عنصرية الملاعب...
كتب فايز نصّار- الخليل
يبدو أن كابتن باريس سان جيرمان في السبعينات والثمانينات ، النجم مصطفى دحلب كان محقاً ،عندما آثر اللعب للمنتخب الجزائري ، على حساب منتخب فرنسا الذهبي ، الذي كان يضم المبدعين بلاتيني ، وتيغانا ، وجيريس ، وتريزور ، وبوسيس .
ولبى الدحلب الجزائري نداء " قسماً " ، وانضم إلى المحاربين ، الذي تألقوا في مونديال اسبانيا 1982 ، مستلهماً دروس الانتماء من نخبة نجوم الكرة الجزائريين الأوائل ، رشيد مخلوفي ، ومحمد معوش ، وعبد العزيزي بن تيفور ، ومصطفى زيتوني ، الذين تركوا منتخب فرنسا سنة 1958 ، والتحقوا بمنتخب جيش التحرير ، الذي ملأ الدنيا فنوناً ، وأسمع العالم أزيز الرصاص الجزائري .
وسار النجم جمال بلماضي على خطى دحلب ، واختار اللعب للمنتخب الجزائري ، تاركاً بصمات هامة في سجلات الكرة الجزائرية ، وخاصة عندما أصبح مدرب المنتخب ، وقاده للتاج الأفريقي ، ولرقم قياسي غير مسبوق افريقيا وعربيا في عدم الخسارة .
وقبل بلماضي كان عدد من نجوم مونديال اسبانيا 1982 - الذين تفتحت مواهبهم في الملاعب الجزائرية - اختاروا الاحتراف في أندية فرنسية ، وأبرز هؤلاء صالح عصاد ، الذي لعب لباريس سان جيرمان ، ورابح ماجر ، الذي لعب لراسينغ باريس ، ولكنّ هؤلاء النجوم لم يجدوا في بلد المستعمر القديم الاحتضان الكفيل ببروز نجوميتهم ، فعاد عصّاد إلى الجزائر ، وانتقل ماجر لصناعة المجد في بورتو .
وعلى عكس هؤلاء اختار عدد من نجوم الجزائر اللعب لمنتخب فرنسا ، كما فعل زين الدين زيدان ، وسمير نصري ، وكريم بن زيما ، ونبيل الفقير ، وحسام عوار ، وساهموا - بدرجات متفاوتة - في كثير من إنجازات المنتخب الفرسني ، الذي أصبح من أفضل المنتخبات في الربع قرن الأخير ، فظهرت لمسات زيدان السحرية في مونديال فرنسا 1998 ، يوم قاد الديكة لمنصات التتويج ، ولولا نطحة " العقلية الجزائرية " لقادهم للفوز ثانية بمونديال المانيا 2006 أيضاً ، ناهيك عن مساهمته المؤثرة في فوز الزرق بتاج أوروبا 2000 .
وبعد زيدان توقع النقاد أن يستفيد الفرنسيون من إبداعات سمير نصري ، الذي عانى من التهميش ، فظهرت لمسات كريم بن زيما كهداف لا يشق له غبار ، ولكن الحاج كريم غُيّب عن مونديال روسيا ، الذي شارك في تحقيق لقبه النجم نبيل الفقير .
ولم يقنع هؤلاء النجوم الوسط " العنصري الفرنسي " ، فنالوا تصفيقاً معزولاً على إنجازاتهم ، وتنكر الجميع لفضلهم عند أول عثرة ، لأنّ في بلاد سوزان من لا يقيسون بالمعايير نفسها ، ويرون أنّ الرياضة خطر على الكينونة الفرنسية .
ورغم أنّ زيدان هو الذي قاد فرنسا لبطولة كأس العالم 1998 ، بهدفين رأسيين في مرمى البرازيل ، إلا أن عضو البرلمان الأوروبي ، الفرنسيّ العنصري لوبان ردّ بجحود ونكران للجميل عندما قيل له : إنّ ثنائيّة زيدان قد منحت فرنسا كأس العالم .. هدف "بوتي" كان كافيا للفوز!" رغم أنّ العالم كله يعرف بأنّ الهدف الذي يتحدّث عنه كان في الدقيقة التسعين ، بعد أن حسم ابن الصحراء الأمور منذ الشوط الأول .
وظهرت اللمسات الزيدانية في مونديال 2006، يوم قاد الأصلع الجزائري الملحمة أمام أساطير البرازيل في ربع النهائي ، حيث قدم أداءاً فردياً ، لعله الأفضل في النهائيات ، فمن ينسى "بانينكا" زيزو في النهائي أمام بوفون بالذات ...؟
ولم يكن هداف الملكي ، وصاحب الكرة الذهبية كريم بن زيما أفضل حظاّ من ملهمه زيدان ، فتمّ تغييبه عن المنتخب على خلفية قصة لا تستحق كل هذه القسوة ، فلم يلعب في مونديال روسيا ، ولمّا " تصدق " عليه ديشامب ، وأعاده للمنتخب عاد للتوهج ، وساهم في انجازات جديدة للديكة ، ولكن النية كانت مبيته لحرمان كريم من المونديال ، بذريعة الإصابة ، التي أكد الطبيب المختص أنّها لا تمنعه من المشاركة في الدور الثاني ، ولكن ديشامب حسم أمره بإبعاد بن زيما ، الذي كان من الممكن أن يتواجد ولو شرفياً مع المنتخب ، لأنّ في القائمة متسع .
المختصر أنّ فرنسا ، التي ارتكبت أفظع المجازر في الجزائر لن تنسى هوتيها الاستعمارية ، التي تفرق بين شيء أحمد ، وعتاد ميشيل ، فتنكرت لزيدان ، وأدارت له ظهرها في كثير من المواقف ، وما تصريح رئيس الاتحاد الفرنسي لو غرايت إلا تكملة لسقطاتهم العنصرية المتواصلة ، وظهر كردة فعل على رفض زيدان الدعوة لحضور في نهائي مونديال قطر تعاطفا مع بن زيما ، فأصبح زيزو في نظر لوغريت غير مهم ، وقد سخر منه في اتصال هاتفي كما تحدّث صاحبنا.. !
نعم لقد انتصر زيدان لزميله ، وابن بلده بن زيما ، الذي أظهرت الحقائق أنّ إبعاده لا علاقة له بإصابة ، وإنما بتوجيهاته لزملائه اللاعبين قبل المونديال بالتركيز على اللعب ، وعم المشاركة في تسويق شذوذ المثلية ، الأمر الذي أغضب فرنسا الحرة ، التي تتسع لكل أنماط التنوع ، ولا تتسع لمنديل طفلة مسلمة !
ورغم أن عدداً من لاعبي فرنسا شاركوا في حملة إبعاد بن زيما ، وخاصة الحارس لوريس ، والهداف غيرو ، إلا أنّ لاعبين آخرين وقفوا معه ، ولكن صوتهم لم يكن مسموعا في السياق الفرنسي ، الذي يسير في اتجاه واحد ، وظهر صوت هؤلاء مدوياً بعد تصريحات رئيس الاتحاد الفرنسي الاخيرة ، من خلال حملة شارك قادها مبابي ، وريبيري ، وجبريل سيسي .. وغيرهم .
بلا جدال ، كشف تصريح لو غرايت المستور ، وظهرت فرنسا على حقيقتها في ملف النجوم مزدوجي الجنسية ، وثبت أنّها لا تحترم إلا الرأس الذي يسجل الهدف خلال المباراة ، ثم تتعامل معه كمهاجر جاء أبوه من جنوبي البحر بعد ذلك .. وقصة زيدان خير دليل على كلامي ، وسط إجماع على أنّه لا يوجد نجم غير فرنسي قدم لفرنسا ما قدمه زيدان ، المشهود له بالإبداع ، وقوة الشخصية ، بما يقتضي أن تصنع له فرنسا تمثالاً ، لا أن تترك العنصري لو غرايت يسخر منه .
والآن .. وبعد كشف المستور ، أما آن للنجوم العرب في فرنسا التريث قبل الالتحاق بالمنتخبات الفرنسية ، وغيرها من المنتخبات الأوروبية . بما سيضمن لهم التألق ، كما حصل مع رياض محرز في الجزائر، وحكيم زياش في المغرب ، ووهبي الخزري مع تونس ؟ وأكثر من ذلك أما آن للاتحادات الافريقية الالتفات لموهب القارة السمراء في القارة العجوز ، وتحصينها إدارياً قبل خطفها من المنتخبات الأوروبية ؟
لا أعتقد أنّ تجيد عمل رئيس الاتحاد الفرنسي يمثل حلاً للمسألة ، خاصة وأنّ اكثر من نصف تهمة الرجل تتعلق بالتحرش ، والحل في قول المدرب العالمي مورينو : إنّ على الاتحاد الدولي منع اللاعبين الأفارقة من الانضمام للمنتخبات الأوروبية ، الأمر الذي سيجعل المنتخبات الأفريقية أكثر حضوراً ، وربما يقربها من تاج المونديال .
والحديث ذو شجون