شريط الأخبار

خمسون ميسي وثمانون محمود .. !

خمسون ميسي وثمانون محمود .. !
بال سبورت :  

كتب محمد رمضان النخالة- غزة

ربما هو الشخص الوحيد في تاريخ موسوعة غينيس للأرقام القياسية الذي يدخلها غير آبه بالرقم الذي سجله في دفاترها وسجلاتها .

هو رقم قياسي ليس في الرياضة ولا كرة القدم التي يحبها ويعشقها صاحب الانجاز , بل رقم قياسي في ملحمة الصبر والصمود والثبات التي سطرها بسلاح أمعاءه الخاوية , التي حرمها من الطعام سعياً للانعتاق من السجن والسجان .

انه ابن قطاع غزة أسير الرياضة "محمود السرسك" المضرب عن الطعام رفضاً لاعتقاله منذ أكثر من ثمانين يوماً متحدياً بذلك إرادة سجانيه الذين أرادوا تغييبه عن أهله وأصدقاءه وزملاءه في منتخب فلسطين و نادي خدمات رفح المحلي الذي يلعب له .

سجانوه أرادوا إقصاءه عن ممارسة الساحرة المستديرة التي يبدو أنها جرم في نظر الاحتلال , فاختطفته إسرائيل على معبر بيت حانون "ايريز" الحدودي الفاصل بين غزة والضفة قبل ثلاثة أعوام , وكل ذنبه أنه كان يهمُ بخوض تجربة احترافية رياضية في مدينة نابلس في الضفة المحتلة الشطر الآخر من الوطن المحتل "فلسطين" .

ومع كل ما سبق ذكره لنموذج نادر في تاريخ الرياضة والحياة الإنسانية , تبقى حالة محمود تعاني من وطأة التهميش أكثر مما تعانيه من ظلم السجن وقسوة الإضراب !

وهذا التهميش نتج عنه فقدان اللاعب لأكثر من 25 كيلو جراماً من وزنه , ومعاناته من تقرحات شديدة في المعدة , وتقيؤه لإفرازات صفراوية نتيجة لتضرر الكبد والبنكرياس , كما فقد البصر جزئياً في إحدى عينيه , ويدخل يومياً لساعات في نوبات يغيب خلالها عن الوعي , وفي آخر زيارة قام بها محاموه استقبلهم على كرسي متحرك لأنه لا يقوى على الوقوف والحراك .

وعلى النقيض, في بداية الشهر الماضي قامت الدنيا ولم تقعد عندما أحرز نجم برشلونة والمنتخب الأرجنتيني "ليونيل ميسي" 50 هدفاً في الليغا الاسبانية و 74 بالمجمل في كافة المسابقات الأوروبية لموسم 2011-2012 ليكون الأول في تاريخ قارة أوروبا الذي يصل إلى هذا الرقم في القارة العجوز .

بعدها, انكبَت وسائل الإعلام المختلفة المرئية و المسموعة والمقروءة عربياً وعالمياً للحديث عن رقم الأعجوبة الأرجنتينية , وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر بميسي وما فعله ليصبح اسمه "أيقونة" وما حققه "قضية رأي عام" بالنسبة للناس حول العالم .

رئيس تحرير صحيفة "The Nation" الأمريكية "ديف زيرين" تساءل الشهر الماضي في عموده اليومي بمقال حمل عنوان "ماذا لو كان كوبي براينت فلسطينياً" , وتهكم متسائلاً : "لو أن كوبي براينت كان مكان السرسك هل سيكون مصيره التجاهل" !؟

وبالمثل نتساءل هنا: " لو كان مصير السرسك من نصيب ميسي" هل كان الإعلام سيترك ميسي يوماً واحد في السجون الإسرائيلية !؟

بالطبع لا, وسنجد القنوات السياسية والرياضية العربية قبل العالمية تنظم "بروباغندا" ضاغطة لمساعدة ابن مدينة روزاريو, وستصبح القضية وجبة إجبارية دسمة عبر الشاشات الفضائية يتجرعها الناس يومياً لتشكل لهم ما يشبه التنويم المغناطيسي بينما يُهمَش ابن مدينة غزة دون أي سبب مقنع .

وإحقاقاً للحق فان وسائل الإعلام العربية انقسمت ما بين من اختار عدم التعاطي مع القضية أو من مر عليها مرور الكرام على استحياء , وحتى هذا المقال ربما لو قرأ مطلَعَهُ الكثيرون لأغلقوه ولم يكملوا القراءة لأنه يتحدث عن شأن لا يعنيهم كما هو الحال لو قرءوا شيئاً يخص النجم الأرجنتيني .

للأسف إن نقص الانتماء لكل ما هو عربي أو يمت لقضية العرب المركزية فلسطين, وضعف الثقافة الوطنية والسياسية, وما تشبه حالة الغيبوبة التي تسبب بها الإعلام وسحرت عشاق الرياضة وجعلتهم منصرفين عن أولويات الحياة من اجلها و متعصبين متناحرين ومتباغضين فيها , فانهارت الاهتمام بالثقافة والفن والسياسة والوطن بل وحتى الرياضة الحقيقية أمام الاهتمام السطحي بأسماء و رموز .

قد لا يكون محمود السرسك متميزاً وهدافاً ونجماً اعلانياً كليونيل, لكنه البطل المتوج في ماسبقة العزة والكرامة والصبر والصمود والثبات والكبرياء .. وهلم جرا من كلمات لا توفي حق هذا البطل علينا اجمعين .

كما أن المس به حتماً هو مس بالمنظومة الرياضية الدولية , ومس بكل محب ومتابع للرياضة وكرة القدم , فلننصر لاعب كرة القدم ومهندس الكمبيوتر "محمود" بما أوتينا من وسائل, فهو يستحق الكثير مما نستطيع فعله !

فهل سنفعل !؟ أم سنبقى مكتوفي الأيدي حتى نطالع خبر وفاته !؟

مواضيع قد تهمك