الخليل- كتب فايز نصّار/ ووصل معي إلى باتنة عدد من الزملاء ، الذين تعرفت عليهم في دمشق ، من بينهم بلدياتي المقيم في عمان ياسين قزاز ، شقيق مذيع صوت فلسطين الملهم يوسف حسن قزاز ، وكان ياسين لاعب كرة قدم ، وشرب من الكأس التي شرب منها محسوبكم ، لأنّه كان يريد دراسة الرياضة ، ولكنّ المفاجأة جعلته يغادر باتنة بعد أسابيع .

  وفي القطار التقيت بزميل الدراسة الثانوية نادر كاتبة ، الذي أصبح زميلي في الدراسة الجامعية ، وصاحبني في السكن ، مع ابن بيت ريما ابراهيم عقل " فرح " ، وكان معنا في الجامعة ما يقرب من أربعين طالباً فلسطينياً يدرسون في الجامعة  مجاناً ، وتُصرف لهم مِنحٌ مالية كانت تكفي لمصاريف السكن ، والمواصلات الجامعية ، والأكل في المطاعم الجامعية ، بمبلغ لا يزيد عن دينار وعشرين سنتيما للوجبة الواحدة ، وعلمت أن السعر لم يتغير حتى الآن ، رغم أنّ الدينار الجزائري هبط مئات المرات ، وأكثر من ذلك فإنّ البعض – وأنا منهم – كانوا ينفقون المنحة الصيفية لشراء تذاكر الذهاب والاياب نحو عمّان صيفاً .

  ولا مجال هنا للتذكير بأن الجزائر انفقت من حر مالها لتعليم ما يزيد على ستين ألفاً من الدول الصديقة ، من بينهم عدد كبير من الفلسطينيين ، الذين يعاملون في الجامعات الجزائرية معاملة أبناء البلد ، ولا يحرمون من فرصة اختيار المادة الدراسية ، ومواصلة التعليم في برامج الماجستير والدكتوراه !

 وفي جامعة باتنة تعرفت على كثير من أبناء فلسطين ، من بينهم ابن خانيونس منير الفرا ، وابن رفح المرحوم محمد هارون ، وسالم البداوي من الأردن ، ونبهان الحرباوي من جاليتنا في الكويت ، وصلاح الجنيدي من الخليل ، وتعرفت أيضاً على عدد من الفلسطينيين من الجامعات الأخرى ، في مقدمتهم ابن عمي المرحوم شريف ، وبلدياتي ماجد مرقة ، وابن اذنا نعيم حمدان في جامعة قسنطينة ، وابن جنين جلال جرادات في جامعة العاصمة .

   وتوسعت دائرة معارفي لتصل ابن ولاية ورقلة الصحراوية أحمد بوخطة ، الذي كان فناناً متكاملاً ، وتعرفت على الشاعر الجزائري المرحوم عثمان الوصيف ، ولكنّ معرفتي الأهم كانت بالشاعر عز الدين ميهوبي ، الذي قرأ أمامي كلمات عن الثورة الايرانية ، التي كانت تكتسح الأجواء ، بقيادة الامام الخميني ، فراقتني ترانيمه ، لأصبح زبوناً على أشعاره ورواياته ، وليصبح الميهوبي صديقاً ما زلت أعتز بعلاقتي به .. وأذكر من زملاء الدراسة في الكلية محمد فورار ، والسعيد لاراوي ، والجودي مرداسي ، والثلاثة واصلوا تعليمهم ، وأصبحوا أساتذة في جامعة باتنة نفسها !

  ولا أنسى أساتذتي ، الذين تشرفت بتلقي العلوم الجامعية علي أيديهم ، ومنهم ابن غزة الدكتور علي جميل مهنا ، وابن الخليل الدكتور المرحوم ياسر أبو عليان ، ونابغة الأدب الأندلسي السوري جودت الركابي ، وبلدياته عدنان الشريف ، والشاعر العراقي سعدي يوسف ، والناقد المصري نبيل نوفل ، إضافة إلى أساتذتي الجزائريين محمد زبيدية ، والعربي دحو .. وغيرهم 

   ولم تنجح باتنة البعيدة في إبعادي عن معشوقتي كرة القدم ، فجرتني قداماي إلى ملعب أول نوفمبر الكبير قبل تعشيبه ، وملعب محمد قصاب ، حيث شاهدت مباريات راقية لنادي شباب باتنة ، الذي كان ينشط في القسم الأول ، ونادي مولودية باتنة من القسم الثاني .

 ولفت انتباهي في مباريات شباب باتنة قلب الهجوم العملاق ، الذي قيل لي بأنّه الساسي حوزماني ، والذي اشتهر بمقولة " شكون قال الساسي ما يلعبش " ، أي من يجرؤ على القول بأن الساسي لا يلعب أساسياً ، وفي الأمر دلالة على أن الساسي كان قويّ الشخصية ، وكان كلّ اللاعبين لا يترددون في تمرير الكرة إلى رأسه ، فيخطف الأهداف المثيرة في حضرة مدافعين ، كانوا يحسبون ألف حساب للارتقاء معه !

 وروى لي المتابعون الكثير من حكايات الساسي ، منها أن الفريق سافر إلى تلمسان على بعد 1200 كلم دون إعلامه ، فلحق بالفريق في سيارة أجرة ، ولما وصل غرفة تبديل الملابس قبل المباراة بادر اللاعب ، الذي أُعطي الفانيلة رقم تسعة إلى تقديمها له دون نقاش ، والمعروف أن أرقام اللاعبين وقتها لم تكن ثابتة ، وكانت توزع قبل كلّ مباراة حسب مراكز اللعب ، فرقم واحد للحارس ، ورقم اثنين للظهير الأيمن ، ورقم سبعة للجناح الأيمن ، ورقم عشرة لصانع الألعاب .. وهكذا .

   وروى لي مهتمون بحكايات الساسي ، أنّ نجمي منتخب الجزائر علي بن الشيخ ومصطفى كويسى اقحموا الساسي في مقلب مضحك ، حيث اتصلوا به على أنّهم من اتحاد الكرة ، وأنّه مستدعى لمعسكر المنتخب ، فحمل الرجل حقيبته ، وذهب إلى المعسكر ، مؤكداً انّه كان يعرف أنّ في الأمر إنّ ، ولكن .. ورغم ذلك أراد مجاراة بن الشيخ وكويسي للآخر ! بما يؤكد أن كثيراً مما روي حول الساسي كان يخلط الجدّ بالهزل على سبيل التندر.