وسقطت ورقة التوت
بقلم فتحي أبو العلا
الأزمة الحالية في الحركة الرياضية الفلسطينية ليست وليدة الصدفة كما يعتقد البعض وليست مفتعلة كما يحاول أن يصورها آخرون .. ولا تخص اتحاد الكرة وحدة كما يريدها البعض الآخر ... ولكنها أزمة قديمة لها جذور لم نتمكن من مواجهتها في حينها على مدار السنين ووضعنا رؤوسنا في الرمال وتآمرنا على أنفسنا بمشاركة الجميع دون استثناء من التشريعي إلى الوزارة إلى الأولمبية إلى الاتحادات وقيادات الأندية الرياضية الذين استبسلوا في الدفاع عن الباطل وتأجيل الأزمة سنوات وراء سنوات واستباحوا كل المحرمات وفتحوا الباب على مصراعيه لتسيطر الاعتبارات الشخصية والمصالح الخاصة والأهواء والمزاجية على ادارة الحركة الرياضية الفلسطينية لتصبح واقعاً مريراً مجرداً من كل القيم والمبادئ والأخلاق وانحرافت عن أهدافها السامية في التعبير عن الوحدة والمحبة والتنافس الشريف.
وإذا كانت كرة القدم هي التي تفجر الأزمات دائماً فهذا لأنها الأكثر خصوصية والأكثر شعبية والأكثر نشاطاً على الساحة الرياضية وهي المرآة التي تعكس الصورة الحقيقة للحركة الرياضية .. حيث ترجع بدايات الأزمة مع قدوم السلطة الوطنية واشتعال الصراع بين الوزارة والأولمبية حول الصلاحيات والميزانيات وقانون المجلس الأعلى لرعاية الشباب وفشل التشريعي في إصدار قانون ينظم الحركة الرياضية الفلسطينية بسبب مراكز القوي التي يمتلكها الطرفين .. وحينها فجرت كرة القدم الأزمة الأولى في موضوع التمثيل الخارجي حيث كان الصراع بين الاتحاد الإقليمي المنبثق عن رابطة الأندية التي سلمت مهامها للوزارة والاتحاد المركزي العائد مع اللجنة الأولمبية وانقسمت الأندية والرياضيين والصحافة بين المتصارعين، فمنهم من كان يلعب على الحبلين حسب المصالح والمكتسبات الخاصة على حساب القيم والمبادئ والأخلاق الرياضية ونسوا أو تناسوا موضوع قانون رعاية الشباب ومن هنا بدأت الكارثة وانتشرت ثقافة المصالح والأهواء ... ثم تأقلم الجميع مع الأزمة ومرت السنين وسارت الأمور بلا قانون !!!.
وجاءت الأزمة الكبرى الثانية وأيضا من كرة القدم عندما صدر قرار رئاسي بتعديل نتائج الدوري العام في المحافظات الشمالية على موضوع الصعود والهبوط وتعالت الأصوات والهتافات هذا لا يجوز !! أين القانون ؟؟ أين القانون ؟؟ وفي ظل تبادل المصالح تآمر الجميع على أنفسهم ووضعوا رؤؤسهم في الرمال وسارت الأمور بلا قانون.
وفي العام التالي وقبل أن تلملم كرة القدم أشلائها صدر قرار رئاسي آخر على نفس موضوع الصعود والهبوط في المحافظات الجنوبية وتعالت الأصوات والهتافات أين القانون أين القانون؟؟ وفي ظل تبادل المصالح تآمر الجميع على أنفسهم مرة أخرى وسارت الأمور بلا قانون... وتحملت كرة القدم تبعات ونتائج كل هذه المصائب، إضافة إلى عوائق ومصائب الاحتلال ولازالت حتى اليوم غير قادرة على الخروج من هذه الحلقة المفرغة التي وجدت نفسها مرغمة على دخولها لينعكس ذلك على مجمل الحركة الرياضية الفلسطينية التي فقدت مصداقيتها ونزاهتها وقدرتها على تحقيق العدل والمساواة بين الجميع حسب اللوائح والقوانين.
وعلى الرغم من عمق الأزمة الحالية وشموليتها إلا أن بعض الأقلام لا زالت تتباري في تحويلها إلى أزمة شخصية وحصرها في بعض الأشخاص أو بعض التصرفات والأخطاء التي ترافق العمل في كافة المواقع الأهلية والرسمية.
لكن حقيقة الأمر أن الأزمة الحالية ونظراً للظروف غير الطبيعية التي يمر بها الوطن، استطاعت أن تسقط ورقة التوت وتكشف للعلن هشاشة المنظومة التي تدير الحركة الرياضية الفلسطينية وعدم قدرتها على معالجة أبسط الإشكالات الإدارية أو الفنية، والغريب والمستهجن، بأن الجميع يتحدثون الآن بلغة القانون ويتفننون في البحث عن مادة قانونية لصالح هذا الطرف أو ذاك ويتفاخرون كذباً ونفاقاً بأنهم يتمترسون وراء مواقفهم انصياعاً للقانون وليس لتحقيق أهوائهم ورغباتهم ويدعي الجميع كذباً بأنهم لا يعلمون بأنه وبعد مرور 13 سنة على قُدوم السلطة الوطنية، لا يوجد قانون ينظم الحركة الرياضية الفلسطينية ولا يوجد قانون ينظم العمل والإشراف على الأندية الرياضية والمراكز الشبابية ولا توجد خطط أو برامج لرعاية الشباب ولا توجد ميزانيات للأندية أو للاتحادات أو المراكز الشبابية.
وقد يدعي البعض أنه تفاجئ عندما علم بأن هناك اتحادات بلا مقرات ويتم إدارتها من المنازل وهناك اتحادات بلا أعضاء و بلا لاعبين وبلا مسابقات وبلا ملاعب أو صالات، وهناك ألعاب لها أكثر من اتحاد، فهذه هي المنظومة التي تدير الحركة الرياضية الفلسطينية والجميع يعلم ذلك وساهم في تثبيتها سواء عن قصد أو جهالة.
الخروج من الأزمة
من السهل أن نتحدث ساعات طويلة عن الأزمة ومسبباتها والمشاركين فيها، ولكن الأهم من ذلك كله التفكير الجاد لاستغلال هذه الحالة والعمل على الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة والحفاظ على الانجازات التي تحققت رغم قلتها .. وقبل الشروع في توجيه اللوم والاتهامات أرى بأن هناك أولوية قصوى لإعادة الاعتبار للحركة الرياضية وإعادة تنظيم هيكليتها بما يخدم مصالحنا الحالية والمستقبلية، وهذا يحتم علينا إقرار نظام أو قانون يحدد الصلاحيات والحقوق والواجبات لجميع الأطراف وينظم العلاقة بين المؤسسات الأهلية والرسمية التي ترعى الحركة الرياضية الفلسطينية ويكون أساساً لحل الخلافات والإشكالات وتصويب الأخطاء التي استشرت في الحركة الرياضية وأصبحت أمراً واقعا رغم الإجماع على عدم شرعيتها أو قبولها.
وفي وضعنا الراهن وفي ظل الخلاف الداخلي الفلسطيني طالما لا يوجد تشريع أو قانون ينظم الحركة الرياضية وعدم القدرة على إصدار هذا التشريع في الوقت الحالي، فيمكن أن يصدر مرسوماً رئاسياً بهذا القانون أو النظام يكون ملزماً للجميع ويمكن بعد ذلك إقراره أو تعديله حينما تسمح الظروف بذلك.
أعتقد أن هذا المدخل هو الأساس الطبيعي للخروج من الأزمة الحالية وهو الضمان الحقيقي لعدم تكرار مثل هذه الأزمات وهو الوسيلة العلمية القادرة على رسم السياسات المستقبلية لتطوير المنظومة الرياضية الفلسطينية وفق أسس وقواعد عملية واقعية واضحة المعالم بعيداً عن الارتجالية والمزاجية والمصالح الذاتية وهذا يحتاج من الجميع المصداقية والتوافق وبذل الجهد والوقت وتوفير الإمكانات والابتعاد عن المناكفات الشخصية أو الحزبية والإصرار على تحويل الشعارات إلى برامج عمل قابلة للتنفيذ والتقويم لأن الحركة الرياضية التي تمثل شباب الوطن ومستقبله، أمانة في أعناقكم وتستحق من الجميع كل الجهد والإخلاص والتكفير عن الخطايا ولعلها تكون آخر الأزمات التي أسقطت ورقة التوت وكشفت المستور.