الألمان يهينون الأنجليز ويضطرونهم للبكاء مرتين
انتهى المشوار الإنكليزي في النسخة التاسعة عشرة لكأس العالم لكرة القدم المقامة في جنوب أفريقيا بانهيار ومهانة واضحتين لجيل حضر القارة السمراء بتوقعات كبيرة لكنه خرج واهناً من الباب الضيق بخسارته في دور الـ16 أمام ألمانيا 1-4 مما رسم تساؤلاً عن المصير المستقبلي للكرة الإنكليزية.
لم يتوقع أكثر المتشائمين هذا الظهور المخزي للاعبين يتلألأون في إحدى أهم الدوريات العالمية "برميير ليغ" بل بخلاف ذلك شكّل تألّق إنكلترا في التصفيات بقيادة المدرب الإيطالي فابيو كابيلو، خليفة ستيف ماكلارين الذي فشل بدوره فشلاً ذريعاً، شكّل قاعدة أساس لطموحات كبيرة أقلها رفع الكأس الغالية للمرة الثانية بعد 1966!
إلا أنّ إنكلترا، التي عبرت الدور الأوّل بشق النفس عن المجموعة الثالثة بعد حلولها ثانية خلف الولايات المتحدة بتعادلين مع "العم السام" والجزائر وفوز وحيد جاء على سلوفينيا 1-0، خذلت جماهيرها ليس فقط بالنتائج بل بالظهور المتواضع للاعبيها، أمثال واين روني وستيفن جيرارد وفرانك لامبارد وجون تيري وبالأخطاء الواهية التي ارتكبها كابيلو الذي يتحمل الجزء الأكبر من الفشل.
لم يكن لكابيلو دوراً في هذه البطولة إلا بصناعة "الفشل الكروي"، فإنكلترا التي جاءت إلى جنوب أفريقيا بجيل يعتبر ذهبياً بامتياز، قدمت إحدى أسوأ المستويات في ظهوراتها العالمية وتلقت أقسى هزيمة كروية لها في تاريخ مشاركاتها المونديالية.
اعتمد كابيلو في مبارياته الأربع في البطولة على خطة 4-4-2، عمادها لامبارد وجيرارد في الوسط مع تبديل في مركزيهما فيما تبدل المركزين الباقيين بين ارون لينون وجيمس ميلنر وغاريث باري تبعاً لمعطيات تكتيكية أو قسرية كالإصابة، فيما كان واين روني مهاجماً ثابتاً مع تغيير الآخر، فلعب إميل هسكي تارة أو جيرماين ديفوي تارة أخرى كأساسيين.
لم تعط هذه التشكيلة لا دفاعياً ولا هجومياً، فكشف سير المباريات الأربع التي خاضتها إنكلترا في المونديال، كشف النقاب عن غياب دور الوسط، فتاه واين روني "بعزلته" إذ لم يجد تمويلاً لا من العمق ولا عبر الأجنحة مما أرغمه معظم الأحيان على الرجوع لصناعة الفرص واستخلاص الكرة!!! وهو الذي كان يقتنصها كالصقر مع مانشستر يونايتد طيلة الموسم المنصرم. لينتهي المآل إلى مغادرته العرس العالمي دون أي هدف!
ولعل الأرقام تشير بدقة إلى غياب روني ومعاناته من خيارات كابيلو، وهو المشهور باقتناصه الفرص داخل المنطقة، إذ أنه وفقاً لموقع "فيفا" الرسمي سددّ روني 13 مرة فقط في هذه البطولة، منها 5 فقط من داخل المنطقة!!! كما أنه لم يصب المرمى إلا في ست من محاولاته.
وأكبر دليل على العقم الإنكليزي عموماً تسجيل ثلاثة أهداف فقط في البطولة تناوب عليها ثلاثة لاعبين بينهم مهاجم واحد هو ديفوي الذي سجل أمام سلوفينيا من كرة عرضية لعبها ميلنر، فيما سجل الهدفين الآخرين جيرارد أمام الولايات المتحدة وقلب الدفاع ماثيو ابسون أمام ألمانيا!
ولعل غياب ألأجنحة الصريحة يمينا ويساراً، ساهم في الإخفاق الهجومي الإنكليزي مما يثير التساؤلات عن مدى صحة استبعاد الشاب الواعد ثيو والكوت لاعب ارسنال، فيما لم يتم إعطاء شون رايت فيليبس أو السريع جو كول الوقت أو الدور الكافي فكان خيار ارون لينون (الشاب الوحيد بالمقياس الرياضي 23 عاما) أو جيمس ميلنر، غير صائب، على الأقل مما رأيناه علماً أنهما لا يملكان مواصفات لاعبي الأجنحة.
وفضلاً عن عقم الوسط في صناعة الفرص، ظهر لاعبوه ثقيلي الحركة عاجزين عن مجاراة منافسيهم وقد ظهر ذلك بوضوح أمام ألمانيا في دور الستة عشر، إذ لم يكن باستطاعتهم اللحاق بالألمان في الهجمات المرتدة ولا حتى مجاراتهم في السرعة الحركية، فكانت الثغرات كبيرة وفاقت إمكانية خط الدفاع البطيء والهش بدوره.
ففي خط الدفاع، الذي قاده جون تيري واشلي كول وغلين جونسون وماثيو ابسون في المباراة الأخيرة مع نزول جيمي كاراغر أو ليدلي كينغ (أصيب في اللقاء الأول أمام الولايات المتحدة الأميركية) في اللقاءات أخرى، كان الوضع مذرياً إذ بدا رباعي خط الظهر (معدل أعماره 29 عاماً) غير قادر البتة على مجاراة وسط وهجوم ألمانيا الشاب، علماً أن المباريات التحضيرية أظهرت بطء هذا الخط، لكن لم يتم تدارك الأمر من كابيلو.
وتطرقاً لمعدل الأعمار بلغ معدل لاعبي إنكلترا في المونديال حوالي 29 عاماً وهو متوسط مرتفع لفريق نصب احتضان الكأس الذهبية هدفاً، خصوصاً أنّ من يريد الفوز بالبطولة عليه خوض سبع مباريات في غضون شهر من الزمن الأمر الذي كان مستحيلاً.
ومما لا شك فيه أن وداع الأسود الثلاثة للمونديال سيشكل مادة إعلامية دسمة وستتعدد الآراء والتحليلات إلا أن المؤكد فيها أن منتخب إنكلترا بحاجة لإعادة هيكلة جديدة خصوصاً أن كابيلو لم يبن فريقاً للمستقبل والتغيير (مع كابيلو أم غيره) بات ملحاً أكثر من أي وقت مضى مع بقاء سنتين فقط لكأس الأمم الأوروبية 2012 التي ينظر إليها الإنكليز نظرة خاصة بعد غيابهم عن نسخة 2008.
ستبكي إنكلترا مرتين، أولاً لكرامتها الكروية المهدورة وثانياً تحسراً على نهاية جيل ذهبي دمغ أوروبا بأدائه الخاص وبإبداعاته مع الأندية، كمانشستر يونايتد وتشلسي وليفربول خصوصاً أنه سيكون من شبه المستحيل على لامبارد (32 عاماً) وجيرارد (30 عاماً) وجون تيري (30 عاماً) المشاركة في المونديال القادم عام 2014، وقد تكون أقصى طموحاتهم أمم أوروبا القادمة، هذا إن أسرفنا في التفاؤل.