شريط الأخبار

ثقافة النكسة في رياضة تبحث عن شروط الفوز

ثقافة النكسة في رياضة تبحث عن شروط الفوز
بال سبورت :  

 

كتب - خالد اسحاق الغول / القدس

يترقب المهمومون بالشأن الرياضي بشغف السياسة الرياضية الجديدة التي سيتم إتباعها من قبل وزارة الشباب والرياضة، على اعتبار أنها يجب أن تكون جديدة، وعلى أمل أنها ستحدث تغييرات جذرية تصل إلى حد الدراماتيكية في بنية الجسم الرياضي من أعلى إلى أسفل. ويأتي هذا التوقع انسجاما مع ما حمله دعاة الإصلاح والتغيير من وعود بالتغيير الملموس المفضي إلى حال أفضل وانجازات أكبر تتناسب وحجم الطاقات الكامنة والفرص المضيعة لدى كثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني.

وكما هو معلوم فان الوزارة الجديدة قد ورثت حالة مضطربة ومرتبكة في الأداء العام ترجع بشكل أساس إلى عوامل ذاتية، والى بعض العوامل الخارجية المرتبطة بالاحتلال، لكن الخوف الذي يراود كثيرين منا هو ألا تتغير هذه الحالة قريبا، ومبرر هذا التخوف هو تكرار النغمة التي اخذ وزراء الحكومة الجديدة يعزفونها بشكل عام بتضخيمهم لحجم الكوارث الموروثة من التجربة السابقة، وذلك لدرء الانتقادات وعدم تحمل مسؤولية الوضع القائم والمستقبلي في هجمة استباقية على كل انتقاد ممكن. وهناك مبرر آخر للخوف هو المجاملات التي تمارس لضمان استقرار الحال في المؤسسة الرياضية الرسمية، وعدم القدرة على خلق هزات جريئة في بنيتها، بسبب عدم ضمان النتائج المتوقعة في حالة التوجه إلى طرح حلول جذرية واسعة النطاق. 

إن شروط الإصلاح والتغيير في مجال الرياضة تتحقق باعتماد منهج جديد في التعاطي مع الواقع، واستعداد أصحاب القرار ومقدرتهم على رسم استراتيجية بنائية شاملة تحدث تراكمات طويلة المدى تتمخض عنها تحولات نوعية ملموسة وذات قيمة. على أن تنطلق هذه الإستراتيجية من قراءة علمية دقيقة للواقع، ومن فهم عميق للحاجات الأساسية للمجتمع الرياضي ومتطلباته والعوامل التي من شأنها تلبية هذه الحاجات بنجاح ومسؤولية.

كما أن شرطا مهما لإنجاح ذلك هو وجود جماعات ضغط مجتمعية فعالة تنبثق من الوسط الرياضي وتتمتع بكفاءة عالية وإلمام بالواقع وتفاصيله، وتمتلك رؤى وبرامج عمل وبدائل معقولة قابلة للتنفيذ، وتتمتع بالنفس الطويل والصلابة والعناد في طرح المطالب والانتقادات والحلول والضغط من اجل إحداث الإصلاح المنشود. 

وعندما نتحدث عن جماعات ضغط فعالة فإننا لا نتحدث عن تلك الهبات أو الفزعات التي يعيشها الوسط الرياضي بين الفينة والأخرى من هذا الطرف أو ذاك التجمع، والتي تندرج في سياق البحث عن حلول جزئية لمشاكل جزئية تتعلق بالتفاصيل وإطفاء الحرائق التي قد تندلع في إحدى البطولات أو الدورات، أو الاحتجاج على قرار أو إجراء هنا أو هناك، حيث نجد أن المواضيع المفجرة للانتقادات والاحتجاجات هي إما عقوبة صدرت فينزعج النادي الذي صدرت بحقه العقوبة، أو تعيين حصل فيحتج الذي يرى انه هو الأحق بالتعيين، وانتخابات جرت ولم ينجح مرشحون فيبدؤون بسن رماحهم وأقلامهم للتقليل من انجازات المؤسسة التي لم ينجحوا في الوصول إلى قمتها، وما إلى ذلك من انتقادات تلبس ثوب المصلحة العامة، ولكنها في صميمها بحث فردي أو فئوي أو مناطقي عن مكانة أفضل، ولعل استعراضا سريعا  لمعظم المقالات التي تكتب او الاجتماعات التي تعقد او التكتلات التي تتشكل يمكن ان يشير إلى حقيقة هذا الانغماس الآني والضيق في قضايا مصلحية صغيرة لا تتعلق بالقضايا الكبرى ومصير الرياضة الفلسطينية ومستقبلها.

من الناحية الأخرى نجد ردودا رسمية من اتحادات الألعاب المختلفة أو من اللجان والهيئات الوزارية ردا على الانتقادات والاعتراضات الموجهة إليها تأتي في إطار الدفاع عن النفس وتبرير الأخطاء وبذل الجهود لإثبات انه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، ومطالبة بالتركيز على النصف المملوء من الكأس، بل والنظر إلى الكأس على أنه متخم بالانتصارات والانجازات العظمى، والتعامل مع  الأخطاء المرتكبة غير القابلة للتكتم أو الإخفاء على أنها مجرد أخطاء فردية عادية تحدث بشكل طبيعي في أي مكان في العالم، فندور في دوامة بين انتقاد ورد دون أن نهتدي إلى حلول جذرية تمنع الكثير من الأخطاء التي تتكرر.

وفي ظل هذا الردح والقدح هيهات أن تجد جماعة ضغط معينة لديها برنامج عمل ومقترحات بعيدة المدى يتم طرحها ومناقشتها وجذب التأييد لها من اجل توسيع دائرة المطالب والمطالبين. وقليلا ما نسمع عن مقترحات عملية حول رؤى ومنطلقات وأفكار تبحث عن آفاق لمستقبل رياضي أفضل، ونادرا ما تنفتح المنابر الإعلامية لإجراء حوار جريء لمناقشة مختلف القضايا والهموم التي يكابدها المجتمع الرياضي الفلسطيني. ومبعث الأسى الشديد أنه في بعض الأحيان ينتهي النقد ويختفي صوت المنتقدين عندما يحصلون على حصصهم من كعكة المناصب والتعيينات. 

خذوا مثلا كيف هزم منتخبنا الوطني شر هزيمة أمام منتخب قرغيستان وانطلق النقد اللاذع من كل حدب وصوب ضد اتحاد كرة القدم، فهل من الممكن أن نرى طحينا بعد كل هذا الضجيج؟ أم أن العادة الفلسطينية ستتكرر ويتفنن المسؤولون المباشرون وغير المباشرين في فبركة المبررات وإعادة قراءة  النتائج من زوايا تحاول أن تقنعنا من خلالها أنها حققت الانتصار المؤزر؟

للأسف الشديد وأتمنى أن أكون مخطئا فان التجربة توحي لنا بانه لن يحدث شيء آخر غير الذي اعتدنا عليه منذ زمن، فمن الطبيعي أن يرى المسيطرون على زمام الأمور في أي زمان أن عصرهم هو العصر الذهبي، وان كل الانجازات والانتصارات من صنعهم هم، وان الفشل هو ابن الآخرين ووريثهم الشرعي.

    يمر الوسط الرياضي الان في ظروف غاية في الاضطراب، بين حكومة وعدت بالخير في برنامج انتخبت على أساسه ونحن بانتظار وفائها بعد أن تلملم أوراق الملف الرياضي البائس، واتحادات وتجمعات منهمكة في تشكيل اللجان وتوزيع المناصب دون ان نلحظ تطورا ملموسا في اتحاداتهم او تجمعاتهم يبشر بخير قادم، وجهات مجتمعية غير حكومية توقع الجميع منها أن تشكل جماعات ضغط قوية على الجهات المسؤولة لكنها ظلت منغمسة في همومها وأحلامها الفردية ورغباتها الشخصية ولا تمارس الضغط المنشود على أصوله.

ولكي نرى تغييرا حقيقيا وإصلاحا جديا فإننا نتمنى أن يكون أول قرار ينفذه الجميع، حكوميون وغير حكوميين، هو التخلي إلى الأبد عن ثقافة النكسة، فنرى الهزيمة هزيمة والانتصار انتصارا. بعد ذلك، ربما يمكننا الحديث عن فوز حقيقي للجميع.

مواضيع قد تهمك