شريط الأخبار

أنت في القدس...

أنت في القدس...
بال سبورت :  

د. محمد جاد الله / بيت صفافا

خمسين متراً فقط، مشيتُها في شارع الزهراء باتجاه شارع صلاح الدين، توقفتُ باحثاً عن صاحب كي أفرغ في أذنيه ما تدفق إلى سمعي وبصري في الزمن الذي استهلكته ماشياً لقطع الخمسين متراً، أشفقتُ على بائع البن الشاب من عبء ووزر ما أحمل في صدري ولا أحتمله. قفلْتُ راجعاً من حيث جئتُ نحو سيارتي في موقف السيارات في شارع الحريري، أمشي وبصري مثبت في بلاط الرصيف ليس خشية التعثر، ولكن لأن ظهري تقوس من هول ما رأيت وسمعت، نادى يسلم علي، فذهبتُ باتجاهه، فركض نحوي كي يوفر عليّ الأمتار القليلة التي تفصلنا، هو شاب وأنا لم أعد كذلك، سألني عن حالي، أجبتُ بأنني أبحث عنه لأروي له ثلاث مصائب صارت أربعة بعد أن قطعتُ عشرة أمتار إضافية.

قال: ماهي الأولى؟ قلت: تاجر يتحدث بالهاتف النقال بصوت خفيض ويتوارى في كرسيه يستجدي أن يمهلوه بعض الوقت كي يسدد ما عليه، لم أكن أنظر في وجه صاحبي ولكن صوته كأنه يقول: عادي.

وما هي الثانية: أربعة أولاد أكبرهم دون العشرين وأصغرهم لا يتعدى الثانية عشرة، يستمعون باهتمام وشغف للأول الذي يحدثهم عن فلان الذي أخذ 90 ألف شيكل خاوة.

والثالثة يا دكتور: قلت : فتاة لا يتجاوز عمرها الثامنة عشرة، تقود سيارة هنا، في هذا المنعطف بين شارع صلاح الدين وشارع الزهراء، توقفتْ، لتقول لشابيْن في السادسة عشرة، يسيران أمامي: "مانيانيم"، بالعبرانية ( يعني كيف الحال) فردّ عليها أحدهما: والله وصرتِ تركبي سيارة.

وبدون تعليق، سألني عن الرابعة وكنتُ قد بدأت أنساها، قلتُ رأيتهم يوقفون سياراتهم "دابل باركنغ" في شارع صلاح الدين ، هنا، وأخرجوا هراوات وعصياً من حديد، وساروا بعرض الشارع وكنتُ قد قررت أن أنتظر وقوع الجريمة، ولكنهم عادوا أدراجهم يرددون كل الألفاظ المعروفة، أذكر واحدة منها : "هرب ابن .......

نطق صاحبي: أنتُ في القدس يا دكتور، وردّد مُصرّاً: هذا يعني أنك حقيقة في القدس.

لم يرافقني صاحبي كي يشهد على الخامسة.

وصلتُ إلى موقف السيارات، ورأيت جلبة وما يشبه الجلبة، رأيت المصيبة الخامسة، أبى الاحتلال النازي إلا أن يكون الجزء المكمل لما شاهدت من مصائب في مسافة مئة متر أو في نصف ساعة من زمن القدس، رأيت الشرطة بلباس مدني يحررون مخالفات بالجملة للسائقين. قلت أنا في القدس كما قال صاحبي.

ولكن أن تقف السيارة المدنية التي تستعملها الشرطة مُعيقة السيارات الخارجة من الموقف، ومجبرةً السائقين على التقدم والتراجع مرات ومرات للنفاذ ولتجنب إصابة سيارة الشرطة المدنية، والشرطية المتخايلة بلباسها الجينز، تحشر مسدساً وكلبشات على خاصرتها، ومن يدها يتدلى بزهو رشاش القتل، وتطلق الضحكات والقهقهات والصرخات والإهانات، على المارة وعلى السائقين الغاضبين، فهذا الذي كان، يكون أنني خارج المكان والزمان.

مواضيع قد تهمك