"في المَرمى".... تكتيك التهييج
كتب فايز نصّار- القدس الرياضي
كان الهُدهُد دقيقاً في نقل الأخبار، فلم يقل: سمعت، ولا يبدو، ولا يُشاع، وجاء على لسانه في سورة النمل: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) ورغم أنّه لا يجرؤ على الكذب، لم يتسرع نبيّ الله سليمان في ردّة الفعل، وقال عليه السلام: (سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾.
القصة- يا فرسان الإعلام الرياضيّ- ليست مجرد نسخ ولصق، فالتحري والثبُت والتمحيص، يمنع تسرب المعلومات المُحرفة، التي يمتهنها الإعلامُ المساند للقوى المعادية، التي تعتمد حرب الاشاعات الفتّاكة.
وفي خضم عدوان غير مسبوق على أمتنا يظهر أثر هذه الحرب، التي تضرب تحت الحزام، وتحاول تسريب الأخبار الميِّتة، التي فقدت أهميّتها، ولكنّها تساهم في إرباك خصومها، والمُميتة التي تحاول تفتيت الجبهة الداخليّة للشعوب المستهدفة.
في هذا السياق، تنشط خلايا معادية في استغلال حماسة الجماهير الرياضيّة، لتوسيع الشرخ بين أنصار الفرق والمنتخبات في بلاد العرب، يساعدها في ذلك ركوب كثير من غير المؤهلين صهوة الإعلام الرياضيّ، وعدم تدقيق قدرات من يعبر عن رأيه على السوشيال ميديا، التي أصبحت مفتوحة على الغارب لمن هبّ ودبّ!
منذ وقع منتخبا العراق والأردن في المجموعة الثانية في التصفيات الموندياليّة علت الأصوات، التي صورت المباراة وكأنّها الفتح المبين نحو بلاد الأمريكان، وكثرت الأغاني والأناشيد، التي جيّشت الجماهير قبل" أمّ المعارك" فلمح الخيرون أموراً غريبة على علاقات الشعبين الجارين، اللذين تقاسما السراء والضراء في جيرة الهلال الخصيب.
صدق الرسول الأكرم حين قال لمعاذ رضي الله عنه: " كفّ عليك هذا" مشيرا إلى لسانه، الذي يكبّ الناس في النار، بما يقتضي أن يكفّ الكوبرديون عليهم أصابع الرقن، وأن يحذر الإعلاميون جريرة حبرهم، الذي سيسألون عنه.
في تقديمي لمباراة منتخبنا مع عُمّان زلّ قلمي معتبراً المباراة "معركة" مهمة للإبقاء على حظوظ الفدائي، فسارعت لتغيير كلمة" معركة" ب"محطة" التي تؤدي الغرض نفسه، ولا تستفزّ أحداً.
كنت شاهداً على مباراة الحسم لمونديال إيطاليا بين الجزائر ومصر سنة 1989، التي جرى ذهابها في ظروف أخويّة، ولكنّ قبل مباراة العودة استخدم بعض الإعلاميين عبارات من لدن وزارة الحربيّة، فكتب أحدهم: " سنزلزل الأرض تحت أقدامهم"، وذهب آخر إلى تشبيه المباراة بعبور إلى إيطاليا، يعيد سيرة عبور خطّ بارليف.
ولم يسمع الغلابى يومها مثل هذا التهييج المُتكتك، الذي لا يسجل أهدافاً، ولا يجلب بطولات، ولكنّ ساهم مُغرِضون في نقله، فغضب الناس، وتوترت الأجواء، تماماً كما فعل صاحبُ أغنية " الثار.. الثار" قبل لقاء أسود الرافدين والنشامى، وقصده- والله اعلم- مزيداً من التَرَنُّدِ على حساب مسألة قوميّة حساسة!