بطل العالم في الننشاكو يعمل حلاقا في غزة
غزة- تامر عبد الله / بطل العالم في الننشاكو الفلسطيني يضطر للعمل في صالون كوافير للرجال..... إنه عنوان يصلح لأن يكون فيلما خياليا من أفلام هوليود، إلا أنه من الواضح أن الخيال في غزة يصبح حقيقة؛ فهذه الحقيقة المرة التي يعيشها فعلا محمد يوسف أبو صقر، أحد سكان حي الشيخ رضوان في غزة، من مواليد عام 1979م، عضو اتحاد الننشاكو الفلسطيني ومدرب أيضا في الاتحاد، الذي حصل بعد جهد جهيد على دورة بطالة لمدة شهرين في وزارة الشباب الرياضة .
وهنا نسلط الأضواء على القضايا التي تمس أبناء شعبنا وخاصة ذات الأهمية الكبرى مثل قضيتنا لهذا اليوم؛ لذا كان لنا لقاء مع هذا البطل الذي أخبرنا عن وقائع هي أقرب للخيال لكنها حقيقة، بدأنا معه من الحديث عن ماهية رياضة الننشاكو فقال لصحيفة دنيا الوطن الألكترونية: "رياضة الننشاكو رياضة متميزة عن الرياضات الأخرى؛ فهي تحتاج إلى سرعة البديهة والذكاء وتنمي العقل عند الإنسان بسرعة كبيرة وتنمي قدراته في مجالات عدة، وما يميزها أيضا أنه لا سقف لها؛ فلا يقف اللاعب عند حد معين فكل يوم يكتشف أساليب جديدة".
البداية
وعن بداياته مع هذه الرياضة يحدثنا محمد: "اكتشفت هذه الهواية وأنا في العاشرة من عمري حين شاهدت عرضا في الجامعة الإسلامية للننشاكو للمدرب القدير -هو مدربي حاليا- جمال العقيلي، وحينئذ -أي منذ اثنتي عشرة سنة- لجأت إلى المعهد الفلسطيني لألعاب القوى الذي كان يدرب فيه الأخ العقيلي، فمارست على يديه الننشاكو اثني عشر عاما ولم أتخلف عن أي تمرين بحمد الله، ومنذ سنة 1995م مارست الرياضة وحصلت على عدة بطولات على مستوى الوطن، أما الأهل فقد كانوا دائماً يشجعونني لأكون متميزاً، وكذلك الجيران والأصدقاء خاصة على صعيد مساعدتي لأبناء بلدي في هذه الرياضة".
وعن طموحه في ذلك الوقت قال أبو صقر: "بالطبع كان لدي طموح بأن تكون الرياضة غاية إلا أنه لم يوجد أدنى مساندة لنا من قبل الجهات المعنية والمختصة وبالطبع أنا أستثني الاتحاد الفلسطيني للننشاكو، لذا اضطررت أن أعمل كوافير رجال كي أعيش وأجد مستلزمات الرياضة التي أمارسها، وبالطبع الصالون كان مساعدة من الأهل، وهو ليس بالصالون الفخم إنما هو مصدر رزق أعتاش منه".
البطولة
وصلنا بالحديث مع البطل إلى بطولة العالم في الدفاع عن النفس للعام 2005م والتي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية فيقول: "بالنسبة لبطولة العالم عام 2005، فقد شاركت فيها، بناء على دعوة من وزارة الشباب والرياضة الأمريكية للمشاركة في تلك البطولة السنوية، هذه الدعوة كنا نتلقاها منذ العام 2001، لكن للأسف الشديد، لم يكن هناك إمكانيات للمشاركة، وخاصة من قبل الجهات المعنية. أما في العام 2005، فقد شاركت فلسطين بمنتخب يتكون من ستة أشخاص، وهم: الإداري إياد الزعيم، وصقر شويدح، وفاروق دلول، وأبو عاصي ورائد أبو هدوان وأنا وإياد عرفات الذي كان موجوداً هناك، ولكن –للأسف- تم قبولي أنا فقط من المنتخب، فغادرت أرض الوطن في 1/6/2005، والتقيت هناك بإياد وشاركنا في بطولة العالم".
مماطلة وعوائق
للوقوف بشكل أوضح على ملابسات هذه القضية المثيرة التقت دنيا الوطن بنائب رئيس الاتحاد الفلسطيني للننشاكو إياد الزعيم والذي أوضح قائلاً:" نحن في البداية عندما تلقينا الدعوة كما تلقيناها في السنين الماضية شعرنا أن هناك أمل في المشاركة وخصوصا بعد ما تولى صخر بسيسو رئاسة وزارة الشباب والرياضة، فقمنا بتقديم كتاب له شرحنا من خلاله أوضاع الاتحاد والإمكانيات الفنية لدينا ومدى قدرتنا على المشاركة في بطولات عالمية وخصوصاً أن هناك تجربة سابقة وملموسة من إياد عرفات حيث إنه حصل في أول مشاركة له على المرتبة الثالثة على العالم وفي أخرى الثاني على العالم وفي إحدى البطولات حصل على المركز الأول على أمريكا، وبالفعل قام الوزير مشكوراً برفع الطلب لمجلس الوزراء لتغطية نفقات السفر وتم الموافقة عليه، لكن العقبات بدأت في وزارة المالية بصرف المبلغ وقد انتظرنا حتى آخر لحظة ممكن أن ننتظرها، هذا طبعا بالإضافة إلى العقبات التي فرضها الاحتلال حيث إنه لم يسمح للمنتخب بالسفر عدا محمد أبو صقر، فبعد أن حاولنا مع وزارة المالية لتغطية محمد وإياد ماليا، لأن إياد أيضا على الرغم من أنه في زيارة لأمريكا إلا أنه يحتاج إلى تكاليف السفر من ولاية بعيدة جدا عن مكان البطولة فهو يحتاج إلى سفر وإقامة واستئجار مكان للاستعداد للبطولة، وعلى الرغم من ذلك انقضى الوقت المحدد دون أن تصرف الوزارة المبلغ المطلوب لهذا اضطررنا أن نوفر المبلغ من المال الخاص لبعض الزملاء بالإضافة إلى محمد أيضا، ومن الغريب أننا لازلنا حتى الآن نحاول استرداد ما أنفقه البطلان من المال، وهما اللذان حصلا على الذهبية والفضية في قسمي البطولة فمحمد أبو صقر حصل على الأول في الدفاع عن النفس بالآلات الغير حادة وإياد حصل على المركز الثاني فيها بينما حصل إياد على المركز الأول في الدفاع عن النفس بالآلات الحادة وحصل محمد على المركز الثاني فيها، إلا أنهم الآن وافقوا على تعويض محمد فقط ولا نعلم لماذا لا تغطى نفقات إياد عرفات فهو اشترك باسم فلسطين وتكلف أيضا للاشتراك في هذه البطولة كما أوضحنا سابقاً".
استهجان
وقد أبدى الزعيم استغرابه واستهجانه لما يحدث متسائلاً:" ماذا لو افترضنا أن محمد جلب هذه البطولة للأردن أو لمصر أو لأي بلد آخر هل كان سيحدث هذا معه؟!، بل أتساءل ماذا كانت الدولة ستقدم له؟! فهذه بطولة عالم، أما ما يحدث الآن وقد اقتربت البطولة الثانية أنه لم تصرف تكاليف بطل العالم التي دفعها من جيبه الخاص، مع العلم أننا تم الموافقة لنا على مبلغ 14 ألف دولار أمريكي للفريق الكامل على أساس أن لكل فرد حوالي 3500$ ، ولكننا بعثنا برسالة وضحنا أن المبلغ تم تقليصه وتوفير كبير به إذ أن المبلغ الذي صرف فعلا 5530$ للشخصين وليس 7000$، ولكن الوزارة توافق الآن على صرف 3500$ فقط وهي نفقات محمد لأن إياد موجود في أمريكا مع أنهم يعلمون أن إياد تكلف كثيرا وقد شرحت لكم كيف تكلف هذه المبالغ فهو يقيم في يوتا والبطولة في لاس فيجاس ويكفي أن تعرفوا أن بينهما ساعتان زمنيتان أي حوالي سبع ساعات سفر، وعلى الرغم أيضا من هذه الموافقة الجزئية لم يصرف حتى الآن دولار واحد بل لم تقم الدولة بأي تكريم حتى ولو معنوي، بالفعل لاشيء يذكر".
حسب تصريحات نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني للننشاكو فقد تقدم الاتحاد لوزارة الشباب والرياضة بطلب توظيف لإياد عرفات ومحمد أبو صقر، ولازال الطلب حاله كحال طلب تغطية نفقات البطولة الماضية، وهنا يظهر الاستغراب الواضح من أعضاء النادي فهذا البطل إلى متى سيبقى هكذا؟!، إنه محترف يجب أن يتفرغ لرياضته لا أن ينشغل بأمور أخرى لا تليق به ولا تناسبه كبطل عالم، فما يحدث هو إحباط له ولمن بعده من الشباب الصاعد الذي يرى أمامه بطل العالم مهملا.
وطنية خالصة
وقد تحدث الزعيم بإفاضة عن البطل إياد عرفات وعن مواقفه الوطنية الخالصة التي تكاد تنعدم في زماننا هذا حيث قال: "من الجدير بالذكر أن إياد عرفات هو الآن في أمريكا وقد حصل في السنوات الماضية على بطولات باسم فلسطين ولم يكرم أو يكافأ بأي شكل من قبل المسئولين في فلسطين، مع العلم أنه عرض عليه من نوادي أمريكية أن يلعب باسم أمريكا ويحصل على مبالغ مادية كبيرة جدا ومغرية لأقصى الحدود وهو رافض لأنه يريد أن يمثل فلسطين، حتى أنه واجه مشكلة في بعض البطولات وهي وضع العلم الفلسطيني على صدره وكان يصر أن يلعب دون أن ينزع العلم عن ملابسه حيث كان أحد الحكام يهوديا أمريكيا حاول أن يمنعه من ذلك إلا أنه رفض ولعب كما أراد وفاز والفيديو والصور الفوتوغرافية تثبت ما أقول، فشخص مثل هذا يضحي بوقته وماله وغير ذلك من أجل أن يرفع اسم فلسطين عاليا أيصح ألا نقدم له ولو حتى تغطية ماليه لما ينفقه خلال مشاركته في البطولة؟!!".
عام استعداد
ونعود لبطلنا الثاني محمد أبو صقر الذي يصف لنا البطولة فيقول:" بالنسبة للبطولة كانت مفاجأة لي أن أمثل فلسطين على الرغم من أننا كنا نستعد من حوالي عام كامل لهذه البطولة من تدريب وما شابه مع الإشارة إلى أن التدريب للاستعداد لبطولة يختلف بالطبع عن التدريب العادي، خرجنا من فلسطين ووصلنا أمريكا بسلام والحمد لله وكان أجمل شيء هو أن نرفع علم فلسطين هناك، والأجمل أن رفعنا العلم على المركز الأول والثاني أنا وزميلي إياد عرفات، وهذا انجاز رائع لفلسطين واتحاد الننشاكو في فلسطين، أما عن شعوري فأنا كنت في البداية خائفاً جداً، وكان الخوف ألا أحقق المطلوب مني وما أرجوه ويرجوه الجميع خاصة أن كل المشاركة هي بمجهود شخصي".
فخر وانجاز
يحق لنا أن نشارك محمد فخره بانجازاته وزميله إياد حين يقول:" اجتزت ثلاث مباريات حتى وصلت الدور الأول وتغلبنا أنا وإياد على أهل هذه الألعاب من اليابانيين والصينيين والأمريكيين وكان عدد الدول المشاركة عشرون دولة، حدث حادث مميز وهو أن الحكام وهم لجنة دولية حاول الحكام الانحياز وانحازوا فعلا لغيرنا إلا أننا بحمد الله استطعنا أن نقول لهم افعلوا ما تشاءوا فنحن الأفضل وحصلنا على البطولة"
ولا يقتصر فخرنا على محمد بل أيضا زميله إياد وصل إلى مرتبة لم يصلها عربي في هذه الرياضة، ويقول إياد الزعيم في ذلك: "لقد وجهت دعوة لإياد عرفات من قبل اللجنة المنظمة للبطولة للتحكيم في البطولات العالمية للأحزمة دون الأسود دان خمسة وهو بذلك يعتبر حكم دولي من فلسطين وهذا تقدم كبير جدا ويدل على المستوى الذي وصلنا إليه، وليس هذا فحسب، بل إن الأسلوب الفلسطيني اعتمد عالميا لأنه أثبت أنه الأقدر وقد كانت الأساليب الأوروبية والصينية واليابانية والكورية هي المعتمدة، وبعد هذه البطولة تم اعتماد الأسلوب الفلسطيني، فقد لوحظ من خلال مشاركات إياد تفوق الأسلوب الفلسطيني الذي قام بتطويره وتخصيصه جمال العقيلي رئيس الاتحاد الفلسطيني للننشاكو، والأسلوب الفلسطيني تميز عن غيره بالسرعة والدقة واللياقة العالية خلافا عن الأساليب الأخرى الأشبه بالاستعراضات فهي بطيئة بعض الشيء مقارنة بالأسلوب الفلسطيني".
عرفات مدرب لا متدرب
وروى الزعيم لدنيا الوطن بداية إياد عرفات مع الأندية الأمريكية فقال: "في البداية لم يكن لدينا علم بالأساليب الأخرى لذا استغل الزميل إياد زيارته لأمريكا وذهب ليتدرب في أحد النوادي ليتعرف على الأساليب الأخرى لكن ما تفاجأنا به أنهم رفضوا تدريبه وقالوا له: نريدك أن تدربنا لا أن تتدرب على أيدينا لأنه ليس لدينا القدرة على تدريبك، وبالفعل بدأ إياد بتدريب المدربين الأمريكيين، وهذا أقوى رد على من يقول أن إياد تدرب هناك لذلك حصل على أعلى المراكز ولكن في الحقيقة هو يدرب ولا يتدرب وينقل أسلوبنا هناك".
لحظات الانتصار
وفي نهاية اللقاء يصف لنا بطل العالم في الدفاع عن النفس بالأدوات غير الحادة محمد أبو صقر للحظات الانتصار قائلاً: "رغم الخوف الذي كان بداخلنا إلا أننا بحمد الله اجتزنا البطولة بقوة، وهذا بالطبع كان دافعه تشجيع الأهالي والزملاء ودعائهم لنا بالتوفيق واستطعنا أنا وزميلي إياد عرفات أن نرفع علم فلسطين على مستوى العالم كله، وخاصة على أهل هذه الألعاب أنفسهم، هذا الشعور لا أستطيع وصفه حتى هذه اللحظة، في ظل وضع الاحتلال ووضع غزة الصعب نجتاز كل هذه العقبات، ونحصل على أعلى المراتب بين دول العالم".
صرخة
واختتم هذا البطل حديثه بكلمات وجهها للاتحاد الفلسطيني للننشاكو وللجهات المعنية فقال: "كلمتي للاتحاد: مشكور جداً، وإنشاء الله سنستمر في رفع مستوى هذه الرياضة، وكلمتي للجهات المختصة: كلمة أخيرة، كفى! كفى إلى هذا الحد، واهتموا بنا طالما أن الأمور باتت واضحة جدا أمامكم، وكل نشاطاتنا موثقة وموجودة لدينا، فنرجو منكم بعد كل هذا أن تهتموا بهذه الرياضة، حتى يستطيع الجيل القادم أن يُواصل ولا يُحبط!".
بعد أن وضعت أمامكم هذه القضية ألا يحق لي أن أتساءل، ألا تكفي بطولة العالم من أجل الاهتمام بهؤلاء الأبطال وهذه الرياضة؟ أم أن هناك عوالم أخرى لا نعلمها تريدون الفوز ببطولاتها حتى تهتموا بعض الشيء يا أصحاب المسئولية؟!!