كرة القدم في زمن المال والأعمال
كتب محمد أبو زعرور
لم تكن كرة القدم فيما سبق مسرحًا للمستثمرين أو لاستعراض الغناء الفاحش كما نرى الآن، فالجميع أسموها سابقًا بلعبة الفقراء؛ بسبب قدرة الجميع على لعبها ومتابعتها، لكن الأمر قد تحول إلى النقيض مع بداية ظهور حقوق البث الحصرية، وشركات الرعاية والاشتراكات التلفزيونية.
كانت اللعبة تلعب لمجرد المتعة، أما الآن بات جزء منها مخصصًا لاستعراض سيارات اللاعبين عند وصولهم للتدريبات، وقصات شعرهم العصرية مع بداية كل أسبوع، ونمط حياتهم الفارهة في منازلهم الفخمة.
وفي حقيقة الأمر فإنّه لا يخفى على مُشاهد كرة القدم الفرق الكبير الذي أحدثته العملة الصعبة بين الماضي والحاضر، واذا ما اردنا عدم الابتعاد كثيرًا بالسنين والأيام فلن نعود اكثر من 30 عامًا الى الوراء، ذلك العاشق الذي اقتنع بجودة الليغا ومتعة الكالتشيو وروعة البريميرليغ لن يخفى عليه الهبوط الحاد في مستوى كرة القدم بين ذلك الزمان وهذا الحين.
الجيل الذي نتكلم عنه شاهد مارادونا وماثيوس في مونديال 90 واستمتع بباجيو وروماريو بكرنفال 94 وتخللهما فوز كتيبة شمايكل ورفاق كلينسمان في يورو 92 و96 على التوالي بل وربما كان المونديال الفرنسي الرمق الأخير في بداية نقطة النهاية لزمن المتعة والاقناع لكل من شاهد وتابع كرة القدم في نهاية القرن الماضي.
ذلك الزمان الذي لم تختلف به جودة كرة القدم لا على سبيل الأندية ولا المنتخبات، المونديال استثنائي للجميع واليورو تلك البطولة التي أظهرت غيرةً لم نعد نراها لدى كبار منتخبات أمريكا الجنوبية في رغبتهم الجامحة للمشاركة ولو في مباراة واحدة على الأقل في الكرنفال الأوروبي، اما على مستوى الأندية فأيُّ جنونٍ ذلك الذي شاهدناه في الليغا وأي رونقٍ كنا نراه في الكالتشيو، واي اثارةٍ كان البريميرليج سببًا فيها، كل ذلك في كفّة والمسمى القديم لدوري ابطال أوروبا في كفّةٍ أخرى "بطولة الأندية الأوروبية أبطال الدوري".
وصلنا الى العام 2000، بداية القرن العشرين، ولو عدنا في الزمن الى ذلك الحين ليتنبأ أحدهم بمستوى وجودة المستديرة في هذه الأيام لقيل عنه مجنون، ولكن وفي حقيقة الأمر فلم يكن هنالك من يطلب الأرقام الفلكية التي نراها هذه الأيام ان كان من الأندية ام رواتب اللاعبين او وكلاءهم الذين كانوا سببًا رئيسيًا في تدمير كل ما له علاقة في كرة القدم
وفي اجمل تصور قد ننقله الى القارئ، يقول اللاعب الدولي الأسبق لمنتخب ويلز وأسطورة مانشستر يونايتد الإنجليزي، لعبت لمدة 24 عامًا متتاليًا مع مانشستر ولم أجمع أموالًا طوال مسيرتي كالذي يجمعها اللاعبون هذه الأيام في 3 أعوام، كان اذا ما رغب السير اليكس فيرغسون في استقطاب لاعب ما، كان يشاهده لمدة لا تقل عن عامين حتى يخوض الاختبارات في مانشستر، فتراه ينتقل بمليون او مليوني يورو مع راتب لا يعتبر فلكيًا كالأرقام التي نسمعها ، أما الان فترى لاعبًا يتألق في أي دوري من الدوريات الصغيرة لمدة نصف موسم فقط ثم تراه لاعبا لأحد اندية كبار أوروبا بصفقة انتقال لا تقل عن 70 مليون يورو وراتب سنوي لا يقل عن 10 ملايين يورو.
ما من شكّ في أن هذا التغيير الذي حدث كان فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد في فترته الأولى سببًا في انارة شرارته في أوروبا والعالم أجمع، جيل الغلاغتيكوس الذي كونه بيريز في النادي الملكي كان أمرًا لم يسبقه احد اليه، جلب زين الدين زيدان من يوفنتوس ولويس فيغو في أكثر صفقةٍ اثارت الجدل لغاية يومنا هذا من برشلونة عدو مدريد اللدود الأول في العام الذي يليه ب 56 و 65 مليون على التوالي كانت أرقامًا فلكية لم تشهدها أوروبا من قبل، ليتم تعزيز الفريق لاحقا بالظاهرة البرازيلية رونالدو والأمير الإنجليزي ديفيد بيكهام بوجود معشوقهم الأول راؤول غونزاليس والاسطورة البرازيلية لمركز الظهير الايسر روبيرتو كارلوس.
السبب الاخر في احداث هذا التغيير هو إلغاء قانون سقف الرواتب، جميعنا يعلم ان هذا القانون تم العمل به سابقًا ولكن لييس درجة ان يصبح وكيل اعمال اللاعب ًهو صاحب القرار الأخير في قبول العروض المتاحة له أو رفضها، بل ان هنالك حرية في طلب الراتب الذي يناسب اللاعب، وبالطبع كل بحسب مهارته وأهميته التي يبرزها العامل الأهم هذه الأيام والذي افتُقدَ سابقًا وهو الاعلام.
هذه الأرقام انعكست بشكل سلبي على كرة القدم لاحقا لتضرب أرقامًا فلكية تعكس قلة جودة اللاعبين، اذا ما سألنا أنفسنا سؤالًا بالعودة قليلًا الى الوراء، من هو غونزالو هيغواين حتى تبلغ صفقة انتقاله 94 مليون من نابولي الى البيانكونيري؟ وهل يستحق بوغبا 120 مليون قيمة انتقاله من اليوفنتوس الى مانشستر؟ أرقامً سبقتها أرقام وتلتها أخرى في الرواتب الفلكية لعديد اللاعبين ووكلاءهم الذي يتصدر مينو رايولا قائمة ذكرهم، اسمً كفيلً لأن نردّد عبارة خير الكلام ما قلّ ودلّ.
وحتى لا نتكلم حصرًا في قلة جودة اللعبة لا بد ان نذكر الجانب المقابل لما اثارته هذه الرواتب الفلكية، فبعض هذه الأرقام قيل انها استحقاق للاعبين فقط من بين كافة اللاعبين في ال 20 عامًا الأخيرة فلن يخطر في بال أحد غير الاسطورتين الأرجنتينية والبرتغالية ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو اللذان قدّما الإضافة الكبيرة لكافة عشاق الكرة حتى يومنا هذا، من هنا يمكن القول أن ممارسة كرة القدم بشكل احترافي قدمت طوق النجاة لعدد من النجوم الكبار حاليا، على رأسهم الأرجنتيني ليونيل ميسي، قائد برشلونة، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، نجم يوفنتوس، الذين عاشوا فقرا شرسًا في طفولتهم.
ليونيل ميسي ولد في أسرة فقيرة، وعانى في طفولته من مرض تأخر النمو، وكان يحتاج لحقنة باهظة الثمن من أجل أن ينمو جسده بشكل طبيعي، وتمكن من العلاج وممارسة كرة القدم بعد انضمامه إلى أكاديمية "لاماسيا" التابعة لبرشلونة مطلع الألفية الحالية
في المقابل، فإن والدة رونالدو كانت ترغب في إجهاضه عندما كان جنينا، لعدم قدرة الأسرة على إعالة طفل آخر، قبل أن يصبح هذا الطفل واحدا من رموز كرة القدم، وأحد أغنى اللاعبين ورواد الأعمال في الوقت الحالي.
وبجانب ميسي ورونالدو، روى المئات من نجوم كرة القدم حكاياتهم مع الفقر قبل أن تتسبب "الساحرة المستديرة" في ثرائهم، منهم على سبيل المثال لا الحصر، البلجيكي روميلو لوكاكو، والتشيلي أليكسيس سانشيز، والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش، والبرازيلي مارسيلو، وغيرهم العديد من اللاعبين..