البرازيل تحتفل حتى الفجر بنيلها شرف استضافة دورة الالعاب الاولمبية
احتفلت مدينة ريو دي جانيرو حتى ساعات الفجر الاولى بنيلها شرف استضافة دورة الالعاب الاولمبية عام 2016 لتصبح اول مدينة اميركية جنوبية تنظم هذه الالعاب، لكن التحديات التي تنتظر هذه المدينة الرائعة كبيرة، لا شك ان نقاط القوة في ملف المدينة البرازيلية معروفة: جو طبيعي خلاب وجذاب، شعب معروف بحبه للفرح، ودعم مطلق من البلاد باسرها ومسؤوليها، واقتصاد ارتقى بسرعة الصاروخ في السنوات الاخيرة ليدخل نادي الدول العشرة الاقوى في العالم.
لكن ريو دي جانيرو وعلى رغم مدة السبع سنوات التي تفصلها عن تنظيم الالعاب المقررة ما بين 5 آب/اغسطس عام 2016 و21 منه، فانها ستخوض سباقا ضد الساعة لقلب تأخرها بما يتعلق بالبنى التحتية لها وهي نقطة ضعفها الاساسية، ولا سيما النقل وقدرتها الفندقية الاستيعابية، من دون ان ننسى العنف الشغل الشاغل يوميا لسكان كاريوكا. وتبدو مسألة النقل في غاية الاهمية لان بعض المنشآت التي ستستضيف المنافسات تبعد نحو 40 كلم عن الوسط الاولمبي حيث من المقرر ان تشيد معظم المنشآت ومنها القرية الاولمبية والمركز الصحافي الذي سيكون مقره في بارا دا تييوخا غربي المدينة.
وبعد اخفاقها مرتين عامي 2004 و2012، قدمت ريو دي جانيرو هذه المرة ملفا "واقعيا" حسب عمدة المدينة ادواردو بايس، فلم يبادر الى اطلاق الوعود بتشييد مترو في المدينة، بل استبدل الفكرة بباصات كبيرة تستوعب عددا كبيرا من الاشخاص تسير في اماكن مخصصة لها.
اكثر من ربع موازنة ملف ريو دي جانيرو اي نحو 5 مليارات دولار سيخصص بتحسين قطاع النقل السيء جدا في هذه المدينة التي تضم 11 مليون نسمة، والتي اهملت من قبل القطاع الخاص منذ فقدت ثقلها كعاصمة للبرازيل لمصلحة برازيليا عام 1960.
ويتوجب على ريو دي جانيرو مضاعفة قدرتها الاستيعابية في الفنادق اذ ينقصها نحو 20 الف غرفة من الفنادق فئة نجمتين الى خمس نجوم لكي تلبي معايير دفتر الشروط المطلوب من قبل اللجنة الاولمبية الدولية. وتعهدت المدينة البرازيلية تشييد 25 الف غرفة في احياء منطقة المرفأ في وسط المدينة وفي مناطق في الشمال والغرب، كما انها ستستخدم سفن سياحية تستطيع ان تستوعب 8500 غرفة.
واكد المسؤولون عن الملف البرازيلي ان الموازنة العامة المقدرة بـ14 مليار دولار سيخصص جزء منها ايضا بتحسين الحياة اليومية لسكان المدينة حيث يعيش مليونا نسمة في احياء فقيرة جدا ومنفية. وقال الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا: "سنقوم بتحويل هذه الاحياء الفقيرة مبان عصرية، سنغير عقليات سكانها، وسنعطي فرصة للشباب، وستكون الالعاب الاولمبية محركا لكل هذه الامور".
وذكرت دراسة رسمية ان هذه الالعاب قد تدر ارباحا تقدر بـ56 مليار دولار وتوجد مليوني وظيفة منذ الآن وحتى عام 2027. وقال احد العاملين في احدى شركات المحاسبة الكبرى في البرازيل ويدعى ريكاردو تشافيس: "يكمن الامل في تحسن كبير لقطاع المواصلات والامن من خلال استضافة الالعاب الاولمبية".
أصداء النصر
لا يبكي رؤساء الدول عادة أمام الناس الا اذا كانوا يحتفلون باستضافة الالعاب الاولمبية لأول مرة في بلدهم وفي القارة التي ينتمون لها. ذرف الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا دموع الفرح بعد يوم مشدود الأعصاب في كوبنهاغن الجمعة، انتهى باعلان ريو دي جانيرو مدينة مضيفة للألعاب الأولمبية لعام 2016. ووصف لولا، الذي قاد بحكمته والكاريزما التي يتمتع بها، ريو الى الانتصار على مدن مدريد الاسبانية، طوكيو اليابانية وأهم من ذلك شيكاغو الأميركية، المناسبة انها "أكثر لحظة مؤثرة في حياتي". وقال لولا: "عمري 63 سنة ورأيت أمورا كثيرة في حياتي، وأعتقدت انني لن اتأثر أبدا، لكن فجأة أنا أبكي أكثر من أي شخص آخر هنا".
واعتبر رئيس اللجنة الاولمبية الدولية البلجيكي جاك روغ ان اعطاء شرف استضافة الألعاب الى أميركا الجنوبية هو الذي رجح كفة ريو وأثر في تصويت أعضاء اللجنة.
وأقر لولا بهذه النقطة: "لو فازت شيكاغو، لكانت المرة الخامسة التي تستضيف فيها الولايات المتحدة الألعاب، إسبانيا للمرة الثانية، واليابان أيضا للمرة الثانية، أما بالنسبة لنا فانها المرة الأولى". وأضاف: "لدي رسالة لصديقي القريب، رئيس وزراء إسبانيا خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو، لباراك أوباما (الرئيس الأميركي) الذي أعلق عليه آمالا عريضة، انه زميل رائع، ولرئيس وزراء اليابان الذي لا أعرفه لأنه واقع اليابان، تقول صباح الخير لرئيس وزراء ومساء الخير لرئيس وزراء مختلف!.. أقول لهم، أعذروني لأنني سعيد وانتم حزانى. لكن لطالما كنتم انتم سعداء ونحن حزانى للغاية".
وروى لولا واقعة سمعها صباحا من أحد أعضاء ملف ريو دي جانيرو: "ينبغي ان تعلموا اننا نأتي من بلاد كانت مستعمرة، لذا اعتدنا التفكير على مستوى حجمنا بالترافق مع الشعور بعدم الاكتراث". أضاف: "عندما عرض التلفزيون الدنماركي مشاهد وصول أوباما الى مطار كوبنهاغن صباح الجمعة، سمعت الناس يقولون "آه"، لقد أتى، سنخسر.. وكان أوباما قال لي خلال قمة الثماني الأخيرة انه لن يأتي لانه سيضع الملف بين يدي زوجته ميشيل، وانه ينبغي علينا القيام بعمل أفضل". وتابع لولا الرواية: "أجبته "اذا لم تذهب الى كوبنهاغن سأفوز أنا. لكنه عاد وأتى، وبمشيئة الله تمكننا من الفوز!".
وعبر لولا عن قلقه على رغم سعادته الغامرة بتحقيق النصر:" لماذا؟ لان اللجنة الاولمبية الدولية وضعت مسؤولية كبيرة على عاتقنا. انا خائف من المسؤولية، أشعر كل يوم بأن الناس ينبغي ان يستيقظوا ويواجهوا تحديا جديدا. لن أكون رئيسا عام 2016، لذا سيتحمل الشعب البرازيلي هذه المسؤولية، الآن على الدولة البرازيلية ان تستعد لتنظيم هذه الألعاب".
روغ
وقدم روغ الذي رحب بالرئيس البرازيلي ومعه الطبق الذي حمل المغلف الشهير المتضمن اسم المدينة الفائزة، تعازيه لأصحاب الملفات الخاسرة، لكنه اعتبر ان الفائز يستحق الاستضافة: "ان اختيار واحد بين اربعة ملفات ممتازة هو أمر صعب دائما، وأحيانا ممارسة صعبة، لكن كل التهاني لريو دي جانيرو.. بالطبع كان خيار اعضاء اللجنة الدولية صعبا، لكن الاتجاه كان لاعطاء الاستضافة الى قارة جديدة". أضاف روغ: "انها محاولة ريو الثالثة لاستضافة الالعاب، فعام 2012 لم تبلغ الدور النهائي لكنها بقيت متواضعة، سمعت جيدا، صححت نواقصها واليوم فازت".
وأفصح رئيس الملف الفائز كارلوس نوزمان انه بعد اعلان خسارة ملف ريو باستصافة العاب 2012 في لوزان السويسرية، زار صباح اليوم التالي الرئيس روغ في مكتبه وقدم ترشيح ريو لألعاب 2016.
كاسترو: فوز ريو دي جانيرو انتصار للعالم الثالث
اعتبر الزعيم الكوبي فيديل كاسترو ان فوز مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية بحق استضافة أولمبياد 2016، كان "دليلا على تزايد تأثير" الدول النامية في النطاق الدولي. وكتب كاسترو (83 عاما) مذكرة نشرت أمس على موقع "كوباديابيت" الالكتروني: "تنافست قوى اقتصادية كبرى لاستضافة الالعاب الاولمبة لعام 2016، وبينها دولتان صناعيتان كبيرتان في العالم: الولايات المتحدة واليابان. وعلى رغم ذلك فازت ريو دي جانيرو". وتابع الرئيس الكوبي السابق: "لا يصح القول الآن ان الدول الغنية قدمت هدية الى البرازيل، احدى دول العالم الثالث". وختم أب الثورة الكوبية الذي يملك علاقات طيبة مع الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا النقابي السابق: "ان فوز هذه المدينة البرازيلية هو دليل على تزايد تأثير الدول التي تصارع نحو التطور".
خسارة شيكاغو تذكر بأن اوباما لا يجترح المعجزات
اذا كان الرئيس باراك اوباما يتمتع بشعبية وجاذبية فانه ليس قادرا على اجتراح المعجزات وهو ما ادركه الاميركيون بمرارة بعد رفض ترشيح شيكاغو لتنظيم الالعاب الاولمبية لعام 2016.
وذهب اوباما الى حد القيام بزيارة سريعة الى كوبنهاغن دفاعا عن ترشيح مدينة شيكاغو امام اللجنة الاولمبية الدولية، وهي مبادرة ربما ما كان سيفعلها للدفاع عن قضية ديبلوماسية لا يمكن توقع نتائجها. وفي نهاية المطاف، لم يتم فقط اختيار ريو دي جانيرو لاستضافة الألعاب الأولمبية، وانما كانت مدينة اوباما الاولى التي تم استبعادها بين الاربع المرشحة فيما يشبه اول خسارة انتخابية كبيرة لاوباما منذ تعيينه رئيسا.
لكن اوباما قبل الخسارة بروح رياضية وهنأ ريو والبرازيل واعتبر فوز مدينة اميركية لاتينية لاول مرة بتنظيم الالعاب "حدثا تاريخيا حقا"، و"دليلا قاطعا على التقدم المحرز". وقال اوباما لدى عودته الى واشنطن: "من اكثر الامور القيمة في الرياضة برأيي، انه بامكانك ان تخوض مباراة رائعة من دون ان تربح. وهكذا، وحتى لو انني كنت افضل ان نعود من كوبنهاغن حاملين اخبارا افضل، فأنه لا يسعني ان اعبر عن مزيد من الاعتزاز مما انا عليه بمدينتي شيكاغو".
ولم ينتظر اوباما في كوبنهاغن صدور حكم اللجنة الاولمبية الدولية والذي ابلغ به وهو على متن الطائرة على طريق عودته الى واشنطن. ولم يكن البيت الابيض من السذاجة بحيث يتوهم ان هيبة اوباما الدولية وجاذبيته ووساطته الكثيفة في اللحظة الاخيرة ستولد التفافا كثيفا حول ترشيح شيكاغو.
ويقول دايفيد اكسلرود، المستشار المقرب لاوباما ان الرئيس ذهب الى كوبنهاغن "لانه كان يعرف ان المنافسة على اشدها. كانت الفكرة من وراء ذلك ان يزيد من حظوظ شيكاغو".
أولم يعلن عن زيارة رئيس البرازيل لويس ايناسيو دا سيلفا وملك اسبانيا خوان كارلوس ورئيس وزراء اليابان يوكيو هاتوياما لكوبنهاغن؟ كما يرفض البيت الابيض اي قول يشير الى ان خسارة شيكاغو تشكل صفعة لاوباما. وقال اكسلرود: "لا ارى في ذلك تنكرا لجهود اوباما او السيدة الاولى"، التي وصلت الى كوبنهاغن قبل يومين من زوجها. وادلى المستشار الاميركي بتصريحاته عبر محطات تلفزيونية عدة بينها سي ان ان بهدف منع اي استغلال سياسي محتمل في اليوم عينه الذي اعلن فيه بلوغ البطالة مستوى قياسيا منذ 1983 وانها تقترب من معدل 10%. وتحدث عن "الآليات الداخلية" التي تحكم عمل اللجنة الاولمبية الدولية والتجاذبات "السياسية" وحتى العلاقات التي تحظى بها بعض المدن المرشحة، لكي يشير الى حجم المؤثرات التي تدخل في اتخاذ القرار وتجعل النتيجة غير متوقعة ويقول ان اوباما قام برحلته لكي يعزز من حظوظ شيكاغو.
وكان يمكن لاوباما ان يحسب مقدما مخاطر الرحلة، فهو لم يكن يفكر اصلا في التوجه الى كوبنهاغن حيث كانت ستمثله زوجته ميشيل. وقال حينها انه سيبقى في واشنطن للاهتمام باصلاح النظام الصحي، القضية التي تستحوذ على جهوده ادارته في الوقت الحالي. لكنه غير رأيه الاثنين. فتحت ضغوط المدافعين عن ترشيح شيكاغو كان عليه ان يختار بين حلين صعبين: تحمل ثمن خسارة شيكاغو المحتملة على رغم تدخله، او تحمل اللوم لانه لم يبذل قصاراه من اجل مدينته.