اتحاد ابناء سخنين الفريق العربي الوحيد الذي تزعم الاندية الاسرائيلية
القدس- متابعة ناصر العباسي/ الدم واحد...والمعاناة واحدة...والصراع من اجل الهوية والبقاء والتكيف واحد، بل انه الشغل الشاغل والحدث الابرز لابناء الشعب الواحد، فرغم المعاناة التي تعيشها محافظاتنا الشمالية والجنوبية على حد سواء فإننا كفلسطينيين لا يمكن ان ننسى الاشقاء داخل الخط الاخضر، فهم ايضاً في نفس الخندق يعيشون معاناتنا ونعيش معاناتهم، ويقاتلون بطريقة مختلفة وبكافة الوسائل لاثبات هويتهم وحقهم بالعيش الرغيد.
نعم...انه صراع البقاء بل انه صراع الحرية والتكيف في ظروف قهرية جعلتهم لا محال من معايشة الشعب الاسرائيلي ولنستعرض هنا قصة معاناة شعب بأكمله، وما جعلني اسلط الضوء على هذا الحدث بعد معايشتي الحقيقية للاجواء والتي رافقت الفريق في المباراة النهائية على كأس الدولة في مشاهد حقيقية وبمرافقة العديد من الزملاء وانتصر حينها الفريق السخنيني في تل ابيب وتزعم الفرق الاسرائيلية لتفتح امامه بوابات اوروبا ويشارك في كأس الاتحاد الاوروبي وما اثار حفيظتي للكتابة ايضاً هو البرنامج المميز والذي بثته قناة العربية الفضائية قبل ايام قليلة ضمن البرنامج الاسبوعي «مشاهد وآراء» وقدمته الاعلامية المتميزة ميسون عزام تحت عنوان «صراع التكيف» والذي حمل اسم الفيلم الوثائقي لفريق اتحاد ابناء سخنين واحتوى على العديد من المشاهدات والتي شكلت في مجملها قضية الحلقة ومحور النقاش بين المتحدثين كالاهتمام الجماهيري الشديد والمتابعة الحثيثة لمباريات الفريق السخنيني واعتبار الفوز في كل مباراة مسألة حياة او موت!! لنسلط الضوء على ابرز محاور البرنامج لنتابع:
صراع التكيف لفريق وجماهير سخنين
تناولت هذه الحلقة الاقرب لعنوان الرياضة السياسية اعتلاء الفريق العربي سخنين للدرجة العليا وبالتحديد عام 2003 والفوز بكأس الدولة الاسرائيلية عام 2005 فكان الحدث مدوياً بالنسبة الى فلسطينيي 48 مما جعل الحدث في اعين المتابعين حدثا تجاوز بكثير لعبة كرة القدم والنظر الى مجالات اخرى فهو فريق سخنين الفريق العربي الوحيد والذي توج بهذه الكأس ليظهر هنا جهود ومعاناة اعضاء الهيئة الادارية والجماهير العربية في صورة عفوية لافراحهم واحزانهم وعواطفهم وهواجسهم، لكنه وبالتحديد يحاول ان يصور معاناتهم من اجل التكيف في وسط اسرائيلي ينظر اليهم بالشك واحياناً بكثير من العنصرية، وهنا لابد الاشارة ان عنوان الفيلم «صراع التكيف» ابتعد كثيراً عن كونه قصة فريق كرة قدم بل انه وصل الى التركيز على معاناة شعب بأكمله يصارع سياسة التهجير والتمييز والعنصرية.
الهروب من الهبوط
وتناولت هذه الحلقة مسيرة فريق سخنين في الدوري الاسرائيلي للدرجة العليا حيث تم عرض مشاهد من سلسلة مباريات لفريق كرة القدم مرفقة بمقابلات مع الجماهير واللاعبين وبصوت المعلقين الرياضيين ويستعرض انه الفريق العربي الوحيد في الدوري بجانب «11» فريقاً يهودياً والصراع هنا كان عنوانه الهروب من الهبوط بعد صعوبات متعددة ومشاهد لفريق سخنين كمسيرته في الدوري وخاصة المباريات الثلاث الاولى حيث لم يحقق اي انتصار بعد تعادل سلبي مع فريق «بيطار القدس» وخسارتين من «رمات غان» وهبوعيل حيفا» ويحتل في حينها المرتبة قبل الاخيرة في جدول الدوري وهو في طريقه للهبوط الى الدرجة الثانية لتتوالى الاحداث ويقدم مدرب الفريق السخنيني «لهمان» استقالته قبل ثلاث مباريات من نهاية الموسم ويتولى المهمة المدرب «زعفران» وليس امامه سوى تحقيق نتائج ايجابية تضمن للفريق البقاء في الدرجة الاولى وسنتابع ماذا جرى لفريق اتحاد سخنين لكن قبل ذلك نستعرض الاجواء والمشاعر في المناطق العربية داخل الخط الاخضر.
نضال شلاطه صاحب الانتماء
تتابع الاحداث ويسلط الضوء على احد مدافعي الفريق وهو نضال شلاطه بطل حلقة صراع التكيف وصاحب الرقم 10 في الفريق ليروي الاجواء من قلب الحدث ويقول ان الكرة هي كل شيء في سخنين بل انها كل شيء في الوسط العربي وخلال مبارياتنا لا يمكن ان تشاهد احدا في شوارع البلدة ووصف الكرة بالاخلاق حيث يعتبر شلاطه من عائلة رياضية ويقول عايشنا اللحظات الجميلة واللحظات الصعبة لان الفريق في هذه الاوقات يمر بفترة صعبة واستذكر شلاطة ان الفريق كان قديما قبل ان يضم لاعبين يهود واجانب وخاصة عام 1992 منقسم الى قسمين ومرتبط بالعائلات حتى انه وصف ان الجميع كان ينتظر الانتخابات لسحب العصي على بعضنا البعض لكن عندما اطلقنا اسم الاتحاد على الفريق وحد البلدة وباتت الانتخابات لا تعني شيئاً وهذا كله بفعل كرة القدم.
فريق بدون ملعب بيتي
واستعرضت الحلقة ان فريق سخنين في حينه وللموسم الثاني والثالث على التوالي لا يمتلك ملعباً بيتياً خاصاً به وعلى غرار المشردين عليهم الاستمرار في التنقل بين ملاعب البلدات المجاورة في التدريبات وفي عام 2004 تلقت ادارة سخنين من حكومة شارون آنذاك الموافقة على بناء ملعب جديد لها وحتى الان لم يتلقوا اي شيء ملموس واصبح حلم الملعب الخاص اشد ضغطاً لاعتقاد سخنين ان الملعب الخاص سيشكل جواز المرور الى القمة والضمان الوحيد للبقاء في الدرجة العليا لكن الفرج بعد ذلك جاء من دولة الامارات والتي قدمت مبلغ 22 مليون شيكل لبناء الملعب وتم رعاية الفريق من شركة سلكوم للاتصالات الاسرائيلية وبمشاركة رجل اعمال يهودي يدعى «اركادي» والذي قدم مبلغ 400 الف دولار وهنا يتم تسليط الضوء على هذا الرجل والذي اعتبر علامة فارقة كونه يهودي ويدعم بكل قوته لناد عربي وهذه الظاهرة تعتبر احدى النجاحات للفريق السخنيني لاثبات ذاته في صراع مع التكيف.
اعلن اسلامه مع سخنين
لانني العب في صفوف سخنين وصفني مشجعو «بيطار القدس» بالخائن هذا ما قاله حارس مرمى الفريق مائير كوهين بعد ان اعلن اسلامه وهو يلعب لاتحاد ابناء سخنين ويقول في احدى مشاهد الحلقة لعبت في الوسط العربي منذ خمس سنوات وتواصلت مع الفرق العربية لانهم يحترمون المرء ويعشقونه ويتابع انا احب محبة الجماهير فهم يحترمونني واشعر وكأني في دياري.
دعوات من داخل الاقصى ومسجد سخنين
كما اسلفنا بقي للفريق السخنيني ثلاث مباريات حيث خسر الفريق امام هبوعيل تل ابيب صفر/1 ليزداد الامر تعقيداً والدور هنا جاء على الجماهير العربية لتنتقل الى مدينة بئر السبع ولان فريق سخنين سيواجه فريق «بئر السبع» تقوم ادارة سخنين بطباعة المنشورات الحماسية تدعو من خلالها جماهير الجنوب للحضور لمؤازرة الفريق في الملعب فهي مباراة حاسمة وتتداخل المشاهد ليتوجه اللاعب نضال شلاطة والتي باتت مشاركته في المباراة معدومة للاصابة الى المسجد الاقصى بالقدس للصلاة هناك والدعوة من اجل الفوز اما امام وخطيب الجمعة في مسجد سخنين فتركزت دعوته للفريق بقوله اللهم انصر الفريق، اللهم ثبت اقدامهم، اللهم انصر عباس صوان ورفاقه نسألك النصر يا رب العالمين، ولان القضية لم تعد فقط قضية كرة قدم وانما تجاوزت ذلك بكثير. ليتعادل الفريق مع بئر السبع فهو تعادل بطعم الفوز لكن المباراة الفاصلة هي المتبقية مع فريق «اشدود» وهي الامل الوحيد للتشبث بالدرجة الاولى وتوالت الاحداث حتى يوم المباراة فها هو مصير سخنين على المحك رافع شعار نكون او لا نكون!!
مصير العروس مرتبط بالمباراة
وتروي الحلقة مصير العروس ندى والتي كان يوم زفافها في نفس موعد المباراة المصيرية مع فريق اشدود حيث قالت ان مصير سخنين متعلق بهذا اللقاء وربطت حفل زفافها بنتيجة المباراة فاذا فاز الفريق ستكتمل الفرحة واي شيء اخر لن يكون في صالحي اطلاقاً وقد تابع العروسان احداث اللقاء عبر الشاشة الصغيرة خلال حفل الزفاف ورقص العريس بكوفية الفريق الحمراء بعد ان انتهت المباراة بفوز سخنين وجابت الفرحة الشوارع العربية ابتهاجاً بالبقاء في دوري الدرجة العليا في مباراة عصيبة حضرها جميع اعضاء الكنيست العرب.
ضيوف الحلقة وآرائهم
وقد استضافت الاعلامية ميسون عزام من القدس الدكتور عزيز حيدر استاذ علم الاجتماع في جامعة القدس ومن بيروت حلمي موسى الخبير في الشؤون الاسرائيلية ومن الناصرة منذر خلايلة المتحدث الرسمي لفريق اتحاد ابناء سخنين حيث اكد الدكتور حيدر انه لا يمكن ان نطلق على تجربة سخنين بانها صراع التكيف فقط بل انه صراع البقاء وهذا الصراع ازداد في السنوات الست الاخيرة وخاصة بعد انتفاضة الاقصى وشحونة في العلاقات بين الاكثرية اليهودية والاقلية العربية والتي تزامنت مع الاصوات الداعية الى تهجير العرب من اسرائيل او تهجير جزء منهم وخاصة منطقة المثلث وقال انه لاشك ان فريق سخنين كفريق كرة قدم عبر عن الوضع الشائك والصعب الذي يعيشه العرب في هذا البلد وليست تجربة سخنين هي الاولى لكن فريق الطيبة وصل الى اعلى الدرجات ثم سقط بنفس الطريقة والتي فشل بها فريق سخنين هذه الايام وعزا الفشل الى عدم المقدرة على التمسك بالنجاحات والتمسك بهذه المكاسب على المدى البعيد، اما خلايلة المتحدث باسم سخنين قال اننا حققنا نجاح رياضي من ناحية واجتماعي من ناحية اخرى وذلك بسبب الظروف التي فرضت علينا للتعامل مع المجتمع الموجود في البلاد والتأقلم بالشكل الصحيح مع الرياضة الشاملة والنجاح الاخر في نقل الحضارة العربية ونقل العادات والتقاليد الاجتماعية العربية في البلاد وبصورتها الجميلة وبجمالها وبأصوليتها للوسط اليهودي، ولان الوسط اليهودي لم ينظر الى الشعب العربي بهذه الصورة وبتلك الشمولية الا من خلال كرة القدم والتي نجحت ان تحتل قلوب الكثيرين من المجتمع الاسرائيلي.
اما الخبير في الشؤون الاسرائيلية حلمي موسى قال ان هناك فرقا واتحادات كرة قدم في اسرائيل مسيسة بالدرجة الاولى مثل هبوعيل تابع للتيار العمالي او الهستدروت ومكابي تابع للتيار الديني وبيطار تابع للتيار المتشدد الاسرائيلي الليكود وان الصحة والتعليم وكل شيء في اسرائيل مسيس لذلك يقول موسى مجرد حمل فريق لاسم عربي مثل اخاء الناصرة واتحاد ابناء سخنين كان شيئاً غريباً قبل عشر او عشرين سنة رغم وجود نجوم عرب في تلك الفترة امثال رفعت ترك مع هبوعيل تل ابيب وزاهي ارملي مع مكابي حيفا وغيرهم.
في الختام
كانت الانجازات الرياضية لفريق سخنين علامة فارقة بالنسبة لفلسطيني 48 تجاوزت كونها احداثا رياضية وباتت بالنسبة الى الكثيرين منهم مؤشراً على القدرة وعلى التنافس وفرض الوجود وتحقيق الفوز على اليهود..فريق سخنين اعاد للكثير من فلسطيني 48 الثقة بأنفسهم والتي كانت قد تزعزعت على مدى سنوات طويلة من الشعور بالضعف وقلة الثقة تجاه الدولة الاسرائيلية والمجتمع اليهودي، وبالتالي كان فوزه بكأس الدولة الاسرائيلي عام 2005 بمثابة انتصار على الذات، وتأكيد على القدرة على الانجاز في دولة يحكمها اليهود ويسيطرون على مختلف مناحي الحياة فيها..لاعبو سخنين اعادوا البلدة الشمالية الى الخارطة لكنهم ايضاً لفتوا الانتباه الى اوضاع العرب داخل الخط الاخضر لكن تظل انجازاتهم انجازات وطنية واجتماعية.