عن بطولة جنين
خالد إسحاق الغول
من اجل تجسيد التواصل الذي لا يأبه بالأطواق والأسوار والحواجز، حضر وفد من تجمع قدسنا للاتحادات الرياضية مباراة وحفل اختتام بطولة معركة جنين التي أقامها مركز شباب مخيم جنين يوم الجمعة الماضي. وهناك استقبلونا بحميمية تشي بصدق وجموح الرغبة في استنشاق رائحة القدس، ولكل ما يمت للمدينة المقهورة والمحاصرة بصلة.
قبل التوجه الى الملعب، وفي أول محطة لنا زرنا بيت أب فلسطيني مثل كل إبائنا وأجدادنا الصابرين الذين لا تنحني لهم قامة ولا تلين لهم قناة أبو عبد الله حويل والد الشهيد (نجيب) والأسير النائب (جمال) الذي يصر على أن يتصدر اللاعبين القدامى في جنين، ثم تابعنا الزيارات والدردشات مع الأهالي واللاعبين والمنظمين للبطولة فالكل متلهف للحديث، ولكل ملفه الشخصي في أرشيف المحلمة.
حدثونا في جنين عن الرياضيين الذين عندما يدخلون في اللعبة تكون أكتافهم أول من يروضونها للمهمة القادمة..
حدثونا في جنين عن أهمية اللعب والثقافة والخضرة والدلعونا والأعراس والزجل والحديقة النظيفة والانضباط والفرح والحب والحرية وقيام الليل حتى قيامة النهار ..
حدثونا في جنين عن صور تحولت إلى معلقات ابلغ من كل القصائد، وعن جداريات رسمتها عيون تنقش في توهجها كتاب الحياة.
حدثونا في جنين عن الوحدة والتضامن والمصير المشترك، وحياة الجميع من أجل الجميع، والكتف المسنودة بالكتف..
حدثونا في جنين عن الشهداء الذين سيعودون هذا الأسبوع كي يتفقدوا جبل أحد: هل ما زالت أسوده تحميه أم غادروه من اجل مغانم بخسة؟.
رأينا أماكن كانت قبل أيام خرائب سحقتها الأيدي السوداء، ثم أصبحت أحياء حميمة تلم الشمل والقلب الواحد بعد أن رفعتها من تحت الردم اليد البيضاء للشيخ النزيه زايد بن سلطان آل نهيان.
إذا أردت أن تعرف جنين اذهب إلى هناك، توضأ بتراب ينهل منه الحناء، وقبل جبين السنابل المتدلية على خد النصب التذكاري، وامش بين الأحياء في مراقدهم الأخيرة تتنفس عشق الحياة وأمل الكينونة وبهاء الوجود.
عندما كنت امشي بينهم قال لي احد المرافقين: هنا يرقد شهداء من عائلة الغول من جنين، قلت له: إنهم شهداء فلسطين، سقطوا في جنين ورفعنا رؤوسنا بهم في غزة وبكيناهم في سلوان، كلنا نفتخر بكلنا.
هناك.. في جنين، ليس لكل شهيد قصة، بل لكل شهيد قصصا وأحلام ومشاكسات وطرائف عندما يحكيها المنتظرون، الذين ما بدلوا تبديلا، تترقرق عيونهم حزنا على الفراق، لا ندما على البطولة.
في جنين، نحن لسنا فقط أمام بطولة رياضية تفوق فيها فريق مركز شباب جنين وحاز على اللقب بجدارة، بل نحن إمام البطولة بمعناها الأشمل ..
هناك في جنين: الرياضة، .. البطولة.. الوطن، والسماء تتواضع وتتهادى لتحكي لكل فضاء الكون عما تكتبه الأرض من أناشيد وما يجترحه الإنسان من أشياء عادية أشبه بالمعجزات.