مونديال كل العرب فعلاً!
كتب حفيظ دراجي- الدوحة
في ديسمبر 2010 عندما فازت قطر بتنظيم مونديال 2022 صرح الأمير حمد بن خليفة آل ثاني حينها بأنه سيكون مونديال كل العرب، وعندما تمت إعادة ترميم ملعب خليفة سنة 2017 كأول ملعب خاص بكأس العالم، ردد ابنه الأمير تميم بن حمد نفس الكلام، في اشارة الى أن قطر ستحمل لواء المنطقة والأمة، وهو الأمر الذي حدث مع مرور السنين، واستوعبه وتبناه الجميع، خاصة عندما اشتدت الحملات الاعلامية الغربية في الأسابيع القليلة الماضية، وهبت كل الدول والشعوب العربية بطريقة عفوية للدفاع عن مونديالها سياسياً واعلامياً وفي وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت أنهت قطر كافة استعداداتها رغم الحصار الذي فرض عليها، والأزمة الاقتصادية العالمية، وتداعيات تفشي وباء كورونا الذي تسبب في تعطيل المشاريع وزيادة تكلفتها، لكنها لم تثن من عزيمة القطريين في رفع تحد استفادت منه دول المنطقة بشكل مباشر وغير مباشر.
دول الجوار أدركت مع الوقت بأن نجاح كأس العالم قطر 2022 يعود عليها بفوائد سياسية واقتصادية واجتماعية مباشرة وغير مباشرة، تؤدي الى اظهار الوجه الجديد لبلدان وشعوب الخليج بالخصوص وتغيير تلك الصورة النمطية التي كانت سائدة الى وقت قريب عن منطقة صحراوية حارة تختزن ثروات نفطية، أهلها يركبون الجمال ويسكنون الخيام ويفترشون الرمال، لذلك تجاوبت في آخر المطاف دول الخليج وفتحت أبوابها لزوار المونديال من خلال اعتماد بطاقة "هيا” كتأشيرة لدخول أراضيها، وجهزت مطاراتها وهياكل استقبال المشجعين طيلة فترة المونديال، وانتعشت السياحة والتجارة والاقتصاد في ظرف زمني قصير، وكان يمكن للكثير من دول المنطقة أن تستفيد أكثر، لو تعاونت بشكل أفضل مع قطر منذ 2010، وساهمت مثلا في بناء المرافق والمنشآت، أو حتى أبدت نيتها في استضافة بعض المباريات.
عدم تجاوب بعض الأنظمة العربية مع الحدث في السنوات الأولى التي تلت فوز قطر باستضافة المونديال، لم تمنع الشعوب العربية من المحيط الى الخليج، من التفاعل بصوت واحد تحت شعار "أنا عربي وأدعم قطر” خاصة عندما اشتدت حملات التشكيك والتزييف لتحطيم المعنويات، وحث الجماهير على مقاطعة العرس بشكل أو بآخر، لكن ذلك لم يمنع عشرات الآلاف من المشجعين من التنقل الى الدوحة قبل أيام من انطلاقة العرس، رغم اقامته في توقيت مختلف، يصعب فيه على المشجعين الموظفين الحصول على اجازات، ويصعب على الطلبة التنقل مثلما كانوا يفعلون مع نهائيات كأس العالم السابقة التي نظمت خلال عطلة الصيف، لكن اقامة العرس في قطر وتأهل أربعة منتخبات عربية الى النهائيات، يسمح بتوافد عشرات الآلاف من المشجعين وعشاق الكرة الذين لم تسمح لهم الظروف حضور نهائيات كاس العالم سابقا، كما أن السياسة الاعلامية والتسويقية التي انتهجتها قطر على مدى عقد من الزمن، وتركيز لجنة المشاريع والارث على تجسيد كل مشاريعها، نجحت الى حد كبير في صد الهجمات.
قطر تستضيف البطولة لوحدها، يفوز بها منتخب واحد، لكنها ستحقق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة على المديين المتوسط والبعيد، تكون لها تداعيات ومنافع وفوائد متعددة الأشكال على كل البلاد العربية والاسلامية خاصة الخليجية التي تتحول مع الوقت الى قبلة الزوار، وتتفتح هي أيضا على العالم الآخر من دون عقدة أو مركب نقص، خاصة عندما تفند كل الأكاذيب والافتراءات والانتقادات التي تعرضت لها على مدى سنوات من أجل حرمانها من التنظيم في السنوات الأولى، ثم ضغوطات الأيام الأخيرة من أجل ارباكها حتى تفشل في رفع التحدي، فينعكس ذلك سلبا على الجميع، وتزداد بعدها مشاعر الاستصغار والاحتقار للعرب والمسلمين والأفارقة ودول العالم الثالث، وتستمر الهيمنة الأوروبية بعد أن تترسخ الصورة النمطية السائدة الى غاية العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2022.