عندما تتحول الرياضة إلى سلاح لممارسة الضغط السياسي!
الاعلامي الجزائري حفيظ دراجي
الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وردود الفعل الدولية
وتداعيات ذلك على النظام الدولي العالمي بكل تناقضاته، أعاد الى الأذهان ممارسات
واعتداءات سابقة على شعوب ودول أخرى من دون أن تلقى نفس التضامن الغربي الذي يحدث
مع أوكرانيا، وأعاد الى الواجهة سؤالا لا يزال يطرح حول جواز خلط الرياضة بالسياسة
من عدمه، خاصة بعد دخول هيئات رياضية أوروبية ودولية على الخط بسرعة من خلال إعلان
الاتحاد الأوروبي لكرة القدم نقل نهائي دوري الأبطال لهذا الموسم من سان بطرسبورغ
الى باريس، وقرار الاتحاد الدولي باقصاء المنتخب الروسي من مباريات الملحق
الأوروبي المؤهل الى كأس العالم، اضافة الى اتحادات رياضية أخرى سلكت نفس الأسلوب
مع الرياضيين الروس في وقت كانت نفس الهيئات تعاقب كل رياضي أو منتخب يرفض مواجهة
إسرائيل رياضيا بسبب اعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني.
الإنسان العاقل مهما كان جنسه وعقيدته ولونه
يرفض الحرب ويندد بالاعتداء على الأبرياء سواء كان في أوكرانيا أو فلسطين، لكن قيم
السلم والحق والعدل هي كل لا يتجزأ، ولا يمكن لمعنى العدوان أن يتغير حسب هوية
الجاني ولون الضحية، ولا حسب المكان والزمان، ولا يمكن اعتبار الاجتياح الروسي
عدوانا، ومقاومة الأوكرانيين للغزو دفاعا عن أراضيهم ضد الغزو، بينما يعتبر
الاجتياح الاسرائيلي لغزة والاعتداءات على لبنان وسوريا والعراق واليمن بمثابة
تحرير لشعوبها وحرب على الارهاب، واعتبار مقاومة الفلسطينيين في كل الأراضي
المحتلة بمثابة اعتداء على اسرائيل، ومن يدعمهم يعادي السامية ويشجع على الارهاب،
وفي ذلك ازدواجية مفضوحة في التعامل مع الأحداث حسب طبيعة المعتدي، فيوصف الطفل
الذي يلقي الحجارة على دبابة اسرائيلية دفاعا عن أرضه بأنه ارهابي، بينما يوصف
الأوكراني الذي يصنع قنابل المولوتوف بيده لمقاومة الروس بأنه فخر لأوكرانيا
وأوروبا!
العاقل لا يمكنه أيضا فهم واستيعاب الازدواجية
السائدة في التعامل مع مبدأ اقحام السياسة في الرياضة عندما تدعو وتدعم الهيئات
الرياضية الى مقاطعة ومعاقبة الرياضيين الروس بحرمانهم من المشاركة في المنافسات
الرياضية الدولية بحجة اعتداء بلدهم على الغير، بينما تعاقب نفس الهيئات الرياضية
كل رياضي عربي يقاطع الرياضيين الاسرائيليين بسبب تمادي سلطات بلاده في العدوان
على الشعب الفلسطيني الأعزل منذ عشرات السنين، مثلما حدث للمصارع الجزائري فتحي
نورين الذي عاقبته اللجنة الأولمبية الدولية بحرمانه من ممارسة الجودو لمدة عشر
سنوات بسبب رفضه مواجهة مصارع اسرائيلي في أولمبياد طوكيو، مثله مثل عديد
الرياضيين العرب في مسابقات أخرى، رغم أن الميثاق الأولمبي والقوانين واللوائح،
وحتى القيم والمبادئ المتعارف عليها في الرياضة تكتفي بالعقوبة الفنية وهي الاقصاء
لكل منسحب من أي منافسة.
الحرب على أوكرانيا لم تكشف فقط عن ازدواجية
المعايير واقحام فاضح للسياسة في الرياضة، بل تحولت اثرها الرياضة الى سلاح
لممارسة الضغط السياسي، من خلال تهديدات الفيفا بإقصاء روسيا من المشاركة في
تصفيات الملحق الأوروبي المؤهل لكأس العالم 2022 إذا استمر العدوان، ومن خلال
السماح للجماهير وحتى اللاعبين برفع الأعلام الأوكرانية في مباريات مختلف الدوريات
الأوروبية، في وقت كان الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والفيفا يمنعان كل تعاطف مع الفلسطينيين،
ويرفضان كل النداءات التي تدعو الى معاقبة المنتخب الاسرائيلي الذي يحظى بالمشاركة
في المسابقات الأوروبية للأندية والمنتخبات وهو بعيد عن قارة أوروبا، بينما تستمر
الحرب على غزة وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة كل يوم، ويواصل العرب محاصرة الشعب
الفلسطيني ومقاومته بالموازاة مع مسلسل التطبيع السياسي والرياضي والثقافي من طرف
بعض الأنظمة المتواطئة التي لم تجن سوى مزيد من الاحتقار من طرف شعوبها، والمزيد
من الاذلال من اسرائيل وحلفائها، ليبقى مبدأ عدم خلط الرياضة بالسياسة مجرد شعار
يفرضه الغرب القوي على كل ضعيف في كل مكان وزمان عندما تقتضي المصلحة ذلك.