كلمة القانون الرياضي

كتب فايز نصار/ الخليل
يروى أن احدهم اشتكى للصديق أبي بكر بان شخصا عَوَرَ له عينه ، فقال له : انتظر ، لعلك عَوَرتَ له عينتاه ! وفي الأمر من حكمة تلميذ المصطفى الأول عبد الله بن أبي قحافة ، وتوازنه في أخذ الأشباه والنظائر ، وتقصي أطراف النزاع قبل الحكم ، ثم إصدار الأحكام وتطبيقها ، تحت سقف فلسفته المعروفة " شدة في غير عنف ، ولين من غير ضعف " .
تلك الفلسفة نحتاجها هذه الأيام في التعامل مع أهم ملف يواجه اتحاد كرة القدم ، والذي يتعلق بتنازع بعض الأندية على عدد من نجوم الكرة ، وكل واحد يدفع بحججه ، التي تجعلك تظن انه صاحب الحق ، وانه مظلوم ، ومنافسه هو الذي تعدى الحدود ووقع في المحظور .
والكرة هنا في ملعب الاتحاد ، الذي سيعلن القرار في سلسلة النزاعات ، بعد الوقوف على توصيات لجنة التحقيق التي شكلت ، والتي يبدو أنها تصل الليل بالنهار لتقصي أطراف التنازع ، قبل البت في الخلافات .
ولا نعتقد هنا أن اللجنة ستحاول الإمساك بالعصا من الوسط ، وإرضاء الجميع ، لأن المهم أن تطبق الأنظمة واللوائح ، حتى لو أغضب الأمر زيدا او عبيدا ... ولا يجب هنا أن نفكر بأسلوب قائد جاءه جنديان تنازعا حول مسالة ، فلما استمع للجندي الأول ، قال له : أنت على حق ،، ولما جاءه الثاني قال له : أنت على حق ، فسأله حارسه الشخصي ، الذي سمع الحوار مع الجنديين : لقد قلت لكلاهما أنهما على حق ، فمن هو صاحب الحق ؟ فأجابه القائد : أنت أيضا على حق في طرح هذا السؤال !
نقول هذا... وتجربتنا تؤكد أن اتحاد كرة القدم يقف على مسافة واحدة من الجميع ، وان رئيس الاتحاد اللواء جبريل الرجوب حريص على تطبيق اللوائح ، وإحقاق الحقوق أيا كانت النتائج ، لأن الرجل يقود مشروع رياضي وطني شامل ، ولا يفكر إلا في نجاح هذا المشروع ، لذلك تراه يفكر للوطن ، ولا يهمه ان غضب حسن أو حسين في جزئيات المشروع ، وكم مرة سمعناه يقول لمن يغرق في نقاش المواضيع الجهوية والمناطقية ، وأمور الحساسيات السياسية : هذا مشروع للوطن وليس لحاراتكم !
كما أن اللجنة التي عينت لمتابعة الملف تضم من الأسماء رجالا مشهود لهم بالضلاعة في القانون ، والنزاهة في تطبيقه ، والعدالة في اتخاذ القرارات الصارمة ، التي لا تفكر في أسماء أطراف النزاع ، بل في حججهم وأدلتهم .
إذا .. اتحاد كرة القدم بعيد عن هذه النزاعات ، ولجنة التقصي جاهزة لاتخاذ القرارات ، والمسؤولية هنا إما تكون على عاتق الأندية ، التي ارتكبت مخالفات ، وقبلت انتداب لاعبين تربطهم عقود سابقة مع أندية أخرى ، او تلك التي استغلت سذاجة لاعبين وغيرت في تفاصيل العقود ... وفي الحالتين يجب ان تُقبل النتائج ، حتى تحافظ الأندية على سمعتها كذراع رياضي لاتحاد الكرة ، وحتى تستحق الأندية تسمية "أندية محترفة" بحق وحقيق !
وعلى الجانب الآخر يبدو أن السبب الرئيس للتنازع يتعلق بنجوم خرجوا عن النص ، وقبلوا تغرير الأندية ، واللعب على الحبلين من اجل مصالح آنية ، فلم يكونوا صادقين في أحاديثهم مع الأندية ، فوقع الجميع أمام ملف غير مسبوق في رياضتنا الفلسطينية الفتية .
يثق الشارع الرياضي في اتحاد الكرة ، لأنه يثق برئيسه اللواء ابو رامي ، الذي عهد به الصدق في القول ، والنزاهة في التعامل مع الجميع ، والإخلاص في العمل ، وبالتالي فان القرارات التي ستتخذ يجب أن تكون امتدادا لهذه الثقة ، ولا يجب على فلان او علان أن يرفض القرارات ، إذا أردنا النجاح لرياضتنا ، لأن النادي الذي يريد ان يسمي نفسه ناديا محترفا بحق وحقيق ، لا يجب ان يربط تاريخه باسم لاعب أيا كانت إمكانياته .
ويجب على اللجنة أن تعاقب المتجاوزين من اللاعبين والأندية ، حتى لا يصبح- الأمر سابقة في رياضتنا ، وحتى لا تسول نفس أندية أخرى ، ونجوم جدد بسلوك طرق التفافية لتحقيق أهداف ذاتية ، حتى لو كان الأمر على حساب مثل الرياضة الفلسطينية .
ويجب على الإعلام الرياضي فتح هذه الملفات بكل شفافية وصدق ، ودعم التوجهات التي ترسخ القانون ، وتؤدي إلى تطبيق اللوائح ، بعيدا عن حسابات الانتماء لهذا النادي أو ذاك، لأن الإعلام الرياضي يمثل النبراس الذي طالما نجح في أداء رسالته بكفاءة واقتدار ... وإعلامنا الفلسطيني كان دوما جزءا هاما في منظومة النجاح الرياضي .
وأخيرا على الجماهير التي تناصر الأندية عدم التسرع في تصديق بعض التسريبات ، والتريث حتى تصدر القرارات من أهل الحل والربط ... ويجب على هذه الجماهير ان تضرب مثلا في الانتماء للمشروع الرياضي الفلسطيني ، وذلك بالتضحية وقبول القرارات ، حتى لو كان الأمر على حسابها ، لأن مصير هلال القدس وشباب الخليل وشباب الظاهرية ومركز بلاطة وبقية الأندية ، لا يجب ان يبقى معلقا على لاعب خرج عن النص .. والاهم أن على هذه الجماهير أن تعلم بان حل مشكلة التنازع على لاعب ما لا يمكن ان يكون بإرضاء الطرفين ، إلا إذا أردنا أن نسلك سبيل القاضي الذي جاءته امرأتان تنازعتا على طفل ، فقرر أن يقسم الطفل بينهما ، فقالت له أمه الحقيقية : أبقه لها أيها القاضي ، فلنكن الأم الحقيقية ، والأب الحاني على النجوم الذين يجب ان يعاقبوا إذا أخطأوا ، كما يعاقب الأب ابنه ، دون أن يتمنى أذاه .