غياب السحر البرازيلي !
كتب فايز نصار/ الخليل
لم يستطع أي نجم تألق فوق المستطيل الأخضر زحزحة الجوهرة السوداء بيليه عن عرشه ، كملك لكرة القدم عبر العصور ، حتى يأتي نجم ينسخ أرقام الجوهرة ، كصاحب للرقم القياسي في التهديف ، وفي حمل كأس العالم !
ولا يختلف اثنان في كون المشاغب مارادونا هو أفضل من داعب "لاحسة" عقول الناس ، لان بين الولد الشقي والجلد المنفوخ وشائج قربى ، جعلت ابن البلاد الفضية يخرج بأغلى الغنائم ، على صعيد الفرق والمنتخبات ، ولولا عدم توفيق الرجل خارج الملاعب ، لكانت صورة التانغوي الساحر أكثر سحرا وتألقا !
ولا يجد الأوروبيون صعوبة في اختيار أفضل نجومهم عبر الزمان ، ويقتصر الاختلاف على أسماء بكنباور وبلاتيني وكرويف ، وقد ينال القيصر قصب السبق لدى الخبراء ، لأنه صنع المعجزات مع الأحمر البافاري ، ونال المجد المونديالي من طرفيه كلاعب ومدرب ، ونجح في الحفاظ على صورته كملهم للماكينات !
ورغم أن جناح هولندا الطائر يوهان كرويف لم يحرز كأس العالم مع الطواحين ، إلا ان تألق الأشقر البرتقالي مع الاياكس والبرشا كقائد ومدرب ، يضعه في خانة أفضل نجوم الكرة عبر الزمان .. حتى تأتي هولندا بنجم يغير هذه المسلمات .
وإذا استثنينا بلاتيني ، الذي يرأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الان، والذي يفضل أن يبقى بعيدا عن جعجعة التصريحات ، يجمع بيليه وكرويف وبكنباور ، وحتى مارادونا على ان منتخب البرازيل ، الذي شارك في مونديال البافانا ، ليس منتخب البرازيل الذي نعرفه ، وكلهم قال هذا الكلام قبل الإقصاء الدرامي للسامبا ، عندما أطاحت الطواحين بأبناء دونغا !
ولا نريد هنا ان نحاسب الناس على آرائهم ، ولكن إجماع هؤلاء النجوم على غياب السحر البرازيلي، الذي طالما صنعه بيليه وغارنشا وروفلينو وزيكو وسقراطس وروماريو ورونالدو ورونالينو يؤكد أن الكرة البرازيلية تعيش أياما صعبه ... وقد يكون هذا الإخفاق مقدمة لمزيد من الكوارث على المنتخب الذهبي ، أذا لم يسارع البرازيليون إلى وضع اليد على الجرح ، واصلاح العطب !
من وجهة نظري المتواضعة ، فالمشكلة أن الاتحاد البرازيلي وضع مقاليد العارضة الفنية للسامبا بيد الدمث دونغا ، البرازيلي الذي تفتحت مواهبه في المانيا، التي قضى معظم أيامه متألقا تحت شمس البوندسلسغا فيها ، والكرة هناك صناعة ولياقة وانضباط ميداني وحسابات ربح وخسارة ، قبل أن تكون سحرا وعروضا راقية ، تمهد الطريق للنتائج الفنية !
ولا خلاف على كون دونغا نجح في ترسيخ أسس منتخب منضبط ، ولكن محبي السامبا يتساءلون عن اللمحات الفنية للساميا ،ويفتقدون العروض الجماعية الخلابة ، ويحنون إلى التبادل الجماعي للكرة بين جميع اللاعبين ، بما يشعرك أن البرازيل قادرة على التسجيل في أي وقت !
ولا ندعي هنا أن دونغا ليس مدربا ، لأنه كان قائدا ميداني لمنتخب البرازيل في أيام العز المونديالي ، فشخصية الرجل وطاقاته القيادية ، تؤهله للإشراف على أي منتخب ، ولكن أسلوبه في العمل ، وطريقته في اللعب لا يبدو أنها تناسب المدرسة البرازيلية ، التي كانت بحاجة إلى قناص مثل باتو ، وصانع العاب مثل رونالدينو !
الكلام نفسه ينجر على منتخب الأرجنتين ، الذي سلم المقاليد الفنية للملهم مارادونا ،فتأهل المنتخب المدجج بالنجوم إلى المونديال بعملية قيصرية ، وبدا أن في الأفق قطيعة فنية بين المدرب المشاغب ونجومه الرائعين ، وعلى رأسهم ميسي ، وبدا أن المنتخب بحاجة إلى صانع العاب عصري مثل ريكلمي قبل الحاجة للمعتق بوفون ، مما يجعل مصير الأرجنتين مفتوح على كل الاحتمالات ، ولن نغير رأينا هذا حتى لو فاز رجال التانغو باللقب العالمي ، لأننا نعتقد أن ساحر الملاعب مارادونا ، ليس بالضرورة ان يكون ساحر العارضة الفنية !
وبين خروج دونغا من البطولة خاوي الوفاض ، وعدم قدرة مارادونا على توظيف قدرات الارمادا الأرجنتينية ، يبقى السؤال مطروحا حول ضرورة أن ينجح نجوم الملاعب في تدريب الفرق والمنتخبات ، بعد نجاح كل من زاغالو وبكنباور في الظفر بالكاس الغالي في الحالتين ، على عكس مدلل فرنسا بلاتيني ، الذي انسحب بسرعة من عالم التدريب بعد تجربة غير مجدية مع الديك الأزرق في الكأس الأوروبية سنة 1992 !