شريط الأخبار

الدرس الصيني!!

الدرس الصيني!!
بال سبورت :  

فايز نصار/ الخليل

كانت علاقتي الأولى بالصين يوم ترشحت لدراسة الطب في بلاد التنين قبل ثلاثين سنة، ولكن المقادير العاثرة حرمتني من مهنة الإبر الصينية ، ورمتني في أحضان الصحافة والرياضة في جبال الأوراس الشماء ، التي تذكرتها وأنا أسمع نعي الرئيس محمود عباس للشاعر الكبير محمود درويش ، الذي قال فيها شعرا ، لم يسمع به الكثيرون ، ومنه :  

بيتي على الأوراس كان مباحا ... ....يستصرخ الدنيا مساء صباحا .

وتراب أرضي من دمي معشوشب... كي يشرب الغرباء منه الراحا.

سوزان تصبغ من دمانا ثغرها ...........     حتى يظل جمالها فواحا   .

حتى تظل شفاهها ياقوتة ............... لم لا يكون صباغها أرواحا !!

المهم أن الأقدار شاءت أن يغيب صاحب مديح الظل العالي ، بعد يوم من افتتاح بيجين للاولمبياد التاسع والعشرين ، في عرس خرافي بهرت الصين من خلاله الدنيا ، ونجحت في تسويق حضارتها ، بشكل غير مسبوق !  

   ولا يعرف شعبنا عن الصين إلا كونها مصدر البضائع الأقل جودة ، التي تصل إلى أسواقنا بأسعار مناسبة ، من خلال التجار ،الذين تفاعلوا مع البضائع الصينية ، فساقت العامة عن علاقاتنا التجارية بالصين طرائف لا تحصى ، ومنها أن احد التجار استورد من بلاد الصين أحذية اشتكى الزبائن من كونها لا "تصمد " لأكثر من استعمال واحد ، ولما راجع التاجر المُنتج الصيني حول الموضوع ، قال له : إنها فعلا لا تصلح للاستعمال إلا لمرة واحدة ، لأنها صممت للموتى !!  

  المهم أن خالي بلال النتشة ، الذي يعمل في مكتب تصدير في الصين أخبرني بأن الصينيين ينتجون نوعين من البضائع، الأول مخصص لدول المجموعة الأوروبية ، ويمتاز بالجودة ، التي تجعله منافسا لبضائع أوروبا ، في عقر دار القارة العجوز ، والآخر مخصص لمنطقة الشرق الأوسط ، ويمتاز بجودة أقل ، وبأسعار مناسبة !  

  ولم يكن افتتاح الأولمبياد الصيني مصمما للتسويق في الشرق الأوسط ، لأن أبناء التنين اجتهدوا لإعداد افتتاح خرافي ، يمتاز بالجودة والدقة العالية ، مما اقتضى عملا مضنيا ، بدا منذ إناطة تنظيم الاولمبياد ببكين قبل سنوات ، حتى ساعة الافتتاح .  

  ولا يختلف اثنان في أن الافتتاح اللائق كان ثمرة تخطيط متأن ، وتنفيذ محترف ، شارك فيه الآلاف من أبناء الدولة القارة ، مع التركيز المبرمج على عرض الحضارة الصينية ، بكل صفحاتها الإنسانية ، وبكل إسهاماتها في الثقافة البشرية ، دون الاهتمام برموز البلد السياسية ، حتى أن ملهم الصينيين ، ومبدع ثورتهم "ماو تسي تونغ "غاب عن الفعالية ، وحتى أن الرئيس الصيني هو جين تاو – الذي لا يعرف الكثيرون اسمه – لم يظهر إلا لإعلان الافتتاح الرسمي ، وبكلمات لم تتجاوز أصابع اليدين !  

الزميل محمود السقا مقدم برنامج نبض الملاعب في تلفزيون فلسطين أحسن باستضافة محمد البكري في حفل الافتتاح لان الرجل ضليع في الشان الأولمبي ... وعلى الهاتف طلب مني أبو إسلام المفاضلة بين افتتاح أولمبياد الصين، وافتتاح "الأولمبيادات" السابقة ، فكان الجواب : ان في ذاكرتي افتتاح لا ينسى ، هو افتتاح اولمبياد موسكو سنة 1980 ، ولكن افتتاح اولمبياد بيجين كان أروع في عدة مجالات ، وخاصة من حيث عدد المشاركين في تنفيذ اللوحات ، ومن حيث المزاوجة بين العمل اليدوي البشري ، والصرعات التكنولوجية ... بما سيضع البريطانيين - الذين يستعدون لاستضافة الأولمبياد القادم في لندن - في الزاوية ، ويحرجهم ، ويحملهم أعباء إضافية في التخطيط والتنفيذ!  

المهم أن الأعراس الاولمبية انطلقت، وبدأت المفاضلة بين الشعوب والأمم فوق الميدان ، وكل أمة تستطيع أن تقيس مكانها تحت شمس هذه البسيطة، تبعا لتعداد الذهب والفضة والبرونز ، الذي سيحصل عليه أبطالها ، لأنني شخصيا أرى أن المفاضلة الرياضية معيار لتقدم الأمم، فالانجاز الرياضي يختصر كل الانجازات الأخرى !  

ولن أتحدث هنا عن فلسطين ، التي تشارك في ظروف صعبة ، ولذلك لن أطلب من أبطالنا العودة بالميداليات ، ولكن أتمنى أن نحاول – كمسئولين وكأبطال – نسيان المشاركة الرمزية ، والتفكير من الآن في استخلاص العبر ، والتركيز على الرياضيات ، التي يمكن لأبطالنا التألق في ميادينها ، ولا أعتقد أن كرة القدم واحدة منها !  

  وعربيا .. أتمنى أن تنجب الجهود المبذولة ، والأموال المهدورة على قطاع الرياضة ميداليات ، لأن المواطن العربي يغضب كثيرا عند الحسبة النهائية ، وعندما يرى أن دولا تتنفس رياضة ، ولا تبيض ملاييرها المنفقة على قطاع الرياضة ، لا ذهبا ولا خشبا ، فمن حق العرب أن يسمعوا الأناشيد الوطن لدولهم تعزف إيذانا بالفوز ، كما فعل العويطة والمرسلي وبولمرقة والمتوكل والشعاع وغيرهم !  

  إنها أمنية أن يحسن العرب أداءهم ، ونرى دول العرب في مراكز متقدمة على سبورة الميداليات ... أما أمر تنظيم الأولمبياد فيدو أن العرب ما زالوا بعيدين عن أقناع اللجنة الأولمبية الدولية بتحقيق حلم استضافة الفعاليات الأولمبية في مدينة عربية ، في العشريتين القادمتين ، ولكن بما أن الأحلام مشروعة ، لماذا لا نحلم باستضافة قدسنا المحررة للألعاب الأولمبية قريبا

مواضيع قد تهمك