بين التطبيع السياسي والمقاطعة الرياضية
كتب حفيظ دراجي- الجزائر
لأول مرة في تاريخ
الالعاب الاولمبية والبطولات العالمية الكبرى يثير انسحاب رياضي جزائري من مواجهة
منافس من الكيان الصهيوني جدلاً في الأوساط الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي
بين مؤيد لقرار المقاطعة ومعارض له رغم أن الأمر ليس جديداً على المصارع فتحي
نورين الذي سبق له الانسحاب في ثلاث مناسبات سابقة.
وليس جديداً على الرياضيين الجزائريين الذين
يكررون نفس سيناريو الانسحاب والمقاطعة لأكثر من ثلاثين سنة، دون أن يثير ذلك
جدلاً في الداخل والخارج، امتداداً لمواقف الجزائر الثابتة التي لا تعترف بدولة
الكيان الصهيوني، ترفض التطبيع، وتدعم في كل المحافل والمناسبات حق الشعب
الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته الفلسطينية على أراضيه المحتلة.
ولأول مرة أيضاً يقرر الاتحاد الدولي
"للجودو" معاقبة المصارع الجزائري ومدربه بسبب مقاطعة المنافسة،
وايقافهما مؤقتاً إلى غاية الانتهاء من التحقيق معهما بحجة أن الانسحاب يتعارض مع
فلسفة وقيم اللعبة التي تحارب التمييز وتعزيز التضامن حسب البيان الذي أصدره، مما
أثار جدلا آخر حول قرار الإيقاف وطبيعة العقوبات المرتقبة، رغم أن اللوائح
والقوانين الدولية لا تفرض عقوبات على المنسحبين من المنافسة، ولا تحدد طبيعة
الانسحاب وأسبابه.
علماً أن المصارع استشار مدربه فقط دون رئيس
الاتحاد أو حتى رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية من منطلق قناعته بأن القرار صائب
ومنسجم مع مواقف بلده، وعليه وجد استحساناً واسعاً في الأوساط الشعبية، وفتح
المجال في المقابل أمام تساؤلات إعلاميين وفنيين أخرين عن جدوى الانسحاب عوض
المواجهة في زمن التدافع نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف بعض الأنظمة
العربية.
قبل اليوم كانت مقاطعة الرياضيين العرب أمراً
عادياً في الأوساط الفنية والجماهيرية والإعلامية، وحتى في الأوساط السياسية التي
كانت ترحب وتبارك دوماً، لكن بعد تزايد وتيرة التطبيع في الأونة الأخيرة، أمسى
الأمر غريباً، مخالفاً لقيم الرياضة، يجب إعادة النظر فيه، لأنه لا يجدي نفعاً في
نظر أوساط إعلامية وحتى جماهيرية رحبت بمواجهة المصارعة السعودية تهاني القحطاني
لنظيرتها الإسرائيلية في نفس المسابقة، والتي شكلت بدورها حدثاً مثيراً للجدل أكثر
من أي وقت مضى، استحسنه الجانب الإسرائيلي بكل أطيافه وتباينت بشأنه ردود الفعل السعودية
والعربية التي ارتفعت فيها أصوات تدعو إلى تجاوز المقاطعة الرياضية، بل تجاوز كل
مقاطعة أو عداء في وقت يضاعف الكيان الصهيوني من ممارساته العنصرية تجاه الشعب
الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويتزايد القمع والقتل والتهجير
والاستيطان.
التباين في التصرف بين المصارع الجزائري فتحي
نورين والسعودية تهاني القحطاني في أولمبياد طوكيو، والاختلاف في التعاطي مع الأمر
في الأوساط الإعلامية والجماهيرية وحتى الرسمية، يشكل بداية تحول في مواقف كانت الى الأمس القريب
ثابتة تلقى الإجماع، ولا تقبل حتى النقاش، قبل أن تتحول إلى موضوع جدل تؤيده أطراف
وتعارضه أطراف أخرى حسب مواقف أنظمتها من الكيان الصهيوني الذي يسعى للتمكن
رياضياً.
واستعطاف الرأي العام الدولي مثلما تمكن
سياسياً وعسكرياً، مستثمراً في هشاشة بعض الأنظمة العربية وخضوعها واستسلامها الذي
تريده أن يعم مجال الرياضة والثقافة والفن، وفي أوساط شبابنا.
وربما يقول البعض إن المقاطعة الرياضية أو
عدمها يبقى خيارا حرا للأفراد والحكومات يجب احترامه، ويقول البعض الأخر إنه لا
يجب حرمان الرياضيين من تحقيق البطولات والألقاب من خلال حثهم على الانسحاب عند
مواجهة الصهاينة، وضرورة إبعاد الرياضة عن السياسة، في وقت يعتقد البعض الأخر أن
المقاطعة يجب أن تستمر وتتوسع كواحدة من وسائل المقاومة ضد كيان لا يؤمن بالقيم
والمبادئ والأخلاق ولا يتحلى بالروح الرياضية ولا الإنسانية في تعامله مع الشعب
الفلسطيني الذي يبقى بحاجة إلى إسماع صوته كل يوم، في كل المحافل الدولية السياسية
والثقافية والرياضية.