شريط الأخبار

آنت في ضيافة الرحمن...

آنت في ضيافة الرحمن...
بال سبورت :  

كتب محمد المالكي / قطر

إثر الدعوة الكريمة التي تلقيتها من الإخوة في الاتحاد العربي للصحافة الرياضية والاتحاد الفلسطيني للصحافة الرياضية، شددت حقيبتي استعدادا لهذه الرحلة القريبة في مسافتها والبعيدة بواقعها حيث كانت دعوة لحضور الملتقى الإعلامي العربي الأول بفلسطين في الفترة من 8 إلى 11 فبراير الحالي بمدينة رام الله العاصمة السياسية لهذه الدولة المحتلة.

لم أتردد ولو للحظة واحدة في اتخاذ قرار السفر.. بل كنت سعيدا جدا لمشاركة إخوة لنا في الدم والدين واللغة في معاناتهم اليومية التي يعيشونها تحت احتلال يحمل جميع علامات البغض والكراهية للإنسان وتعوَّد على سلب الحقوق وتحدي جميع الأعراف والقوانين الإنسانية والدولية.. وتأكد في خاطري أن مشاركتي في هذه الندوة هي لدعم قضيتنا العادلة ضد العدو الإسرائيلي وليس فيها أي تطبيع كما يدعي البعض.

وكعادته كان الاتحاد العربي للصحافة العربية بقيادة رئيسه محمد جميل عبدالقادر مبدعا في التنظيم والدعوة لهذا الحدث مثل كل الأحداث التي ينظمها في كافة أرجاء الوطن العربي والتي دائما تلقى النجاح والتفوق بروح عروبية أصيلة حيث منذ أن تولى أبو طارق رئاسة هذا الاتحاد وهو يضع النجاح عنوانا له في إدارة شؤون العالم العربي في اختصاص الصحافة الرياضية رافعا شعار التعاون والتراحم بين جميع الأعضاء، فالاتحاد يقدم يد المساعدة للكثير من أعضائه وهي خاصية قلما نراها في الاتحادات الأخرى الدولية والقارية.

بالنسبة لي تعد هذه الزيارة هي الثانية لي تاريخيا إلى فلسطين حيث سبق أن زرتها عام 1996 مرافقا سعادة الشيخ محمد بن عيد آل ثاني رئيس الهيئة العامة للشباب والرياضية آنذاك والوفد المرافق له، وزيارة فلسطين تعني الكثير فأنت تلامس الأنبياء عليهم السلام ومسرى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى السماء ففيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين وفيها المسجد الإبراهيمي الذي يرقد فيه سيدنا إبراهيم عليه السلام ومجموعة من الأنبياء والصالحين، ويكاد كل حجر في فلسطين أن ينطق بالتاريخ الروحي الذي يضم الأديان السماوية الثلاثة وتشعر بالقدسية في جميع أركان هذا الوطن المسلوب.

كانت زيارتنا تتمثل في حضور ملتقى إعلامي نتبادل فيه مع زملائنا الفلسطينيين هموم المهنة والوصول إلى الحلول والالتقاء بأكبر قدر من الإعلاميين الرياضيين الذين كانوا تواقين لرؤية إخوانهم يتوافدون عليهم للمرة الأولى من العالم العربي حيث شارك فيها صحافيون من الإمارات العربية المتحدة والكويت ومصر والأردن واليمن وتونس والمغرب وموريتانيا بالإضافة إلى دولة قطر، وكان الاحتفال بهذا العدد من الضيوف الإخوة فتسابق الفلسطينيون في الاحتفال بنا ابتداءً من سيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) مرورا برئيس الوزراء سلام فياض واللواء جبريل الرجوب رئيس اللجنة الأولمبية ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وأعداد من المسؤولين أعضاء القيادة المركزية والوزراء ورؤساء بلديات المدن.

كما أقيم هذا الملتقى على هامش انطلاق الدوري الفلسطيني في كرة القدم للبنات الذي يقام رغم ظروف الاحتلال.. ولأول مرة أشاهد جمهورا نسائيا يتجاوز خمسة عشر ألفا كلهن جئن لتشجيع فريقهن بحرارة منقطعة رغم صعوبة الانتقال لظروف الاحتلال وأيضا لظروف الجو البارد الممطر، كل ذلك لم يمنعهن من حضور تلك المباراة ذات المستوى المقبول بشكل معقول نسبة إلى فرص هؤلاء الفتيات في الاحتكاك.

لن أنسى تلك الحفاوة البالغة التي قابلتها من الشعب الفلسطيني والذين أحبوا قطريتي ولكوني قطريا تم الاحتفال بي بشكل خاص، وأخص فخامة الرئيس الفلسطيني أبومازن الذي استقبلني كأحد أبنائه وسألني عن أهل قطر.. الكثير من الأسماء طرحها وتذكرها ونحن على مائدة العشاء بقربه وهو لم ينسَ ويحن للفترة التي قضاها في الدوحة ما بين عامي 1958 و1970 عندما عمل في وزارتي المعارف (التربية والتعليم) وإدارة العمل، ويتذكر رجالات قطر كثيرا ولا ينسى مواقفهم وكرمهم التاريخي.. كان حديثه مليئا بالشوق لقطر ورجالها الأحياء والأموات منهم الذين ترحم عليهم كثيرا بسبب مواقفهم التي لا ينساها.

كذلك في فلسطين شخصية رياضية تستحق التقدير والاحترام هي شخصية اللواء جبريل الرجوب (أبو رامي) الذي أعاد الحياة إلى الرياضة الفلسطينية ووضعها في وضعها الطبيعي على الخارطة العربية والدولية حيث كانت زيارتنا تتوافق مع تواجد نائب أمين عام منظمة الأمم المتحدة الألماني ليمكي، فالرياضة الفلسطينية تستحق شخصية مثل أبو رامي صاحب القرار والرؤية نحو بناء جميع أركان الرياضة من لاعبين وإداريين وحكام ومدربين وإعلاميين أيضاً.. تلك الرؤية التي سيكون لها مردود طيب أيضاً على القضية الفلسطينية فالرياضة هي أقرب الطرق للتواصل مع العالم.

عندما تطأ قدمك فلسطين فأنت في ضيافة الرحمن سبحانه وتعالى، تشعر بتلك الأريحية بالقداسة بعمق التاريخ الممتد ورغم الاحتلال المقرف فإن طبيعة البشر والإصرار الذين يملكونه يجعلك ترفع رأسك لهذا الإنسان الذي حاول محتله أن يمنع إنسانيته ولم يستطع بأي شكل من الأشكال أن يقلل إصراره على النبوغ وإيمانه بأن هذه الأرض هي أمانة إلهية لدى أهل فلسطين يجب المحافظة عليها بأي ثمن.. لقد واجهنا وعانينا في دخولنا وخروجنا من الأرض المحتلة من التعنت الإسرائيلي والتعطيل غير المبرر في مراكز الحدود والعنصرية والتعالي ولغة الكراهية التي كانت واضحة على وجوههم مع العلم بأننا يجب أن نعامل (V.I.P ).

كنا نرى الجنود الإسرائيليين وهم يحاصرون المصلين بالقرب من مساجدهم وكنائسهم في القدس والخليل عند مداخل المدن في كل مكان من خلال المستوطنات التي جعلت الأرض الفلسطينية بقاعا سوداء وجزرا متناثرة من خلال حائط الفصل العنصري الذي هو قمة التصلب والتعنصر.

ولكن أيضاً لن ننسى هذا الحب والاستقبال الودي سواء في أريحا أو رام الله أو الخليل، سنظل نتذكر الشقيق الفلسطيني وهو يستبشر بقدومك ويحرص على أخذ الصور الفوتوغرافية معك.. العزائم التي تقدم بها كل من قابلناه.. كنا في كل قعده تشعر بأن الشعب الفلسطيني بأكمله معك من الأعداد الكبيرة التي كانت تحرص على القدوم والتعرف بك.

لقد توصل الملتقى الإعلامي الأول إلى العديد من القرارات وكان من أهمها إقامة هذا الملتقى سنويا في فلسطين أسوة ببقية الملتقيات في الوطن العربي وأن يرفع الصحافيون العرب شعار التضامن والتلاحم مع الشعب الفلسطيني وإيصال رسالة حقيقية حول أحقية الإنسان الفلسطيني في ممارسة إنسانيته بالطريقة التي يراها. وأجزم بأن من الواجب طرح القضية الفلسطينية في جميع الاتحادات والتجمعات الصحافية الرياضية القارية والدولية لأني أستطيع من خلال خبرتي مع هذه الاتحادات التأكيد على أن العالم الحديث يرفض العنصرية بكافة أشكال وأنواعها.

مواضيع قد تهمك