المخيّمات الصيفيّة مصدر تثقيفي مميّز قلّما يُوفَّر في المدرسة خلال السنة الدراسية
د. ميشيل بحبح
لقد بلغ عدد الأطفال المشاركين في المخيم الصيفي لنادي دلاسال المقدسي لهذا العام 2010 ، أربعمائة وخمسين طفلا (450) وعدد القادة الشباب سبعين (70) ، من بينهم فتيات وفتيان من خيرة المجتمع.
"التحكم بالذات"، هو شعار المخيم الصيفي لهذه السنة، وإن الهدف من هذه الشعارات التي تتنوع كل سنة ، هو فهمها واستيعابها من قبل القادة الشباب المتطوعين ، وممارسة هذه المفاهيم على أرض الواقع من خلال شرحها للقادة الشباب المتطوعين ، الذين بدورهم يطبقونها على أنفسهم وفي تعاملهم مع الأطفال وجميع العاملين في المخيم ، ليستمر تأثيرها إلى ما بعد المخيم في المجتمع وفي حياتنا اليومية. ومن بين هذه الشعارات التي أختيرت في السنوات الماضية "للمشاكل فوائد" "ابتسم" "الثقة بالنفس"و "تحقيق الذات" الخ....
"التحكم بالذات"، هو عندما نتمكن من إصدار أوامر صحيحة في نوعين من الرغبات، رغبات الجسد ، من طعام ونوم وراحة وجنس ، ورغبات النفس القابعة في داخل عقولنا ، والتي تسعى إلى المعرفة والإحسان والجمال وتقدير الذات وتقدير المجتمع والنزاهة والصدق والانضباط و غيرها. وعندما تنسجم أفعالنا وتصرفاتنا مع رغباتنا الجسدية والنفسية وعندما نمتلك القدرة لفهم أنفسنا واحتياجاتها بشكل جيد، نكون قد حققنا مستوى النضج لضبط النفس والتحكم بالذات.
تتلخص العوامل والمصادر التي تؤثّر وتخزّن وتبرمج التحكم بالذات ،في ستة مصادر هامة، في مراحل الحياة ، وتعتمد على طرق وأساليب التعامل التي يتعرض لها الإنسان منذ ولادته وحتى النضوج، فحينما يبدأ بأخذ زمام الأمور في تخزين وبرمجة تفكيره الذاتي ، والتحكم به حسبما يريد، يكون قد تجاوز عذابات الماضي ، وطرق المعاملة التي تعرض لها. وهذه المصادر هي :
المصدر الأول : الوالدان والعائلة المباشرة: حيث يؤثر هذا المصدر على تكوين تفكيرنا الذاتي سلبيا بمعدل 80% ، وذلك من خلال المعاملة والأقوال السلبية التي يتعرض لها الطفل من قبل أقرب المقربين له.وتتمثل هذه المعاملة والأقوال السلبية بالمخاطبات التالية: "أنت لا تفهم شيئا" "أنت لن تنجح" "أنت قبيح" "أنت فاشل". لذا من الضروري جدا استبدالها إيجابيا بالمعاملات والمخاطبات التالية: "أنا أومن بقدراتك لتحقيق ما تريد" "أنت جميل" "أنت ناجح في حياتك" و"ستصير يوما ما تريد " .
المصدر الثاني: المجتمع: الذي يتكون من الجيران والمعارف والأصدقاء والنوادي وأصحاب الحوانيت والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والاحتلال. فنحن في مجتمعنا العربي نقلل من شأن الشباب والأطفال كونهم أصغر منا سنا أو لأنهم أناس فقراء أو فلاحون، فنؤثر بهم سلبا مما يساهم في تخزين مدمّرات في ذواتهم بدل الدعائم الإيجابية لتكوين التفكير الذاتي الصحيح للتقدم والإزدهار. والجدير بالذكر هنا أن مجتمعنا يمكن أن يتغير إيجابيا عند نشر التوعية الصحيحة في هذا المجال بينما الاحتلال الظالم يبرمج وينفذ شتى الطرق والوسائل لإقناعنا بأننا فاشلون ، وأن قيمنا وعاداتنا العربية لا جدوى منها ، هم بذلك يعملون باستمرار على تدميرنا من خلال البرمجة الهادفة لتخزين أذهاننا بكل ما هو عكس فضائلنا وقيمنا ونجاحنا لنبقى ضعفاء وغير ناجحين في أمور حياتنا وفي تفكيرنا الذاتي.
المصدر الثالث :المدرسة: فالمدرسة تساهم في برمجة التحكم بالذات سلبيا، حين ينعت المعلم التلميذ بالكسلان والفاشل والحمار والكلب والغبي الخ...مما يؤثر بشكل كبير ليس فقط على تكوينه الذاتي بل على تحصيله الأكاديمي . يجب الحد من هذه الأقوال والمعاملات المدمرة للذات واستبدالها بالتشجيع ،ومدح أقل مستوى ايجابي لديه ، لما له من إسهام في برمجة الذات والتحكم بها أيجابيا وليس سلبيا.
المصدر الرابع : الأصدقاء: وخصوصا في العمر من 8-15 سنة، فهي فترة بداية النضوج وفترة الاقتداء بالآخرين وتقليد السلوك. لذا لا بد من الانتباه الشديد عند اختيار الأصدقاء.
المصدر الخامس: الإعلام: الإنترنيت وأجهزة التلفاز والمجلات والجرائد والأفلام الخ...يجب علينا السيطرة قدر الإمكان على ما نسمح به لأولادنا ولأنفسنا بمشاهدته، لأن ذلك يؤثر أيضا بشكل كبير على تخزين ما هو مفيد لنا في تكوين مدى التحكم بالذات.
المصدر السادس : أنت نفسك : فهو المصدر الأهم في تكوين وبرمجة وتأثير التحكم بالذات
يقول الدكتور هلمستر (عالم نفسي):
"إن ما تضعه في ذهنك سواء كان سلبياً أو إيجابياً ستجنيه في النهاية". يقضي الإنسان حوالي أربع عشرة ساعة خلال اليقظة وهو يتحدث مع ذاته، فلماذا لا نستغل هذه الفترة اليومية الطويلة لتوجيه تحدثنا الذاتي الى برمجة ذواتنا إيجابيا رغم ما حصل في الماضي، وندرك أن هناك أهمية كبيرة في توجيه تحدثنا مع الذات. فأنت لا تريد الثحدث الذاتي القاتل أو الإرهابي الداخلي الذي يجعلك فاقداً للأمل ، ويشعرك بعدم الكفاءة ، ويضع أمامك الحواجز ويبعث لك إشارات سلبية مثل ( أنا خجول – انا ضعيف – ذاكرتي ضعيفة جداً – أنا لا أستطيع – شكلي غير جذاب) . فتحدثك السلبي مع نفسك يرسل إشارات سلبية للعقل الباطني يرددها باستمرار فتصبح جزءا من اعتقادك القوي ، ثم يؤثر على تصرفاتك وأحاسيسك سلبا، فلتستبدل هذا القاتل الإرهابي بالداعم الإيجابي الذي يبعث لنفسك إشارات إيجابية مثل (أنا شجاع - أنا قوي – ذاكرتي قوية – أنا أحقق كل ما أريد – شكلي جذّاب الخ...) بهذا ترسل إشارات إيجابية للعقل الباطني يرددها باستمرار فتصبح جزءا من اعتقادك القوي ، مما يؤثر على تصرفاتك وأحاسيسك إيجابيا.
إن إيماننا القوي بالإنسان الفلسطيني يدفع إدارة نادي دلاسال في القدس إلى العمل الدؤوب للاهتمام في كل إنسان نتواصل معه وخصوصا الأطفال والشباب لأنهم هم نواة المجتمع الذي يبني مؤسسات الدولة الفاعلة لخدمة المواطن على أكمل وجه. وبهذا نساهم قي تثقيف مجتمعنا من خلال المخيمات الصيفية بأمور حياتية لا تتطرق لها المدرسة عادة فيتسلح الشباب بالمعرفة لمواجهة شتّى المواقف بإيجابية حتى يتم التقدم والازدهار باستمرار.