عندما تبكي أندية وملاعب بيت حانون ... ويتشرد اللاعبون
غزة – رامتان / أسبوع واحد مكثه الجيش الإسرائيلي في بلدة بيت حانون، كان كفيلاً بأن يحوِّل البلدة الصغيرة الجملية، إلى ما هو أشبه بمنطقة أصابها زلزال مدمر، لم يُبقِ شيئاً كما كان عليه قبل الاجتياح.
الحديث عن الدمار الذي خلفه الاجتياح الأخير طويل، له بداية وليست له نهاية، ولكن إذا ما خُصِصَ الحديث عن كل جانب من الجوانب التي أصابها الدمار، فإن الجانب الرياضي لم يسلم من الدمار، ولم يَقوَ على تحمله لضعفه في الأصل.
رامتان زارت البلدة في الساعات الأولى لانسحاب الجيش الإسرائيلي، وتجولت في موقعين لا ثالث لهما، الأول مقر نادي بيت حانون الأهلي القريب من مسجد النصر الشهير، والثاني موقع ملعب بيت حانون الرياضي في مدخل البلدة الجنوبي.
مبنى النادي لم يعد صالحاً
فمبنى النادي تعرض أكثر من مرة بل وفي كل مرة من المرات التي التسع التي اجتاح فيها الجيش الإسرائيلي البلدة على مدار سنوات، أصيب بأضرار جسيمة تمثلت في ضرب أعمدته الجانبية حتى يصبح آيلاً للسقوط في أي وقت من جهة، وحتى تكون عملية ترميمه أشبه بالمستحيلة.
أمام الملاعب الداخلية للنادي، فقد حولها الجيش إلا تلال من الرمال والطين، فلم يعُد النادي قادراً على احتضان أي نشاط رياضي أو اجتماعي، حتى أن مجلس إدارة النادي لم يجتمع ولو لمرة واحدة منذ انتخابه قبل عدة أشهر.
وفي كل مرة يُحاول شباب النادي ترميم ما دمره الجيش، يطاله التدمير مع أول اجتياح جديد، فلم يَعُد النادي نادياً، ولم تَعُد ملاعبه ملاعباًن ولم تعد فرقه قادرة على ممارسة نشاطها تدريباً أو مباريات.
الملعب أصبح حقلاً محروثاً
أما ملعب بيت حانون الرياضي، وهو الملعب الوحيد في البلدة، فقد تحول إلى حقل محروث لا يصلح حتى للزراعة، بعد أن حطت فيه الآليات والجرافات العسكرية خلال فترة الاجتياح، حيث لم تكتفِ بالجثوم على صدره، بل قامت بتجريفه من أقصاه وحتى أدناه.
المنظر الملفت للنظر، والذي يؤكد شغف أبناء بيت حانون أطفالاً وشباب، تمثل في تجمع الأطفال في الملعب يلعبون على ما تبقى من بقاع لم تدسها جنازير الدبابات، في وقت ذهب الشباب لتفقد بلدتهم المدمرة.
وأول ما طلبه الأطفال العمل على إعادة الملعب كما كان، وتعدى الأمر إلى المطالبة بتجديده وتحويله إلى إستاد معشب كبير، يمكنهم من ممارسة هوايتهم المفضلة في لَعِب كرة القدم،اللعبة الأولى في العالم.
أحلام مبعثرة
بعيداً عن الأطفال وأحلامهم، فللكبار أحلامهم أيضاً، فقد طاف اللاعب أيوب أبو عمشة أحد أبرز لاعبي وهدافي بيت حانون، الملعب متحسراً على ما أصابه، وأخذ يبحث عن قوائم وعارضة المرميين فلم يجدهما إلا على بُعد من مساحة الملعب، وأخذ يحكي بألم عن حكاياته في هذا الملعب، وكان حديثه مصحوباً بأنين وكأنه أصيب بإصابة الملعب.
أما زكريا الكفارنة، لاعب ومدرب فريق بيت حانون الأهلي، فقد نسى أحزانه الكبيرة المتمثلة في استشهاد ابن شقيقته، وإصابتها هي وأبنائها في القصف الذي استهدف منطقة العثامنة والذي أودى بحياة تسعة عشر شهيداً بين طفل وامرأة ورجل، فأول ما تحدث عنه قبل الحديث عن مأساة شقيقته وأبنائها، الدمار الذي أصاب الملعب وحوله إلى مساحة محروثة لم تعد صالحة للعب أو حتى للمشي.
زكريا تحدث بألم شديد معرباً عن مخاوفه من ضياع لعبة كرة القدم في البلدة التي اشتهر فريقيها بالانتماء اللامحدود للعبة، وتحدث عن الأمل الضائع لفريقه بالعودة إلى الدرجة الممتازة التي هبط منها لأول مرة في العام 1998.
وقال الكفارنة " كنا نعيش على أمل العودة للدرجة الممتازة، وعملنا من أجل ذلك، ولكن في كل مرة، يأتي اجتياح يدمر كل شئ يدمر، يدمر ما بناه الفريق من إعداد جيد لبطولة الدوري التصنيفي ".
شهداء وجرحى في صفوف الرياضيين
إياد العثامنة المدافع الصلب الذي عرفته بيت حانون، أصيب في القصف ويرقد في حالة حرجة في المستشفى لا حول له ولا قوة، فلم يكن التوقف القسري لممارسة هوايته وحده الكفيل بابتعاده عن الملاعب، فقد أصبح حبيس الفراش مصاباً وقد لا يقوى حتى على متابعة الجيل الجديد من اللاعبين في الملعب.
إياد العثامنة لم يكن الوحيد الذي أصيب من لاعبي بلدة بيت حانون، فإذا ما كان أصيب بقذيفة مزقت جسده، فقد أصيب كل لاعبي البلدة في مشاعرهم وأحاسيسهم وهم يرون زملائهم يستشهدون ويُصابون، وملاعبهم وأنديتهم تُدمر، وما أقساها إصابة المشاعر والنفوس.
فبلدة بيت حانون شيعت العيد من لاعبيها الشهداء، فقد وَدَعَت فادي الكفارنة وعرفات ناصر وإياد فياض وأمجد حمد وخالد الزعانين وباسل الزعانين، فيما تعرض حارس مرمى الفريق معين العثامنة لإصابة أدت إلى بتر قدمه.
الاجتياحات المتكرر للبلدة حطمت آمال فريقي كرة القدم في البلدة، بيت حانون الأهلي الطامح للعودة للدرجة الممتازة، وبين حانون الرياضي للصعود إلى الدرجة الأولى، فبالكاد تمكن الفريقين من إنهاء لقاءاتهما في الدور الأول لبطولة الدوري التصنيفي، حيث تأجلت لقاءاتهما وتراكمت في نهاية الدور، حتى أنهما أصيبا بما هو أشبه بالصدمة التي جعلتهما يخسران اللقاء تلو الآخر، حتى أن فريق بيت حانون الأهلي لم يفز في أيٍ من لقاءاته الثمانية التي خاضها، فيما حقق شقيقه الرياضي فوزاً واحداً، فقبعا في ذيل المجوعتين الأولى والرابعة، ما يعني أن آمالهما تحطمت في تحقيق قفزة نوعية.
البلدة الآن مجروحة وتحتاج لمن يخفف جراحها ويُضمدها، ورياضيوها أصابهم مصاب جلل في فقدان زملائهم وأنديتهم وملاعبهم، وهم بحاجة لمن يعيد لهم ما يعيد إليهم الأمل في العودة إلى ممارسة رياضتهم، فأنديتهم وملاعبهم بحاجة لإعادة بناء، فهل من مجيب.