، ولعل الانتخابات الاخيرة قد شكلت الفيصل والحكم ما بين الصح والخطأ وبين ما انجز وما لم ينجز، ورغم عدم تغير الظروف والبيئة المحيطة بشكل جذري غير اننا يجب ان ان لا نغمض اعيننا عن عاملين هامين يشكلان تطورا حقيقيا في الحقبة الجديدة تجعلان من المقارنة ما بين القديم والجديد مقارنة واهية وعقيمة وغير موضوعية:
* خفوت حدة الخلافات والصراعات السياسية الداخلية ما بين حماس وفتح، وهو ما يفتح الباب واسعا امام امكانية استعادة الاتحاد لعافيته بعد ان اقعدته واثرت عليه الصراعات السياسية والاقتتال الداخلي الذي شهده القطاع والذي ادى الى نقل الخلافات الى عدد من المؤسسات الرياضية وخصوصا في القطاع.
* وجود شخصية مؤثرة من اصل سياسي وامني لها علاقاتها المحلية والعربية والدولية كما لها نفوذها في مؤسسات السلطة وما ينطوي عليه من امكانيات سياسية ومالية، ممثلة باللواء جبريل رجوب تسعى الى توظيف تلك العلاقات والامكانيات في خدمة الرياضة الفلسطينية وفي خدمة الاتحاد وهو تطور نوعي على الرياضة الفلسطينية اذ لأول مرة في تاريخها تتبوأ احدى الشخصيات السياسية المؤثرة منصب رئيس الاتحاد.
ثانيا: وضوح الرؤيا والاستراتيجية: وهي بداية موفقة اذ يبدو ان الاتحاد الجديد قد وضع يده على الجرح حين وضع نصب عينيه استراتيجية واضحة تقوم على مأسسة الاتحاد خلال العامين القادمين وتحقيق اهداف الاتحاد في رفع مستوى الكرة الفلسطينية ومراكمة انجازات ملموسة خلال تلك الحقبة . وتستند هذه الاستراتيجية الى خطة عمل تقوم على اربعة محاور كما صرح بذلك رئيس الاتحاد في غير مرة: فالى جانب تنظيم الدوري التصنيفي وصياغة استراتيجية جديدة لعمل وتشكيل المنتخب الوطني والمشاركة في كافة المسابقات والبطولات العربية والدولية كتأكيد للهوية الرياضية الفلسطينية بصرف النظر عن النتائج في المرحلة الاولى فان الخطة تتوزع في اربعة محاور:
1- النهوض بالكرة النسوية
2- التأسيس للكرة الشاطئية
3- النهوض بالخماسيات وتوفير البنية التحتية المناسبة لها
4- المنتخبات لكافة الفئات.
ثالثا: العمل على وحدة الرياضة الفلسطينية وجسر العلاقة ما بين الوزارة والاتحاد والاندية : فقد بات من الواضح ان الاتحاد الجديد يسعى الى جمع كافة الوان الطيف الفلسطيني من خلال مخاطبة كافة المؤسسات واستجماع الكفاءات بصرف النظر عن انتمائها السياسي، اذ ان الرياضة الفلسطينية ليست بمنأى عن السياسة تؤثر وتتأثر بها وان كان مفاعيل التاثير اقل بكثير من مفاعيل التأثر ، اننا نامل ان يتحقق هذا المحور وهو برأي المحور الاهم من محاور العمل الرياضي للمرحلة القادمة ففي حال تحقق هذا العامل فانه سيعبد الطريق امام كافة مفردات خطة العمل السابقة الذكر ويوفر امكانية تطبيقها بنجاح. ان نجاح الاتحاد في جسر الهوة السياسية داخل البيت الرياضي الفلسطيني يشكل تحديا جديا علينا جميعا ان نسعى الى تحقيقه. فما لا تحققه السياسة يمكن ان تحققه الرياضة التي لا تعرف هوية حزبية او طائفية او دينية او سياسية كما لا تعرف الا نوعا واحدا من الانتماء وهو الانتماء الوطني.
ومن ناحية ثانية فان الالية التي وضعها الاتحاد والممثلة بلجان التنسيق لأستقطاب اكبر عدد ممكن من الكفاءات الرياضية ممن لم يضمهم التشكيل الجديد، تكون بمثابة امتداد تنظيمي ومناطقي للاتحاد في كافة محافظات الوطن الشمالية والجنوبية، هي صيغة عملية يمكن ان تشكل المدخل العملي لرأب "الصدع" والتئام "الجرح" الرياضي الفلسطيني (ان جاز لنا التعبير) ما بين الضفة والقطاع فضلا عن كونها جسرا حقيقيا للعلاقة ما بين الاندية والاتحاد والوزارة، فلجنة التنسيق المركزية والتي تضم ممثلين عن الاتحاد والوزارة ولجان التنسيق المناطقية هي بمثابة مجلس رياضي اعلى للرياضية الفلسطينية بكل عناوينها ومؤسساتها. وهي الية "مبدعة" من حيث جديتها في لملمة الصف الرياضي بحيث يرقص الجميع على ايقاع واحد بدل ان يغني كل على ليلاه.
رابعا: استثمار العلاقات الدولية: وفي هذا الصدد فاننا ننتظر ترجمة الوعود التي جاءت على لسان رئيس الاتحاد، فالى جانب الدعم والاسناد الذي يقدمه الاردن فان هناك عروضا لدعم الكرة الفلسطينية من العديد من الدول العربية والاسلامية والدولية وفي مقدمتها الامارات العربية وايران وايطاليا وعدد من الشركات ورؤوس الاموال في العالم، ولعل في هذا الاسناد اذا ما تحقق ما يبشر بتوفير المتطلبات الاساسية للنهوض بالكرة الفلسطينية والمتمثل بالدعم المادي بهدف تطوير كافة البنى والهياكل التحتية والكادرية والمؤسساتية والتنظيمية. وهنا اود الاشارة الى ان البرنامج الذي يحمله الاتحاد هو برنامج طموح بحاجة الى تهيئة الظروف الذاتية من اجل استقدام واستيعاب مثل هذا الدعم ، اذ ان العامل الذاتي هو العامل الحاسم في التطور رغم اهمية العامل الموضوعي ولذلك فان نقطة الانطلاق يجب ان تكون من الداخل الرياضي من خلال وضع النظم وتشكيل الطواقم والبنى المؤهلة والمدربة والمؤمنة بتحقيق التطور والقادرة على توظيف تلك المساعدات افضل توظيف وحمل اعباء النهوض بالكرة الرياضية ورفعها الى مصاف الكرة العربية في اقل تقدير. لأن غياب القدرة على توظيف تلك المساعدات يجعل منها سلاح ذو حدين يمكن ان يعيدنا الى المربع الأول ويجعل من تلك المساعدات مفسدة للرياضة عوضا عن ان تكون رافعة لها.
وأخيرا وليس آخرا ان الرياضة هوية وطنية لا تقل اهمية عن الهوية الوطنية السياسية فليس مستغربا ان نرى الملك الاسباني خوان كارلوس اوالرئيس ثاباتيرو او الملك الأردني عبد الله بن الحسين او الرئيس الفرنسي ساركوزي او المستشارة الألمانية ميركل وهم يصفقون بحرارة لمنتخباتهم الوطنية ويكرمون لاعبيهم لتحقيقهم الفوز ويبقى تحقيق فوز فلسطيني في الملاعب العربية والدولية أمل كل مواطن فلسطيني فهل يتحقق؟