تراجيديا الملاعب !
كتب فايز نصار/ الخليل
كنت .. وما زلت ممن يعتزون بالتتلمذ على تراث الأديب الكبير ، علي الخليلي ، الذي قابلته مرة واحدة في حياتي ، في مكتب عتيق قرب باب العامود ... عندما كان الرجل الأول في صحيفة الفجر المقدسية ، التي خرجت ولم تعد !
أذكرتني عمدة أدباء فلسطين خرجته الأخيرة ، في عمله القصصي الموسوعي " تداعيات التراجيديا ... ومكابدات السرد " والذي احتفي به أسبوع إحياء ذكرى النكبة ، على الجبهة الأدبية .. التي كانت ... وما زالت .. ونأمل أن تبقى الواجهة المشرقة لتراث الفلسطينيين ،، لأن حملة أقلام الغضب ، في حكايات العذاب القاسية "ما قصروا " وكانوا خير سفراء ، لشعب يملك ذائقة فنية يحسد عليها !
الأستاذ علي الخليلي لم يتوقف - رغم اشتعال رأسه شيبا - عن القراءة ... وهو مولع إلى درجة الإدمان برصد الحكايات الشعبية ، التي كان بسطاء فلسطين أبطالها !
ولا يتوقف الأمر هنا .. لأن لعبة الإبداع عند الأديب النابلسي جعلته يعيد قراءة الأحداث بقلمه ، في روايات جديدة ، أنجبت نوعا أدبيا ، هو توليفة بين السرد والنقد !
الدرس الأخير ، الذي تعلمته في مدرسة علي الخليلي ، انك يجب أن لا تيأس ، حتى لو قال الجهلاء : إن كل كتاباتك لا تساوي ضمة فجل أحمر ،، وأما الدرس الأهم فهو : انك يجب لان لا تتوقف عن القراءة ، ولو فعلت ذلك وحدك ، حتى تفند مقولة : إن امة العرب لا تقرأ .. ويجب عليك أن تفهم ما تقرأ ، حتى تكذب أقوال من يدعون أننا إذا قرأنا .. لا نفهم !!
إنه أيضا درس في الرياضة .. التي تحتاج إلى جيل متفتح ، لا يتوقف عن القراءة ، ولا يتوقف عن الفهم ، ولا يتوقف عن مقارنة الأشباه والنظائر ، قبل قياس الأمور بالحكمة ، والوصول إلى النتائج البينة ، فتكون العصارة استخلاصا واعيا للعبر ، حتى لا نعود دائما إلى خط البداية ، وحتى لا نبقى نقدس القديم الفاشل ، إذا ثبت أن من يجرب المجرب ، يعيش طول عمه مخرب!
تداعيات تراجيديا علي الخليلي ، كانت ثمرة عشر سنوات من القراءة ، في دفاتر الأيام الفلسطينية ، ومحطات الحراك لشعب صقل في أتون المحن ، فخرج منتصب القامة ، مرفوع الهامة ،رغم أن نوائب الدهر عضته بنابها ، وقسمته بين مطرود من وطنه ، يعض بالنواجز على مفتاح العودة ، وبين غريب بين أهله ، يظنه السفهاء مغردا خارج السرب ،محاولا اقتحام قلعة ، أنشئت من تراكم الارتجال ، الذي يساوي الجهل !
أدعو شباب فلسطين ، أمل هذا الوطن ، ورمانة الميزان في كل المعادلات ، إلى قراءة فاهمة لسرد الخليلي ، ومكابداته الفنية ... وأدعو الخليلي إلى أن يلتفت في سرده القادم إلى الملاعب الجرداء ، وقصص بطولات الدوري ... التي وجدت في الحي ، من تفنن في وضع العصي في دواليبها !
واجزم أن الخليلي سيجد في دفاتر الملاعب الفلسطينية أحداثا ، لا تنقصها إلا الحبكة الفنية ، لتصبح قصصا ، سيتلقفها المنتجون منطلقا لأفلام ومسلسلات ، ستلقى رواجا ، بعد تعديلات السيناريو الفنية ، لأن قصص ملاعبنا لم تحصل حتى في الأفلام الهندية !
سيجد الخليلي في ملاعبنا حكاية مدرب يطارد شبله بالكرباج ، فيعمد الشبل الشقي إلى رقص " على الوحدة ونص" مراوغا المدرب ، وقد حمل قميصا أحمرا ، على طريقة مصارعي الثيران !
وسيجد الخليلي في ملاعبنا حكاية لاعب حرمته الإدارة من بدل المواصلات ، فسرق مجموعة من الكؤوس ، وباعها على بسطة ، نصبها على قارعة الطريق !
وسيجد الخليلي حكاية حكم مساعد بيّت مؤامرة غير مسبوقة ضد حكم المباراة الأول ، فاختلط الحابل بالنابل ، فوقف الحكم المتآمر مفتخرا بعمله الخسيس... وحكاية حكم آخر ما زال محروما من النوم ، لأنه يعاني من عذاب الضمير بعد استجابته "للجاهة الكريمة" التي أحرجته ، وجعلته يقبل تغيير حيثيات تقرير المباراة !
وسيجد الخليلي حكايات أخرى ، عن المدربين ، والإداريين ، واللاعبين ، والإعلاميين ، والجمهور .. وفيها منسوب عامر من الإثارة ، غير المسبوقة !
حكايات الملاعب الفلسطينية تحتاج إلى إعادة قراءة ، على طريقة الخليلي في تداعيات التراجيديا ، ومكابدات السرد ... وأنا واحد من تلاميذ الخليلي النابلسي ،وقد بدأت منذ سنة تدوين حكايات جمعتها من ملاعبنا ، في كتاب أسميته على بركة الله "ملاعب الدغري " ومن وجد قصة تستحق إعادة القراءة ، وإعادة النشر ، فليرسلها لي على هذا اليميل .
nassarsport@yahoo.com