بطولة الكبار والنتائج المنطقية
عندما ننظر بتمعن وتفكير في كأس الأمم الآسيوية الحالية والتي تستضيفها قطر حتى التاسع والعشرين من كانون الثاني/يناير الجاري، سنكتشف أنها كانت بطولة الكبار والنتائج المنطقية، فباستثناء الخروج الحزين للمنتخب السعودي أحد القوى الكلاسيكية في القارة الصفراء ووصيف حامل لقب البطولة الماضية، فإننا يمكننا القول وبأمانة إن المفاجآت قد خلت تماماً من البطولة الحالية، فالمنتخبات الكبرى بسطت سيطرتها على البطولة، وتمكنت من الذهاب بعيداً والصعود إلى نصف النهائي، كما أن الخبرة لعبت دورها كثيراً مع هذه المنتخبات في عبور العديد من المحطات الصعبة.
الخبرة تفض الاشتباك
منذ الأيام الأولى للبطولة ونحن نشاهد المنتخبات الصاعدة تحاول وبشتى الطرق أن تجد لنفسها مكاناً وسط الكبار على خريطة الكرة الآسيوية إلا أن عامل الخبرة لعب دوراً كبيراً في إفشال هذه المحاولات، ففي المجموعة الأولى على سبيل المثال كان المنتخب الكويتي يطمح للتعادل على الأقل أمام نظيره الأوزبكي القوي والذي يضم بين صفوفه العديد من اللاعبين أصحاب الخبرات العريضة أمثال ألكسندر غينريخ وماكسيم شاتسكيخ وسيرفر جباروف الذين نجحوا في تأمين فوز المنتخب الأوزبكي بنقاط المباراة الثلاث فبعد نجاح المنتخب الكويتي في إدراك التعادل عاد الأوزبك وحسموا الفوز عن طريق اللاعب جباروف أفضل لاعب في آسيا عام 2008.
من جانب آخر فقد تمكن الساموراي الياباني عن طريق خبرته في تخطي العديد من المواقف الصعبة في البطولة والتي لو كانت حدثت مع أي منتخب آخر لا يمتلك خبرات المنتخب الياباني لكان ودع البطولة مبكراً جداً، ففي مباراتهم الأولى أمام الأردن ظل اليابانيون متأخرين بهدف دون رد حتى الدقيقة 92 ورغم ذلك لم ييأسوا ووضعوا المنتخب الأردني تحت ضغط هائل كان من نتيجته إدراك التعادل والمباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة عن طريق المدافع مايا يوشيدا.
أيضاً فإن الخبرة فقط ولا شيء سواها كانت هي عامل الحسم الذي دفع بالمنتخب الياباني إلى نصف النهائي وجعله يتخطى عقبة العنابي القطري القوي والذي كان على بعد أمتار قليلة من التأهل إلى نصف النهائي.
المنتخب الياباني وجد نفسه في مباراة الدور ربع النهائي وهو متأخر بهدف أمام صاحب الأرض والجمهور في الدقيقة 63 ليس ذلك فقط بل أن الساموراي عانوا من النقص العددي بسبب طرد مدافعهم يوشيدا، ورغم ذلك فقط ضغط المنتخب الياباني بقوة كبيرة واستغل خبرة لاعبيه وخاصة المحترفين منهم وعندا كان الجميع يحتفي بتأهل مستحق لأصحاب الأرض فوجئنا بشينجي كاغاوا لاعب بوروسيا دورتموند الألماني يظهر فجأة ويخطف بمهارة رائعة هدف التعادل وإحياء الأمل لليابانيين، ثم ظهرت خبرة منتخب بلاد الشمس المشرقة عقب ذلك عندما نجح ماساهيكو إنوها قبل نهاية اللقاء بدقيقة واحدة في إحراز الهدف الثالث وانتزاع بطاقة التأهل من ثم إلى نصف النهائي.
وفي مبارة أخرى ضمن الدور ذاته بين العراق حامل اللقب والمنتخب الأسترالي الملقب بالـ"سوكرووز" عادت الخبرة مجدداً لتحسم تأهل الاستراليين إلى نصف النهائي لأول مرة في تاريخهم، ففي الوقت الذي كان فيه أسود الرافدين يهاجمون بكل قوتهم لإحراز هدف حسم التأهل في الشوط الإضافي الثاني إذا بلاعبي استراليا أصحاب الخبرة العريضة جراء احترافهم في أكبر وأهم بطولات الدوري الأوروبية يتمكنون ومن هجمة وحيدة من إحراز هدف حسم الأمور والصعود إلى المربع الذهبي عن طريق المخضرم هاري كيويل "32 عاماً" في الدقيقة 117 من زمن اللقاء.
تألق المحترفين خارج آسيا
أمر آخر هام تميزت به هذه البطولة وهو أن النجوم المشاركين والمحترفين في أوروبا على وجه الخصوص لم يخذلوا منتخباتهم ومدربيهم بل كانوا على العكس تماماً عند حسن الظن بهم دائماً ويمكن القول أنهم كانوا عامل الحسم المؤثر في تأهل بلادهم إلى نصف النهائي، وأبرز من تألق في البطولة كان كالتالي:-
•شينجي كاغاوا : لاعب وسط المنتخب الياباني وبوروسيا دورتموند الألماني، تألق بشكل كبير في البطولة الحالية واستطاع أن ينقذ منتخب بلاده من الخروج من ربع النهائي أمام قطر بتسجيله هدفي التعادل (1-1) و(2-2)، والمثير أن كاغاوا كان حتى هذه المباراة قد خاض 20 لقاءً دولياً أحرز خلالها ثلاثة أهداف فقط، والواضح جدا أن اللعب في الدوري الألماني مع فريق دورتموند العريق رفع من مستواه كثيراً وطور من أدائه الهجومي ومنحه الحاسة التهديفية، فلقد سجل ثمانية أهداف مع دورتموند قادته لتصدر الدوري الألماني بفارق مريح عن باير ليفركوزن أقرب ملاحقيه.
•تشا دوري : مدافع المنتخب الكوري ونادي سلتيك الاسكتلندي، يمكن أن نطلق عليه لقب الظهير الطائر، يعتبره الكثيرون من الخبراء أسرع وأقوى ظهير أيمن في البطولة حتى الآن، امتاز بقوة انطلاقاته وتمكن من إرسال الكرات العرضية المتقنة إلى المهاجمين ويعتبر بحق أحد أهم النوافذ الهجومية في منتخب كوريا الجنوبية، بدأ حياته مهاجماً وشارك في مونديال كوريا الجنوبية واليابان الماضي عام 2002، يبلغ من العمر 30 عاماً ولعب 52 مباراة دولية.
•مارك شفارتزر: حارس مرمى المنتخب الأسترالي ويعتبر مع الأردني عامر شفيع أفضل حراس البطولة، أدى مباراة استثنائية أمام المنتخب العراقي في ربع النهائي ويمكن القول أنه بخبرته وتوقعه الجيد لتصويبات المهاجمين العراقيين تمكن من ترجيح كفة منتخب بلاده في تلك المباراة، حارس مرمى فولهام الإنكليزي ولعب معه نهائي بطولة الدوري الأوروبي في الموسم الفائت، ويعتبر من أكبر لاعبي البطولة إذ يبلغ من العمر 38 عاماً، ويعول عليه الألماني أولغر أوسيك مدرب استراليا كثيراً في الصمود أمام هجمات المنتخب الأوزبكستاني القوي في الدور القادم.
•هاري كيويل : لاعب الوسط المهاجم في المنتخب الأسترالي، يمتلك خبرة عريضة بسبب لعبه معظم حياته الاحترافية في الدوري الإنكليزي حيث بدأ حياته مع نادي ليدز يونايتد الشهير (1996 – 2003) وخاض معه 182 مباراة سجل خلالها 45 هدفاً قبل أن ينتقل إلى فريق ليفربول العريق لخمس سنوات (2003-2008) خاض خلالها 93 مباراة أحرز فيها 12 هدفاً، وهو الآن يعيش فترة تألق رائعة مع فريق غلطة سراي التركي الذي انتقل له عام 2008 حيث لعب له حتى الآن 56 مباراة سجل خلالها 20 هدفاً.
يعتبر مجهوده في كل المباريات التي شارك فيها مع استراليا منذ بداية مواجهاتها أمام الهند وحتى مباراة العراق هو أهم العوامل التي صعد بالـ"سوكرووز" إلى نصف النهائي، ويكفي هدفه الهام والمؤثر في مرمى العراق ليدلل على الدور الهام الذي لعبه في صعود أستراليا للمربع الذهبي.
•بارك جي سونغ : لاعب وسط مانشستر يونايتد ومنتخب كوريا الجنوبية، أدى بطولة رائعة حتى الآن وتمكن من قيادة زملائه بخبرة وحنكة واضحتين إلى نصف النهائي، قدم الكثير من المجهود الرائع المتمثل في الضغط على لاعبي الخصم في وسط الملعب لإفساد هجماتهم على المرمى الكوري إضافة إلى اضطلاعه بدور صانع الألعاب في كثير من الأحيان، لعب مع منتخب بلاده 99 مباراة دولية سجل خلالها 14 هدفاً وخاض مع مانشستر يونايتد 113 مباراة أحرز خلالها 16 هدفاً.
•سيرفر جباروف: قائد منتخب أوزبكستان وصانع ألعابه، هو بحق أحد أفضل اللاعبين في البطولة حتى الآن ومرشح بقوة للفوز بجائزة أفضل لاعب في كأس أمم آسيا الخامسة عشرة بعد أن حصل على هذا اللقب في كل مباريات أوزبكستان الثلاث في الدور الأول.
يلعب محترفاً داخل القارة الصفراء وتحديداً في فريق إف سي سول الكوري الجنوبي، حصل على لقب أفضل لاعب في آسيا عام 2008، ويمتلك رقماً قياسياً يصعب ضربه مستقبلاً، إذ أنه حصل على لقب الدوري المحلي تسع مرات متتالية مع ثلاثة أندية مختلفة، آخرها كان لقب بطل دوري كوريا الجنوبية مع سول.
يبلغ جباروف من العمر 28 عاماًَ ولعب مع منتخب أوزبكستان 62 مباراة دولية سجل خلالها 13 هدفاً، يعول عليه المدرب فاديم أبراموف كثيراً في تخطي دفاعات المنتخب الأسترالي القوية، يمتاز بتمريراته الحاسمة والمؤثرة وأيضاً بدقة وقوة تصويباته، التي من خلالها أحرز هدفين خلال البطولة في قطر والكويت ضمن مباريات الدور الأول.
وبنظرة إحصائية للمحترفين خارج آسيا في البطولة الحالية نجد الآتي:-
•شارك في كأس الأمم الآسيوية الحالية 49 محترفاً في أوروبا ولاعب محترف في أميركا هو سونيل شتري الهندي وثلاثة لاعبين في أفريقيا هم العراقي سامر سعيد لاعب أهلي طرابلس والسوري عبد الفتاح الأغا لاعب وادي دجلة المصري والقطري حسين ياسر لاعب الزمالك المصري أيضاً.
•المنتخب الأسترالي هو أكثر منتخب ضم لاعبين محترفين في أوروبا حيث يشارك بين صفوفه 15 لاعباً محترفاً في إنكلترا وتركيا وهولندا وروسيا وإيطاليا.
•سبعة محترفين في البطولة يلعبون في الدوري الألماني في مقدمتهم الياباني شنجي كاغاوا لاعب بوروسيا دورتموند، بينما يلعب تسعة لاعبين في الدوري الإنكليزي أبرزهم الكوري بارك جي سونغ لاعب مانشستر يونايتد والأسترالي تيم كاهيل لاعب إيفرتون.
•سجل اللاعبون المحترفون خارج آسيا حتى الآن 14 هدفاً من أصل 74 هدفاً سُجِّلت في البطولة بنسبة 18.9% من إجمالي الأهداف المسجلة.