"حدث هذا" .. هزيمة التطبيع
الخليل - كنب فايز نصّار/ تحول مونديال قطر إلى استفتاء شعبي عربي ودولي حول التطبيع مع الكيان الصهيوني ، الذي راهن قادته على كأس العالم لتسوق التطبيع ، أملين أن تصادق الشعوب العربية على ما وقعته بعض الحكومات من اتفاقيات تطبيعيه ، ولكن السحر انقلب على الساحر ، فاعترفت قناة " إسرائيل 24 " أن الأنظمة في واد ، والجماهير في واد آخر !
ورتب صحفيو الاحتلال أوراقهم للمشاركة في السبق التطبيعيّ ، ونقل الحدث الموعود ، ولكن الجماهير حولتهم إلى خبر ، عندما اكتشفوا أن الحدث تحول إلى مونديال حب فلسطين ، كما ذهبت كبيرة صحف الاحتلال " يديعوت أحرانوت " ، التي تساءلت : لماذا يكرهنا العرب ؟ فأتاها الجواب من فتاة يابانية رفضت لقاء مراسل محتل .. ومن مشجع برازيلي غنى مع الجماعة : أنا دميّ فلسطيني ، ليصبح السؤال الأكثر جدوى : لماذا يكرهنا اليابانيون ، والبرازيليون ؟ .. قبل الصدمة الكبرى ، التي جاءت من مشجع انجليزي هتف لفلسطين على الهواء مباشرة ، ومشجعة ايرلندية توشحت بعلم فلسطين ، في انتظار سؤال ثالث : لماذا يكرهنا البريطانيون ؟
ولأن البث كان مباشراً لم تستطع قناة كان الاحتلالية حذف هتاف المشجع الانجليزي هاري هاتون " الحرية لفلسطين " بعد فوز انجلترا على السنغال بالثلاثة ، وانتشر المقطع عبر منصات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم ، وحقّق مئات الآلاف من المشاهدات ، ليعبر هاتون عن سعادته من الردود ، التي قابلت تصريحه للقناة العبرية !
وقبل هاتون رفضت مشجعة يابانية إجراء مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" عندما حاول الصحفي الصهيوني راز شاشنيك إجراء مقابلة معها عقب فوز اليابان على المانيا ، فبادرته : "ما هذه القناة ؟ " فأجابها " قناة إسرائيلية "، فأشارت له بيدها بأنها لا تريد إجراء المقابلة ، ثم رحلت ، قبل أن يقول لها : " أنحن لا نعجبك ؟ " .
وذهبت كبرى الصحف الفرنسية " لوموند " إلى أن الصحفيين " الإسرائيليين " الذي ذهبوا لتغطية المونديال خسروا مباراتهم مسبقًا ، بالنظر إلى مقاطعة جماهير المشجعين العرب لهم ، موضحة بأنّهم جاؤوا إلى قطر بسقف توقعات عال جدا ، لا سيما أن " إسرائيل " وقعت اتفاقيات سلام مع عدد من الدول العربية ، ولكنّهم أصيبوا بخيبة أمل كبرى ، جراء نبذهم من قبل المشجعين العرب ، ورفض التعاطي معهم ، بما يؤكد – كما خلصت اللوموند - بأنّ القضية الفلسطينية لا زالت تشكل عنصرًا هيكليًا للهوية العربية ، وتوضح الفجوة العميقة بين القادة وبين شعوبهم .
ومع احتضان الجماهير العربية وغير العربية لعلم فلسطين ، وكوفية الفدائي الفلسطينية ، ذهب متابعون إلى تشبيه المونديال بستاد كبير احتضن مباراة فلسطينية إسرائيلية ، وانتصر فيها الفلسطينيون بنتيجة عريضة ، لأن ما حصل في مونديال قطر من هجوم معاكس على التطبيع ، جعل ما يشاع عن انفاق قطر 220 مليار على المونديال رخيصاً أمام هذه النتيجة .
والحق يقال : إنّ الخيرين فرحوا لنتيجة هذه المباراة ، في انتظار أن يقرأ القادة العرب النتيجة ، ويبنوا عليها في المستقبل ، لأنّ هذه الأمة لن تقبل مصافحة من شاركوا في قتل أطفال قانا ، ودفنوا الأسرى المصريين أحياء ، وهدموا أحياء في غزة على رؤوس اهلها ، وأنّ كل من يراهن على نسيان الدماء التي سفكت أن يراجع نفسه ، لأنّ دماء الشهيد ، تظل عن الثأر تستفهم ؟
ولا يبدو انّ منظري دولة الاحتلال سيقتنعون بنتيجة منازلة الدوحة الحاسمة ، التي هزمت التطبيع بالضربة الفنية القاضية ، وسيذهب هؤلاء إلى تكفير المونديال ، ووسمه باللاسامية ، كما فعل موقع أخبار 24 ، الذي اعترف بأنّ الجماهير التونسية رفعت شعار "لا للتطبيع مع إسرائيل " ، فيما ذكر مراسل القناة التلفزيونية العبرية إلى أنه تحدث مع بعض المشجعين العرب في مقاهي سوق "واقف"، ونقل عنهم إشارتهم " إلى ان القضية الفلسطينية في سلم أولويات الشعوب ، لا الحكومات " ، لتستنتج القناة العبرية إلى أنه على الرغم من مضي عامين "على اتفاقيات إبراهيم ، ورغم تطبيع دول عربية علاقتها مع دولتهم ، يكشف الاحتكاك مع الشعوب - تحديدا في شمال إفريقيا - رفضها لفكرة العلاقات معهم " .
وكشف الرئيس السابق لشعبة فلسطين في استخبارات الاحتلال " أمان " ، الجنرال الصهيونيّ ميخائيل ميلشتاين أن كأس العالم أظهر الموقف العربي الحقيقي من التطبيع مع دولته ، بعيدا عن خطابات الزعماء ، والاحتفالات المبهرة ، مؤكدا أن التطبيع يعتمد على أسس متهالكة ، وأنّه ستبقى في ذاكرة الاسرائيليين صور إزعاج الصحافيين الإسرائيليين من طرف المشجعين ، ممن يلوحون بأعلام فلسطين.. وقال: " أحداث كهذه تصدح في الخطاب العام هنا ، أكثر من المسائل التي تقلق معظم العالم " .
وأكبر دليل على التعنت الصهيوني ما واجه به كثير من اعضاء كنيسة الاحتلال الصورة ، التي وصّفها لهم النائب العربي أحمد الطيبي ، الذي نقل لهم مشهد الجمل الأجرب ، التي ظهر بها مراسو الاحتلال في قطر ، فواجهوا كلامه بالسبّ والشتم ، وصب اللعنات على الأمّة التي انجبته !
وبدل استيعاب الدرس ، والبحث عن الأسباب الحقيقة لرفض الشعوب العربية – ومعها الخيرين في العالم – للصلح مع العبريين ، تأخذ المحتلين العزة بالإثم ، ويوغلون في صهيونيتهم العنصرية ، مع صبّ اللعنات على مونديال قطر ، ومن قَبِل تنظيم المونديال في قطر ، وأكثر من ذلك لا يتورعون عن ارتكاب مجازر يومية ، تجعل معادي التطبيع يزدادون حصانة ، ويزيد في حلف مناوئي التصالح !
لا غرو أنّ لكرة القدم فوائد كثيرة ، ولعل أهم إنجازات المونديال القطريّ أنّه عزل المطبعين ، ونقل لقادة الاحتلال رسالة واضحة ، ملخصها أنّ هناك استحقاقات كثيرة تسبق التطبيع ، إذا هم أرادوا العيش بسلام في المنطقة العربية ، وأولها التوقف عن ارتكاب المجازر ، وإعادة الحقوق ، التي أقرتها المواثيق الدولية للشعب الفلسطيني.