العقيد سليمان أبو جزر عظيم فوق الارض .. وتحت الأرض !
الخليل- كتب فايز نصّار/ كثيرون هم النجوم الذين كنت معجباً بهم في صغري ، ولكني كنت أكثر اعجاباً بالنجم الرفحي الراحل سليمان أبو جزر ، الذي يؤكد الجميع أنه كان يملك مهارات كروية لا تجارى ، ولولا سجون الاحتلال للعب أبو جهاد في أفضل الفرق في الخارج.
وتميز المرحوم أبو جهاد بمهاراته الكروية الخارقة ، وقدرته على اختراق التحصينات الدفاعية ، وتسجيل الأهداف الرائعة ، حتى أن البعض يعتبرونه ضمن خيرة المهاجمين الفلسطينيين عبر العصور .
ورغم عمره القصير في الملاعب، على خلفية اعتقاله من قبل المحتلين في ريعان شبابه ، إلا أن الفنان الرفحي ترك بصمات هامة في الملاعب ، وتحتفظ ذاكرة الكرة الفلسطينية بلوحات فنية رائعة كان بطلها البطل فقيد الكرة .
ولما أحسن الله بشهيد الملاعب، وأخرجه من السجن لم تمنعه الوظيفة من المواظبة على واجباته الكروية ، فواصل خدمة الزعيم من عدة مواقع ، أبرزها توليه رئاسة البيت الأزرق في فترة هامة ، شهدت على تقاليد جديدة وضعها المناضل الرياضي ، حتى لفظ أنفاسه على المسرح الذي أحبه ، فوق المستطيل الأخضر . .
ولما حصل الزعيم على الكأس السابعة ، ذهب محبو الشباب بزفة الكأس الغالية إلى بيت محبوبهم دعبس ، عربون وفاء للرجل الذي أفنى حياته حباً في الفريق الأزرق .
ولأنّ للراحلين ديناً مستحقاً في أعناق الجميع ، تواصلت مع عدد ممن عرفواالفقيد ، وكلهم لم يبخلوا عليّ بما يخدم هذا الربورتاج ، الذي يعرض شيئاً من مسيرة الفقيد ، فكل الشكر لأقاربه ، ولشيخ الصحفيين غازي الغريب ، وللنجم الساطع فريد الخطيب .
ولدالعقيد سليمان محمد حامد أبو جزر (أبو جهاد) المشهور بدعبس في مخيم اللاجئين برفح يوم 6/12/1954، وأنهى دراساته الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث بالمخيم ، قبل لعبه في مدرسة بئرالسبع الثانوية برفح 1972 .
والتحق المرحوم بمعهد المعلمين في غزة ، دون أن يتخرج منه ، بالنظر لانشغاله في العمل الفدائي ، كمقاتل في صفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، منذ كان طالباً في المدرسة الثانوية ، حيث تم تنظيمه على يد القائد الشهيد صبحي أبو ضاحي ، والقيادي سعدي أبو حشيش .
وبدأت ميول سليمان الكروية في الظهورمنذ الصغر ، وكان لا يغادر مركز رعاية شباب رفح ، في مقره القديم في الاتحاد القومي، القريب من منزله في شارع صلاح الدين .
وظهرت ملامح قصة الراحل أبو جهاد مع معشوقته كرة القدم بعد عدوان 1967، من خلال اللقاءات الكروية مع فرق العريش ، وغزة ، لينضم لاحقاً إلى بيته الكبير نادي شباب رفح ، بعد إعادة تفعيله سنة 1973 .. ومع الوقت ظهر الشهيد أبو جزر كواحد من أبرز نجوم الكرة الفلسطينية في قطاع غزة ، والضفة الغربية ، وتألق في المباريات الودية مع أندية القدس ، وغزة ، وخانيونس، والخليل ، والبيرة ، وطولكرم ، ونابلس ، وبيت جالا ، وبيت ساحور ، وأريحا .
ولعب الراحل الكبير في زمن غصت به ملاعب الضفة والقطاع بالنجوم البارعين من أمثال ابو السباع ، وناجي عجور ، وزكريا مهدي ، وفارس أبو شاويش ، وجمعة عطية ، والراحل موسى الفقعاوي ، وعارف عوفي ، وموسى الطوباسي ، وحاتم صلاح ، والراحل ماجد أبو خالد ...وغيرهم من النجوم ، الذي كان يمكن أن يلعب معهم في منتخب فلسطين ، لو كان لنا منتخب وطني في تلك الأيام .
ويرى صاحب الرأس الذهبية زكريا مهدي أنّالمرحوم سليمان أبو جزر نجم يجيد المراوغة وتسجيل الأهداف .. ولولا اعتقال الاحتلال له منتصف السبعينات ، حيث قضى زهرة شبابه لكان له شأن آخر في عالم كرة القدم ، فهو يلعب بطريقة ناجي عجور في المراوغة والتهديف ، ويمتاز بالهدوء وحسن الخلق .
وتزامناً مع لعبه كرة القدم شارك أبو جهاد في العديد من العمليات الفدائية المسلحة ضد الاحتلال ، وعملائه في رفح وخانيونس، وعرف بين زملائه الفدائيين الفتحاويين بإجادة ودقة استخدام القنابل اليدوية .
وشاء القدر أن تنكشف مجموعة أبي جهاد الفدائية ، فاعتقل يوم 19 /1/1975 ، وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة ثلاثة عشر عاما ، قضاها متنقلا بين سجون الاحتلال ، فواصل النضال من وراء القضبان ، حيث اشتهر بين الأسرى بجدارته في الإشراف على مطبخ المعتقل ، وتشرب أدبيات حركة فتح ، ليصبح واحداً من منظري المعتقلات .. وفي السجن كانت للراحل الكبير نشاطات رياضية ، توجها ببطولة كرة الطاولة طوال فترة اعتقاله .
وأفرج المحتلون عن جوهرة الكرة الفلسطينية يوم 18/1/1988 ،بعد انتهاء مدة محكوميته ،ليعملفي التوجيه السياسي والمعنوي لحركة فتح ، وتنظيمها العسكري في رفح ، وذلك حتى عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن سنة 1994 ، حيث أصبح ضابطا في جهاز الأمن الوقائي بمقره الرئيسي في مدينةغزة .
وإضافة إلى عمله في جهاز الأمن الوقائي ، عاد المرحوم إلى ممارسة نشاطه الرياضي كلاعب مع قدامى اللاعبين ،وكان من النجوم المميزين في فريق القدامى ، وسجل أهدافاً تؤكد موهبته ، وشارك في جميع البطولات التي نظمتها جمعية قدامى الرياضيين .
وخاض المرحوم العمل الإداري ضمن مجلس إدارة شباب رفح ، حتى أنتخب رئيسا للنادي ، في الدورة الانتخابية 2002 - 2006 ، فشهد النادي في عهده العديد من الأعمال الإنشائية الكبيرة ، وتمّ في عهده التوقيع على اتفاقية مع شركة اوراسكوم تليكوم القابضة المصرية لرعاية أنشطة النادي ، وازدهر النادي أثناء رئاسته ، وحصل على العديد من البطولات ، وانجز مجموعة من المنشآت الرياضية ، منها الملعب الفرعي المعشب ، إضافة إلى حفر بئر مياه يكفي احتياجات النادي .
وأحيل القائد أبو جهاد للتقاعد عام 2012 برتبة عقيد ، قبل أن يتخطفه المنون يوم 18/3/2000 ، متأثرا بنوبة قلبية مفاجئة ، وهو داخل الملعب يمارس هوايته الكروية ، لتنطلق جنازته المهيبة من البيت الذي أحبه نادي شباب رفح .
ولم يكن المرحوم دعبس يترك النادي في جلساته الصباحية ، وكانت له سنة حميدة بأنّ يصلي الضحى في النادي ، وكان حريصاً على صلوات الجماعة في مسجد عثمان بن عفان في حارته .
وقد نعى رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ، اللواء جبريل الرجوب المناضل والرياضي الكبير ، المرحوم العميد سليمان أبو جزر ، وأبرق أبو رامي رسالة تعزية لعائلة أبو جزر ، وللأسرة الرياضية ، ولنادي شباب رفح ، ينعى فيها رحيل أحد قادة العمل الوطني والرياضي .