الرياضة والقاعدة..!
كتب صهيب زاهدة
بينما كنت أنصت إلى محاضرة أستاذي الجزائري (بوطالبي)، علقت جملة في ذاكرتي: كل "شيء مبني على منطق عقلاني "؛ فأي مشكلة لها منطقها العقلاني، الكذب له منطقه العقلاني، السرقة لها منطقها العقلاني، وكذلك التيه الرياضي الفلسطيني له منطقه العقلاني والذي يستدعي منا الوقوف عليه وتشخيص الحالة الرياضية الفلسطينية لتتجلى لنا الأمور بصورة موضوعية وتظهر النقاط الإيجابية والسلبية للأداء المؤسساتي والمجتمعي.
النظرة الإجتماعية للرياضة:
تحتل الرياضة في سلم الأولويات الإجتماعية في فلسطين مكانة ثانوية من حيث الأهمية؛ إذ لا يعطي الفرد والمجتمع لممارسة الرياضة أهمية ملفتة للنظر، فنظرة المجتمع الفلسطيني للرياضة سلبية وذلك واضح من خلال الآراء التي تتردد على ألسن المواطنين عندما يستجوبون حول أو يناقشون موضوع رياضي، وخير مثال على ذلك: أن نسبة الطلبة الذين يتوجهون لدراسة الرياضة وعلومها ضئيلة جدا، واعتبار أن الذين يدرسون الرياضة هم من الطلبة المتدنية نتائجهم، وهذا أفضل دليل أن الثقافة الرياضية لدى الطبقة المثقفة والمتعلمة غير واعية بما يكفي، علما أن فرص العمل في هذا المجال متاحة أكثر من غيرها في الميادين الأخرى.
الرياضة الجماهيرية:
تمثل الرياضة الجماهيرية جميع الأفراد على إختلاف طبقاتهم الإجتماعية والإقتصادية والذين يمارسون الرياضة لأهداف صحية ونفسية وترفيهية، والمعلوم أن الرياضة الجماهيرية تعكس صورة نمط حياة لدى مجتمع يعتبر ممارسة الرياضة جزء من حياته اليومية.
وبما أن نظرة المجتمع الفلسطيني للرياضة سلبية إلى درجة ما، فمن المعقول أن تكون الرياضة الجماهيرية بمستوى ضعيف استنادا إلى نسبة أعداد السكان الممارسين للرياضة، حيث تشير الإحصاءات الفلسطينية أن نسبة الشباب المنتسبين للمؤسسات الرياضة هي 10% أي واحد مقابل تسعة لا يمارسون الرياضة.
وباعتبار أن الرياضة الجماهيرية هي الأساس والقاعدة التي تنبثق منها النجوم الرياضية وتبرز من خلالها رياضة النخبة، فالرياضة الجماهيرية الفلسطينية لا تستدعي إلى التفاؤل وخاصة أن رياضة المنافسة تتطلب قاعدة رياضية تتكون من أعداد كبيرة من الرياضيين الذين يتنافسون فيما بينهم بشكل دوري ومنتظم على المستوى المحلي والوطني لرفع المستوى التقني والتكتيكي للاعبين واختيار الأفضل من بينهم.
دور المؤسسات التعليمية:
تضم المؤسسات التعليمية أكبر عدد من الأطفال والشباب الفلسطيني من ذكور وإناث والذين يمثلون النسبة الأعلى من حيث عدد السكان، وهذه المؤسسات يعول عليها أن تكون هي الإطار الذي يعلم ويثقف ويربي الأجيال لإعدادهم إلى مستقبل واعد ومشرق، لكن وللأسف فإن مؤسساتنا التعليمية لا تقوم بواجبها على أكمل وجه في إعداد التلاميذ والطلبة من الناحية الرياضية والبدنية، ويتلقى الطالب في المدارس الفلسطينية حصة رياضة واحدة فقط أسبوعيا يستغلها الطلبة في أحيان كثيرة لقضاء وقت فراغ ولهو لا فائدة منه، وهذا يقودنا إلى إدراك أن الرياضة والتربية البدنية ليست من اهتمامات تلك المؤسسات والتي تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية في تراجع الصحة العامة والمستوى الرياضي بشكل عام.
الظروف السياسية والإقتصادية:
ما من شك أن الإستقرار السياسي والإقتصادي يلعبان دورا هاما في تنمية أوجه الحياة عامة، وسيطرة الإحتلال الصهيوني على كل مقدرات الشعب الفلسطيني وأراضيه وتشتت أبناءه في مختلف البلدان والقارات تحد إلى درجة كبيرة من تطور الرياضة الفلسطينية، الرياضة تحتاج إلى ميزانيات كبيرة لتوفير المنشآت الرياضية والملاعب والأدوات المناسبة لممارسة الرياضة وفي ظل الحصار الإقتصادي الظالم على شعبنا الفلسطيني يصبح الحلم الرياضي الفلسطيني أقرب إلى المستحيل، ناهيك عم وجود مئات الرياضيين القابعين في سجون الإحتلال، ومع الإضطرابات السياسية والأمنية الداخلية تزداد الأمور سوء على الوضع الرياضي خاصة لما تفرزه هذه الأزمة من خلق فجوة إجتماعية بين أبناء الرياضيين المنتمين إلى هذه الجهة أو تلك.
تغييب الكفاءات:
بالرغم من قلة الكفاءات الرياضية، إلا أن ظاهرة تغييب وتهميش الكفاءات الرياضية الموجودة عن الساحة الرياضية الفلسطينية له تأثير سلبي على مستوى الرياضة، وبدلا من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، استغلت المناصب الإدارية في المؤسسات الرياضية الوطنية بشغلها من قبل أصحاب النفوذ لوضع أشخاص ليس لهم علاقة بالرياضة والذي يكلف الخزينة المالية دفع رواتب ونفقات كان الأولى أن تنفق على تطوير الرياضة والرياضيين، والذي بدوره عكس المستوى التنظيمي والإداري الغير مرضي للفرق الرياضية الفلسطينية في أسياد الدوحة وغيرها من البطولات العالمية والعربية.
الخلافات الرياضية:
عكست الخلافات التي برزت بين الوزارة والأولمبية أثرها على الساحة الرياضية الفلسطينية، فعدم وضوح الصلاحيات لكل من كلا المؤسستين بسبب غياب قانون رياضي واضح جعل المجتمع الرياضي يغرق في خلافات وتجاذبات رياضية عمل على تراجع الرياضة ميدانيا وإداريا، وكذلك الخلافات التي نسمع عنها يوميا بالصحف والمطالبة باستقالة وتغيير رؤساء و أعضاء بعض الإتحادات الرياضية لأسباب نعرفها جميعا، شكلت صورة قاتمة للواقع الرياضي.
الإعلام الرياضي:
تحتل وسائل الإعلام سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة مساحة كبيرة في التأثير على الرأي العام وتوجيهه، والإعلام الرياضي الفلسطيني يلعب دورا هاما في هذه المساحة، ولكن المادة الإعلامية المقدمة للجمهور الرياضي والجمهور العام تقتصر في أغلبها على نشر الأخبار الرياضية للمؤسسات والنوادي والفرق الرياضية ولا يلاحظ إهتمام كبير من قبل الإعلام بحل المشاكل الرياضية والمساهمة في تطوير الرياضة وتثقيف وتوجيه الجمهور الرياضي والعام بشكل علمي وموضوعي.
إنه لمن العبث تخيل لاعبينا على منصات المنافسات الدولية أو حتى العربية أحيانا كثيرة متوجين بالذهب أو الفضة أو البرونزية، فإذا حصل ذلك فما هي إلا بطولات-أصلا- من المستوى الضعيف التي لا ترتقي إلى المستوى العالي، وهذا ليس تقليلا من شأن لاعبينا أو مدربينا بل هو منطق الحقيقة التي يجب أن نتقبلها ونعمل على أساسها، فالوصول إلى المنافسات العالمية بأبطال فلسطينيين يحتاج إلى تدريب وعمل سنوات وجهد متواصل وميزانيات كبيرة وكفاءات عالية ودائمة التطور وإمكانيات كبيرة نفتقدها بل ونفتقد إلى ابسطها، وهذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي متفرجين، بل ولكن أن نتحرك ونعمل بما هو متاح.
الدول التي تحصد المراكز الأولى في المنافسات الدولية الكبرى مثل الألعاب الأولمبية وأسياد الدوحة مرت بمراحل كثيرة وأخذ ذلك منها عشرات السنين وكلفها الكثير،كما وتتوفر لديها إمكانيات وجامعات رياضية وملاعب في كل مدينة وحي، ناهيك أنها دول مستقرة اجتماعيا وأمنيا وسياسيا على عكس أوضاعنا في فلسطين، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، لماذا نحاول تقليد هذه الدول ومنافستها وكأننا في مصاف الدول العظمى متجاهلين حقيقة وضعنا ومستوانا الرياضي والسياسي والثقافي؟! هل نعتقد أن العالم ينتظر منا أن نحصد الميداليات الذهبية لأننا دولة مستقلة ونمتلك الثروات الكبرى؟! أو أن الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية تضعنا في حسبانها لأننا نمتلك نجوم الرياضة العالميين؟ أليست هذه الدول هي التي نطلب منها من حين إلى آخر أن تتكرم علينا بعقد دورة لأحد فرقنا الرياضية ؟! أليس ألأولى بنا أن ننظر إلى واقعنا الراهن ونتعامل مع هذا الواقع كما هو؟! لماذا نعاند أنفسنا وكأننا واثقين من الفوز ثم ندخل في تيه متكرر لا مخرج منه؟!
الخروج من هذه الازمة الرياضية ليس بالأمر المستحيل، لكن الإستمرار في تكرار الأخطاء وعدم التعلم منها تيه كبير، لقد سئمنا هذا الوضع البائس، وكأننا نزرع قمحا بالغيوم.
بعد عرض أهم الأسباب التي كانت دائما وراء الإخفاق الرياضي الفلسطيني بشكل عام، نلاحظ أنها متداخلة وكل سبب له علاقة مع الأسباب الأخرى أي أنها ليست بمعزل عن بعضها البعض، وفي مثل هذه الحالة لا بد وأن نجتهد لكي نجد مخرجا لهذا المأزق الرياضي، وبما أننا كفلسطينيين نعرف أكثر من غيرنا وضعنا الراهن، فنحن الأقدر على إيجاد الحلول الواقعية لهذه الأزمة الرياضية.
نحو استراتيجية التطوير الرياضي الذاتي
المقصود بالإستراتيجية هنا هو وضع كافة الإمكانيات الفلسطينية الرياضية المتاحة من بشرية ومادية في إطار منظم للعمل لفترة زمنية تأخذ منا بضعة سنوات قصد الوصول إلى هدف رياضي عام، والذي يتمثل في بناء قاعدة رياضية فلسطينية( رياضة جماهيرية) في كل مكان يتواجد فيه أبناء شعبنا سواء في داخل الوطن أو الشتات.
1- التركيز على تأسيس رياضة جماهيرية تتمثل في جميع طبقات المجتمع من ذكور وإناث لأهداف صحية وإجتماعية وثقافية وترفيهية ستكون بمثابة قفزة نوعية لم تشهدها أي بلد من الدول النامية، حيث سيكون دائما لدينا مخزون رياضي بشري هو الأساس في تطور الرياضة التنافسية.
2- نشر الوعي الثقافي الرياضي وحث أفراد مجتمعنا الفلسطيني من ذكور وإناث على ممارسة الرياضة خاصة الرياضات التي يمكن أن يقوم بها الإنسان لوحده مثل رياضة المشي والجري والألعاب الشعبية ككرة القدم والطائرة وتنس الطاولة والتي لا تحتاج إلى أموال كبيرة.
3- تطوير التربية البدنية والرياضة في المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومضاعفة عدد حصص التربية البدنية والرياضة إلى ثلاثة أسبوعيا.
4- تطوير دور الإعلام الرياضي والعمل على تقديم مادة إعلامية تثقيفية للجماهير في الرياضة.
5- سن قوانين تلزم المؤسسات التجارية والاقتصادية على دفع ضرائب لتطوير الرياضة وبناء منشآت رياضية عامة.
6- إعادة النظر بشكل دوري في مواد قوانين المؤسسات الرياضية والعمل على تعديلها بحيث تعمل على تسهيل عملية الممارسة الرياضية وفتح الأبواب لجميع الأفراد للاستفادة من الخدمات الرياضة التي تقدمها.
7- تحفيز الطلبة خريجي الثانوية العامة على التوجه لدراسة الرياضة والتربية البدنية.
8- تطوير كليات ومعاهد التربية البدنية والرياضة حتى تكون مصدر تزويد المجتمع بكفاءات علمية رياضية بمستوى قادر على المساهمة في المشروع الرياضي الوطني.
9- إعادة النظر في السياسات الإدارية والمالية والأهداف للمؤسسات الرياضية خاصة وزارة الشباب والرياضة والاولمبية والاتحاديات الرياضية.
10-تفعيل دور البلديات والمؤسسات الرسمية والعمل على بناء علاقات داخلية بين تلك المؤسسات وتوقيع اتفاقيات تعاون في المجال الرياضي فيما بينها.
11-وضع قانون رياضي يوضح دور جميع المؤسسات والهياكل الرياضية وطرق عملها بشكل واضح ومرن يتناسب مع الوضع و الواقع الرياضي الفلسطيني.
suhaib_za@hotmail.com