عائلة نجم الامعري ابو غرقود: الدعاء والتضرع إلى الله سر تفوق إياد
مخيم البريج - تقرير أحمد المشهراوي/ للأسبوع الثالث على التوالي من عمر دوري الاحتراف الفلسطيني" دوري القدس" نحل ضيوفاً على منزل أسرة نجم كرة القدم بنادي الأمعري إياد عبد المعطي أبو غرقود، لتتابع أحاسيس وشعور العائلة والأهل والأحباب والجيران حول تألق نجلهم، أمام أندية القمة والنجوم الكبار، ولتنقل الفرحة الغامرة، التي عمت العائلة بعد تسجيله هدف خامس لفريقه، الذي سيضاف إلى رصيده بعد سيطرته على قائمة أهداف الفريق، ولتسجل الفرحة بإحرازه نقطة ثمينة غالية تضاف إلى ناديه، من جديد توجهت-القدس الرياضي، إلى مخيم البريج أحد أصغر مخيمات قطاع غزة، المقام في وسطه، وكأنه يوزع الأفراح على هذا الساحل، أحد البقاع الغالية في الوطن جنوباً من مدينة رفح الشامخة، حتى شمالاً حيث مخيم جباليا الصامد التقينا ذات الوجوه، لكنها بفرحة مغايرة عن الفوز السابق أمام هلال القدس، والتعادل أمام جبل المكبر.
كلمات الفرحة كانت قليلة.. لكن الوصف للمشهد هناك من مدخل المخيم حتى الوصول إلى مسقط رأس إياد. (ليس من السهل نقله وتجسيده، فإياد كان هذه المرة على موعد مع هز الشباك وإسعاد الجماهير.. فرحة يرسمها لجماهير النادي العريضة، التي باتت تتغلغل في معظم مدن وقرى وبلدات ومخيمات الوطن الحبيس) بهذه الكلمات استقبلني محمد شقيق إياد الأصغر، الذي لا تجد مكاناً في منزلهم البسيط، في فسحة البيت ومكان جلوسه ونومه إلا تجد صور نجوم الكرة بدءاً من قطبي الكرة الأهلي والزمالك في مصر، حيث تنقسم الأسرة في التشجيع، مروراً بنجوم الساحرة الأسبان ريال مدريد وبرشلونة، ونجوم الكرة في إنجلترا وفرنسا وأمريكا اللاتينية وإيطاليا.
لم يكن الأبناء من الذكور والإناث متخصصين بالكرة المجنونة، التي سلبت الأذهان والعقول، بل إن أم إياد التي تنحدر من عائلة السعيدني في مخيم البريج، تمثل أرشيفاً من المعلومات، فاجئني حول أسماء أندية دوري الاحتراف ونجومه ومدربيه، ولاعبي الكرة في محافظات الضفة الغربية..عائلة انطبعت على الرياضة ورضعت الكرة منذ طفولتها، فلا تعجب إن حدثتك هذه السيدة عن نجوم الكرة المصرية والكرة الغربية، وأنديتها ونتائج المباريات، وأبطال مونديال كرة القدم.
أم إياد، التي أنهت دراستها للثانوية العامة، هي واحدة من المتعصبين لنادي الزمالك المصري، مدرسة الفن والهندسة مع نجلها إياد، وحدثتني كيف تجري المناظرات بين الأسرة، التي غالبيتها تشجع الأهلي-القافلة الحمراء، التي يقودها عبد المعطي أحد أبرز الحكام المساعدين، المعروف بقدرته على اصطياد حالات التسلل في ملاعب الكرة.
عن ذلك تقول: إن الفرحة، التي رسمها إياد لا تعترف بالحدود الجغرافية والحواجز المصطنعة، والحصار المضروب لأكثر من 4 سنوات، فالكرة تتجاوز كل هذه المعيقات، كيف لا والفرحة امتدت من ملعب نابلس، حيث جرت المباراة وصولاً إلى قطاع غزة المحاصر، لتشير بأنه ليس جزافاً أن يحمل الدوري لهذا الموسم لقب-القدس، الأرض المقدسة منطلق أفراح نجوم كرة القدم.
ليلة جديدة من ليالي الدوري تتقاطع مع شهر رمضان الفضيل، يكون عنوانها: الأمعري لا يؤمن بالخسارة ولا يعترف بالهزائم..نجمها الشاب الأسمر ذي الاثنين والعشرين ربيعاً، وروادها الجماهير، التي تصر على الفرحة رغم الأوضاع الصعبة والمعاناة، التي لا تترك أثراً في هذا الوطن الغالي.
متابعة مبتدعة
حقاً إن المعاناة تولد الإبداع، فرغم أن مباراة بهذا الحجم والنجوم والمكانة في الدوري، لم تنقل على أي من شاشات التلفزة، إلى أن أحباب إياد تابعوها، وعن ذلك تقول: هديل الأخت الأصغر لإياد البالغة من العمر 15 عاماً: لقد تابعنا المباراة عبر أحد المنتديات الرياضية، وعبر الهاتف من أصدقاء إياد في الملعب .. نأمل أن تنقل المباريات في المستقبل لنستمتع بالأداء لنجومنا المحترفين.. لقد تحول بيتنا وهواتفنا النقالة إلى محطة للاستفسار من الأقارب والأحباب لمعرفة النتيجة.
حتى ابنة العائلة الكبيرة (ألفت) المتزوجة خارج المخيم، كانت على اتصال دائم مع الأسرة لمتابعة المباراة، إنه سحر يشد الجميع لا تعيقه أي موانع، وكم كانت فرحتها غامرة مع تسجيل نجلهم هدفه الخامس.
هذه الفرحة كانت مختلطة بالخوف والاضطراب، كما حدثتني الأم بالقول: والله كان خوفي وقلقي لا يقل عن مدربي أو إدارة أو جماهير الأمعري هناك..فالدوري يضم الفرق الكبرى، كان دعائي لا ينقطع لإياد وللاعبين أن يوفقهم المولى في هذه المواجهة الجديدة.
وفي سؤال"لوكالة بال سبورت" حول رأيها بالتعادل: فقالت إنه جيد، الحمد لله الذي أكرمهم .. فكلمات الحمد والثناء، لم تنقطع عن شفتي ولسان هذه الأم، التي رسمت هموم الحياة خطوطها على وجهها، لكن لسانها المعتاد على الشكر والحمد لله، كان يملأ المكان تفاؤلاً كعادات الأمهات الفلسطينيات.
وعن لحظة تسجيل الهدف تقول: كنت مريضة ولا أقوى على الوقوف في يوم صيام شديد الحرور، لكن فور سماعي بتسجيله الهدف، شعرت والله الحياة تدب في أوصالي، فتوجهت على الفور إلى الصلاة، وأنا أحمد الله على منه وكرمه، وصليت 4 ركعات تقرباً لله أن يوفقه في ها اللقاء.
وتضيف: بلا شك الدعاء والتضرع إلى الله هو كلمة السر لها التفوق، إلى جانب استعداداته في الميدان، فالدعاء لا ينقطع عن لساني له، حتى أن أبنائي لاموني بأنني لا أذكر ولا أتضرع إلا إياد في مناجاتي لرب العالمين، في صلاتي ودعائي سواء في المسجد القريب من مسكننا، أو البيت.
أما إياد فهو الأخر لا ينسى أن يرد الجميل، فتكر الأم أنه فور انتهاء المباراة وأثناء صعوده للأتوبيس، الذي سيقله إلى حياة مخيم جديد، مخيم الأمعري ليعبر عن شتات الفلسطيني، الذي لا يزال بعد أكثر من 60 عاماً على الهجرة الأولى يبحث عن وطن يجمعه بعيداً عن الحروب وشرورها.. اتصل بأمه وأسرته وشكرها على مساندته له، رغم بعد السفر والحدود الفاصلة. وعن حسم أحد الأهداف الثلاثة عن إياد، تقول الأم إن إياد سجل حتى الآن جميع أهداف فريقه، ولم نعلم أو يبلغنا بخصم أي أهداف عنه، معتبرة أنه من الظلم أن لا يوفى الحق والجهد لأصحابه. وهنا تتدخل الابنة-أسيل 12 عاماً، بالقول أمي من المتابعين، ومشدودة لكل البرامج الرياضية عبر الفضائيات، وتعرف الكثير عن الكرة وتسجيل الأهداف وطريقة احتسابها.
أثناء زياراتي لأسرة إياد والحديث معهم، لم يكن من السهل الحديث مع والد إياد بعينيه المغمضتين بعد ليلة طويلة من السهر، ووسط تهاني الزوار والمتصلين، أبرزهم ابن خاله، الذي قطع مسافة طويلة ليقدم التهاني لعمته، ويقول: رغم الحصار وعدم وجود بطولات في غزة، إلا أن إياد يترك نكهة غزوية على الدوري .. تركت العائلة عائداً إلى مدينة غزة، وشعور يجاذبني حول سر تعلق هذه الأسرة بالكرة، ومبايعتها لنجلها الشاب، حيث كان الأهل يسعدون لعبقرية أبنائهم في عقولهم بإحراز الشهادات، واليوم تغير الحال، لتكون أقدامهم سر فرحتهم..جاء الرد إنها كرة القدم، التي تخطت كل شيء.