أبو سليم: عبد الهادي رجل الأوقات الصعبة ورحيله سيترك فراغاً في المنظومة
غزة- كتب اسامة ابو عيطة/ رحل تاركاً إرثاً كبيراً من الإنجازات الرياضية،
وبطولات عدة حقق ألقابها، خرج العديد من اللاعبين، وكذلك المدربين، ووضع أقدامهم
على الجادة الصحيحة، ولكنه قبل كل ذلك، رحل تاركاً خلفة سيرة عطرة وندية، وذكريات
مختلفة لا تنسى عند جُل من عرفه وعاشره، أو عمل معه في الأجهزة الفنية، أو تدرب
على يديه.
منح الكثير ممن حوله العلم والمعرفة، وأعطاهم
ثمرة خبرات حياته، والتي حصدها طوال مسيرته المظفرة بالعديد من الألقاب والنياشين،
ولم يبخل على أحد منهم في أي من الأوقات بتقديم النصح والإرشاد، وعلمهم قبل هذا
أهمية الأخلاق الحسنة، والانضباط الكبير من خلال عمله الدؤوب، أينما حل وارتحل.
كان صابراً ومحتسباً، لم يعرف الاستسلام حتى في
أشد اللحظات، أو الأوقات الصعبة التي مر بها، إيمانه بالله كان كبيراً، ورضاه
بقضاء الرحمن وقدره كان أكبر من كل ذلك.
رحل المعلم .. الأستاذ .. المدرب .. والقدوة
الحسنة نايف عبد الهادي "أبو العبد"، بعدما أنهكه المرض
"الخبيث"، الذي لم يمهله شهوراً طويلة، مودعاً الأسرة الرياضية جمعاء،
والتي بكته بقلوبها قبل عيونها، فموكب تشييع جنازته كان خير دليل، وأكبر مثال، لما
مثله للمنظومة جمعاء، والتي كانت تكن له كل الحب والاحترام والتقدير.
تخرج الراحل من جامعة الهرم في جمهورية مصر
العربية، تخصص تربية رياضية العام (1982)، وعمل بعدها معلماً في وكالة الغوث
لتشغيل اللاجئين في قطاع غزة، كما شغل منصب المدير الفني للعديد من الفرق الغزية،
وكان صاحب أول لقب بطولة دوري لمحافظة رفح مع فريق الخدمات.
أبو سليم: عبد الهادي خرَّج أول دورة "ج"
وكشف
إبراهيم أبو سليم نائب رئيس اتحاد كرة القدم عن أن الراحل عبد الهادي كان محاضراً
برفقة الدكتور أسعد المجدلاوي في أول دورة منحت
للمدربين، وذلك في بداية عهد السلطة الوطنية، قائلاً: "لقد تخرج على يديه في
هذه الدورة (24) مدرباً، منحت لهم الشهادات من قبل الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم،
ومن ثم تم اعتمادها من قبل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وكان هذا إنجازاً كبيراً
وضخماً في ذلك الوقت، ولم يكن له مثيل".
وأضاف: "لقد كان الراحل عبد الهادي أحد
قادة العمل الرياضي في الأوقات الصعبة جداً، خاصةً في زمن الاحتلال الإسرائيلي
لقطاع غزة، سواءً حينما كان لاعباً، أو معلماً، وحتى أصبح مدرباً، ولا شك أن رحيله
سيترك فراغاً كبيراً في الساحة الرياضية، لما يمتلكه من مقومات لا تجدها في غيره،
وفقدانه أحزننا بشكل لا يوصف".
لمسة وفاء من اتحاد القدم
وأكمل أبو سليم: "ووفاءً لما قدمه عبد
الهادي طوال مسيرته الحافلة بالعطاء، قرر اتحاد كرة القدم أن يطلق اسمه على بطولة
كرة القدم الشاطئية، والتي ستقام الأسبوع المقبل، وهذا واجب علينا في الأسرة الرياضية
جمعاء، تخليداً لذكراه العطرة، بأن نقدم له نوعا من التكريم المتواضع، في أي بطولة
تأتي بعد رحيله عنا".
قائد وطني .. رص الصفوف
وتحدث
عصام قشطة عضو اتحاد القدم ورئيس نادي شباب رفح السابق بإسهاب كبير عن الراحل عبد
الهادي، حيث كان له زميل وصديق منذ مطلع السبعينيات، وعاشره من خلال العمل معه في
جوانب عدة، منها الإداري، الرياضي، والتدريبي، وحتى الوطني.
وظهر التأثر الكبير على قشطة، الذي يحمل عضوية
المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية، وكان الحزن الكبير واضحاً خلال حديثه عن الراحل
"أبو العبد"، حيث قال: "لم يكن الأستاذ نايف لاعباً، أو مدرباً، أو
محاضراً فقط، بل كان قائداً وطنياً بامتياز، وله العديد من المواقف الوطنية
والوحدوية بين الفصائل الفلسطينية، وكثيراً ما عمل على توحيد الصفوف، وتقريب وجهات
النظر، ورأب الصدع حال حدوثه في أي مكان، وكان له تأثير مهم وكبير على جميع المكونات
والأطياف، لما كان يلقاه من احترام وتقدير، وذلك من كافة الأطراف".
جماهير شباب رفح ودعته على طريقتها الخاصة
وكان
إهداء جماهير "الزعيم" الرفحي الوفية لقب الكأس المنصرم إلى الراحل عبد
الهادي أكثر المواقف التي تأثر بها قشطة على حد وصفه، حيث قال: "قاد الراحل
شباب رفح بداية الموسم الماضي، ولكنه لم يستطع الاستمرار معه بعد اشتداد أزمته
الصحية، والتي أقعدته عن التدريب مجبراً، فما كان من جماهير شباب رفح وفور حصولها
على كأس البطولة إلا أن توجهت لمنزله، وقامت بإهدائه الكأس واللقب، وحملته على
الأعناق، في لمسة حب ووفاء وشكر وتقدير على ما قدمه مع الفريق، وتواجده ودعمه
للاعبين في كثير من الأوقات رغم مرضه الشديد".
كاريزما" خاصة"
وأضاف قشطة: "كان يمنح جميع من عمل معهم شعوراً
بالثقة والطمأنينة، ويعطيهم الراحة والأمان، والذين لم يكونوا على معرفة جيدة أو
مقربين منه قد يستغربون في البداية من طريقته، فكان يعطي التعليمات الصارمة،
والتزامه حديدي، وإخلاصه الكبير في العمل منقطع النظير، ولكنه في ذات الوقت كان
كالأب الحنون، يوجه النصح والإرشاد لجميع من هم حوله، وكان خير قدوة، ملتزماً
بدينه، وأخلاقه الدمثة الرزينة مع الجميع كانت أكثر ما يميزه".
طَموح .. مُتطور
وكان
يسعى الراحل عبد الهادي بشكل مكوكِّي لأن يكون الأفضل، ولم يكتف بما وصل أو حصل
عليه، وبحث بشكل دائم عن التطور الحاصل في عالم التدريب، والمتغيرات التي تطرأ على
أدق التفاصيل الكروية، وكان ينتظر بفارغ الصبر أي دورة تحمل الجديد، ليكون أول
المشاركين فيها، غير مكتف بذلك فحسب، بل كان يسعى وبقوة إلى التربع على قمة
المستفيدين منها، غير مكتف بالاسم الكبير الذي صنعه في عالم التدريب الغزِّي.
أستاذ المدربين
ولم
يقتصر دور الراحل عبد الهادي على صقل مهارات اللاعبين داخل الميدان، بل امتد إلى
أكثر من ذلك، حيث أبدع بعض من تلاميذه الذين نجحوا في أن يقتدوا بالمثل الأعلى
لهم، وكان من بين هؤلاء اللاعبين أسماء أصبح لها وزن في عالم التدريب، فكان منهم
المدرب خالد كويك، جمال الحولي، كمال أبو عمير، عادل أبو خساير، رأفت خليفة، محمود
المزين، الشهيد عاهد زقوت، وعماد هاشم.
خبرة طويلة .. وحصاد مُثمر
وحصد
الراحل عبد الهادي في مشواره التدريبي الذي امتد لأكثر من (30) عاماً على لقبين
للدوري الممتاز وواحد في الكأس، وبدأ مشواره التدريبي مع الأندية الجنوبية،
الجماعي والشباب، وخدمات رفح الذي أحرز معه لقبين في بطولة الدوري الممتاز موسمي
(95-96) و(97-98)، ومن ثم انتقل إلى اتحاد خان يونس، ومن ثم القادسية، الذي كان
آخر الفرق الرفحية التي درَّبها، وحقق معه إنجازاً تاريخياً، بعدما صعد به من دوري
الدرجة الرابعة، حتى أوصله للدرجة الأولى، وكاد يصل به إلى الممتازة.
كما قام بتدريب العديد من الأندية الغزية كالأهلي، غزة
الرياضي، المشتل، الهلال، والصداقة الذي تُوَّج معه ببطولة كأس القطاع موسم (2013).