الدكتور منصور الحاج سعيد:عذابات شعبنا يمكن أن تستنفر الخواص النفسية للاعبينا
الخليل- فايز نصار / قبل ستين سنة كانت العصابات الصهيونية تنشر المجازر في كل مكان ، ولم يكن أمام "أم منصور" بعد استشهاد "أبو منصور" في معركة الدفاع عن الأرض، إلا ترك صفد متوجهة شمال نحو دمشق ... كان مع أم منصور ولدين ، وكانت حاملا في شهرها التاسع .
الحكاية ليس سيناريو فيلم - يقول المدرب الكبير منصور الحاج سعيد – لأن أمه أخبرته أن المخاض جاءها وسط المسافة بين صفد ودمشق ، فوضعت حملها في الطريق ، بعد قطع حبل الخلاص بحجر ، وأكثر من ذلك فقد تركت النفساء وليدها لأكثر من أربع وعشرين ساعة ، لأنها كانت تحمل طفلين !
سجل ناصع
إنها بداية حكاية منصور الحاج سعيد ، الذي ولد من رحم النكبة ،وشق طريقه بكل كبرياء العصامية الفلسطينية نحو الشمس ، رافعا راية الشعب المعذب في الأعالي ، بألمانيا ، التي حصل من جامعة ليبزغ فيها شهادة الدكتوراه في تدريب كرة القدم ، وفي الإمارات ، التي درب فيها أندية اتحاد كلباء وبانياس ، وفي سوريا ، التي كانت له فيها م حطة مع الجيش ، وأخرى مع الوحدة .
أما رحلة النجاح الأبرز لابن صفد فكانت في الجزائر ، حيث أشرف منذ مطلع التسعينات ، على تدريب العديد من الأندية ، حاصلا معها على نتائج جيدة ، منها الفوز ببطولة الدوري مع اتحاد الشاوية ، ومع اتحاد الحراش ، والفوز بكأس أندية العرب مع مولدية وهران ، والمساهمة في تأسيس جيل وفاق سطيف ، الذي حظي بكأس أبطال العرب مرتين !
نحو العودة للوفاق
وقد ركن الدكتور منصور للراحة في السنة الماضية ، لأنه تفرغ للسهر على صحة والدته العجوز "آم منصور" التي فارقت الحياة قبل أسابيع ... وعلى طريقة الفلسطينيين ، الذين يدفنون الشهداء ، ويعودون بسرعة للمواقع ، راودت الكرة طموحات جديدة للمنصور ، فعاد الى الجزائر ، التي تلقى فيها اتصالات جديدة من نادي وفاق سطيف ، ومن احد الأندية التونسية ، ولكنه ما زال لم يبت في أمر الاتصالين .
دعم لمبادرة أبي مازن
ويرفض منصور إطلاق اسم النكبة على تفاصيل معاناة شعب فلسطين ، لأن هذا الشعب تجاوز تداعيات الحدث ، وأدرك أن عليه أن يتوقف عن البكاء ، مؤكدا ، " كل الطرقات شرايين لجسدي، تحمل فلسطين للقلب " .
وفي الذكرى الستين للنكبة يبارك منصور لشعب فلسطين مبادرة المصالحة ، التي أطلقها الرئيس محمود عباس بالقول : ليس أمامنا من حلول إلا اللقاء ، لان شعبنا طليعي في تجسيد مثل الديمقراطية ، التي كان الراحل أبو عمار يسميها " ديمقراطية غابة البنادق " ولكن منصور يلح على أن شرف البندقية يحتم عدم توجيهها إلا نحو العدو !
ثقة بوعي اللواء الرجوب
وفي الذكرى الستين للنكبة يبدو الدكتور منصور ، وكأنه يعيش بيننا ، يتابع كل تفاصيل ملفاتنا ، وخاصة ملف كرة القدم ، الذي يعنيه ، متوجها بالتهنئة للرئيس الجديد للاتحاد ، اللواء جبريل الرجوب ، ولأعضاء المجلس المنتخب ، مضيفا أن من الواضح أن لدى الرئيس الجديد أفق سياسي ، ووعي حضاري ، يؤهله لاستحداث آفاق مؤثرة في توجيه كرة القدم بصورة جيدة ، لأن كرة القدم لا تتوقف أصداؤها عند الفرجة فحسب ، بل تتجاوز ذلك للتأثير في الوضع السياسي ، حيث تضاعف اهتمام العالم بها ، لمردودها المالي ، وأيضا – وهذا هو الأهم – لمردودها الحضاري !
ويتمنى منصور أن يرتقي أداء الفريق المنتخب لقيادة الاتحاد ، لما فيه مصلحة كرة القدم الفلسطينية ، مؤكدا انه واثق أن من يعمل سينجح في النهاية ، لأن كرة القدم كعمل تمثل علما مئة في المئة ، فيما نتائج مباريات اللعبة ليست علوما دقيقة !
إستراتيجية الدفاع
ويرى الدكتور منصور أن على الفنيين القائمين على اللعبة معرفة اتجاه تطور كرة القدم ، من كل النواحي ، البدنية والمهارية والتكتيكية والنفسية ، والاهم عند منصور الجانب البدني ، الذي أصبح يحظى باهتمامات مضاعفة من القائمين على تطور اللعبة ، فبعد أن كان اللاعب يركض 5-7 كلم خلال التسعين دقيقة ، أصبح يحتاج إلى الركض ما بين 12-14 كلم خلال المباراة .
ويضيف منصور أن التطور لحق أيضا بالعمل التكتيكي ، وتوجهات استراتيجيات اللعب ، وأصبح التركيز أكثر على الشق الدفاعي ، من خلال ال"رجل لرجل" و"تغطية المنطقة" والدمج بينهما .
وفي خضم تطور الأداء الدفاعي - يقول منصور – اختفى المهاجم النجم ، وأصبح تركيز المدربين على الحلول الأخرى ، وخاصة الضربات الثابتة كأحد العوامل المساعدة لتحقيق النتائج .
ولكل فريق - كما يضيف منصور – شخصية مميزة ، تعتمد على تراكم الخبرة ، وشخصيات اللاعبين ونوعيتهم ، وحالتهم المزاجية خلال المباريات يكون لها الحسم في النهاية ، من خلال التعامل مع الخواص النفسية للاعبين في المباريات الحاسمة ، والمدرب الناجح هو الذي يعرف كيف يجعل الحالة النفسية ضابط إيقاع للعوامل التكنيكية والتكتيكية واللياقة البدنية .
فلسفة الكرة الحديثة
وفلسفة كرة القدم – يستطرد الدكتور منصور – تعتمد استراتيجيا على أن ثبات الحالة الدفاعية ، يؤدي إلى الهجوم الفعال ، لذلك تراه لا يقبل بمقولة أن "خير وسيلة للدفاع هو الهجوم" لأنه – يوضح منصور – ليس من يسجل أهدافا أكثر هو الذي يفوز في النهاية ، بل الذي يتلقى مرماه أهدافا أقل ، ولذلك أصبحنا بصدد نظام لعب جديد يعيد انتشار اللاعبين في الملعب ، مع التركيز على الزيادة العددية في الوسط ، الذي يشكل اكبر منطقة للمناورة ، دفاعا وهجوما .
القوة الخفية للفلسطينيين
وفي محاولته إسقاط هذا الكلام على حالتنا الفلسطينية ، يؤكد منصور أهمية التركيز على استنفار الخواص النفسية للاعبينا ، فكل إنسان لديه قوة مطلقة ، وحالتنا ستنجب نتائج هامة إذا أحسنا استنفار الأوضاع النفسية لنجومنا ، ويضرب لذلك مثلا برجل يهرب من أسد ، فيجد أمامه حفرة لا يستطيع قفزها ، ولكن الحاجة تستنفر كل طاقاته ، فينجح في تحقيق الأصعب ، ونحن بإمكاننا تحقيق الأصعب ، واستدراك مستوى الجيران ، باستغلال الطاقات النفسية الولادة لدى شعبنا ، تماما كما نجح شعبنا في مقاومة الاضطهاد والظلم ، فان لدى شبابنا رغبة في إثبات الذات ، وتحسين صورة فلسطين حضاريا ، ما يكفل بتحقيق انجازات كروية ، إذا أحسن الفنيون الأداء ، لان الأمر يتعلق بالرغبة في ترك انطباع حضاري ، والتأكيد على أننا شعب جدير بالحياة ، تماما كما فعل فريق جيش التحرير الجزائري في الخمسينات ، ومطلع الستينات ، حيث حقق انتصارات ، أفضل من تلك التي حققها بعد الاستقلال ، لأنه كان فريق يحمل على عاتقه أعباء قضية عادلة !
دور المحترفين
وفي حالتنا يرى الدكتور منصور ضرورة وجود دوري عام ، للتعرف على مستوى النجوم ، والى جانب ذلك فان فلسطين تملك عددا كبيرا من اللاعبين الجاهزين ، ممن ينشطون كمحترفين في مختلف الدول ، وهؤلاء يمكن أن يشاركوا تشريف الوطن ، وهؤلاء – يقول منصور – يملكون الحوافز النفسية الجاهزة ، لان حرمانهم من العودة للوطن يقوى رغبتهم في خدمة المنتخب ، والتفاني من أجل تحقيق أفضل النتائج .
ولتعويض غياب المنافسة في فلسطين يمكن الاعتماد على سلسلة من التجمعات ، بمشاركة جميع اللاعبين الدوليين ، وإجراء سلسلة من المباريات - يؤكد منصور- يجب أن تكون مع فرق ومنتخبات من مستوى عالي عربيا وآسيويا ، وحتى أوروبيا ، لأنك يجب أن تحتك بمن هو أفضل منك ، حتى تختبر نفسك جيدا ، ويتحسن أداؤك .
بالمراحل السنية ... أولاً
ويؤكد منصور أنه تابع كل مباريات المنتخب ، حيث تأكد من وجود نواة منتخب ، وبمزيد من العمل والإعداد السليم ، يستطيع منتخبنا في غضون سنة الاقتراب من مستوى الدول المجاورة ، في مرحلة ، ستليها مرحلة الانجازات .
وينصح المدرب منصور اتحاد كرة القدم بالاهتمام بفرق المراحل السنية ، لإيجاد قاعدة من لاعبي الغد ، الذين يؤمنون مستقبل منتخب لا يزول بزوال الرجال .
آخر الكلام – يقول منصور انه يتمنى أن تتاح له الفرصة في المساهمة في تقديم الخبرة التي أكتسبها لمنتخب فلسطين ، كعربون وفاء للوطن الذي يسكنه ، وكرفض لتوأمه "النكبة" التي ولد في أتونها ، والتي يريد أن يقهرها بالانجازات.