شكراً للجزائر...
كتب فايز نصّار- الخليل
كنت في الجزائر بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان سنة 1982 ، وما تبعها من مجازر بشعة ضد أبناء شعبنا في لبنان ، ويومها ذهبت مع مسؤول في سفارتنا إلى وزارة التعليم العالي الجزائرية ، للقاء مسؤول البعثات السيد بومعراف ، حيث طلب المسؤول الفلسطيني زيادة حصة فلسطين من المنح في الجامعات الجزائرية ، فكان ردّ بومعراف : اقترحوا الرقم الذي تريدونه ، ونحن موافقون !
وقبل ذلك بسنين كنت في حديث مع الدكتور الجزائري الجهبذ أحمد بن محمد ، الذي يحمل شهادة الدكتوراه من السوربون ، بعنوان " السلطة في القرآن والسنة " والذي قال لي بالحرف الواحد : لو كنت مشرعاً لما حاسبت الفلسطينيين بالقوانين، التي يحاسب بها الآخرون، لأنّ الظروف التي مرّ بها الفلسطينيون لا يعلمها إلا حماة الجزائر ، ممن تعرضوا لأبشع أشكال السادّيّة الفرنسية !
ومنذ استعادة الجزائر لاستقلالها شهر تموز 1962 لم يتوقف أبناء ثوار الجزائر عن دعم فلسطين – بالباع والدراع – وضربت الجزائر مثلاً في الوفاء للقضية الأمّ ، وكان الجزائريون – قادة وحكومة وشعباً - يتلمسون بتحنان النبلاء الجرح الفلسطيني ، ويحاولون بكلّ الوسائل المشاركة في أيّ فعالية من شأنها خدمة القضية الفلسطينية ، بعيداً عن الجعجعة ، وتحميل الجمايل !
ولا داعي هنا لتكرار المقولة الخالدة لملهم الجزائريين المرحوم هواري بومدين ، الذي حفّظ الجزائريين عن ظهر قلب مقولته : " نحن مع فلسطين ظالمة ومظلومة " ، حتى أصبحت هذه الكلمات الصادقة مادة في الدساتير الجزائرية ، وثابتاً من ثوابت المواثيق في بلد المليون ونصف المليون شهيد .
ومع زيارة رئيس اتحاد الكرة ، الفريق جبريل الرجوب للجزائر ، على هامش بطولة افريقيا للمحليين جددت الجزائر موقفها التاريخي إلى جانب شعب فلسطين ، حيث أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وضع كلّ الملاعب الجزائرية تحت تصرف المنتخبات الفلسطينية، لتتخذها ملاعب بيتية في المنافسات الدواية ، ولإقامة المعسكرات المختلفة على هذه المنشآت العصرية، التي يتباهى بها الجزائريون أمام جيرانهم العرب والأفارقة .
ولا أعتقد أن الجزائر الرسمية تضع هذه المنشآت تحت تصرف الرياضيين الفلسطينيين من باب المزايدة، وتسجيل النقاط ، كما يفعل الكثير من الأشقاء ، ممن يستثمرون في الشؤون الفلسطينية ، ويمنّون على رياضتنا التواجد في الفعاليات الرياضية ، التي هي أصلاً حقاً من حقوق عروبة فلسطين ، وآسيويتها .. ومن يعرفون الجزائر يثقون في قيادتها ، التي إن قالت فعلت ، وإن خدمت تفضل أن يكون الأمر بعيداً عن الأضواء ، ولكم ان تتأكدوا من كلامي من استضافة الجزائر لصوت فلسطين بعد انطلاق الثورة ، وإعلان الرئيس ابو عمار الاستقلال من أراضيها ، وصولاً إلى استضافتها جلسات إنهاء الانقسام البغيض قبل أشهر !
وفي الرياضة هل ينسى الجزائريون المباراة غير المسبوقة ، التي جمعت الجزائر بفلسطين قبل سنوات ؟ والتي حظيت باهتمام جزائري يفوق الاهتمام بنهائي كأس العالم ، حيث اكتظ ملعب 5 جويلية الكبير بالمشجعين، وضاقت الساحات مجاورة للملعب بمئات الآلاف من الجماهير، التي جاءت إلى الملعب لتشارك في تظاهرة رياضية فلسطينية ، تسمع العالم صوت فلسطين ، وتقول للقاصي والداني : إن قضية فلسطين باقية في قلوب أشقائها الجزائريين، فتحولت مشاهد المباراة إلى فقرات حميمية لا تنسى ، لعل أهمها تصفيق الجزائريين بحرارة لهدف أبو ناهية في مرمى المحاربين !
وبعد تلك المباراة سمعت الفريق جبريل الرجوب يقول في لقاء مع محطة جزائرية : لقد عرضت على المسؤولين الجزائريين ردّ الجميل للجزائر ، باستضافة المنتخب الجزائري في فلسطين ، فكان الردّ : طلبكم مقبول ، ولكن بشرطين ، الأول أن يكون اللقاء بعد أن انتهاء الانقسام ، والثاني أن تكون أول مباراة في غزة !
ولا أعتقد أنّ القيادة الرياضية الفلسطينية ستتردد في قبول المكرمة الرياضية الجزائرية ، وتشكيل اللجان المؤهلة لدراسة المقترح الجزائري ، ووضع الآليات الواقعية لتنفيذه ، وحسن الاستفادة من خياراته ، لأنّ الجزائر تملك المنشآت الرياضية ، ومنها 47 ملعباً تزيد سعة مدرجاتها على 10 آلاف متفرج ، إضافة إلى امتلاك الجزائر لعشرات الآلاف من الكوادر الرياضية المؤهلة ، ممن يستطيعون المشاركة في ترتيب أوضاع رياضتنا ، وإنجاح التجمعات والمعسكرات ، التي قد تنظم على أرض الجزائر ، وإن كان على بعد أربعة آلاف كلم !
شكراً للجزائر ، وهي تضع إمكانياتها الرياضة تحت تصرف رياضيينا ، والتحية لكل أبناء الشعب الجزائري الطيب ، التي يسجل كل يوم مواقف لا تنسى في دعم الشعب الفلسطيني .