الحكم جواد عاصي رجل المباريات الصعبة
الخليل- كتب فايز نصّار/ كلما أتواصل مع الخبير التحيكيمي الدولي كمال طالب الناجي ، يسألني عن الحكمين المجيدين معاذ سماحة ، وجواد عاصي ، مستفسراً عن سبب ابتعادهما عن المستطيل الأخضر ، رقم قدراتهما الكبيرة في مجال التحكيم .
والحقيقة أنني لا أعرف سبباً مقنعاً لابتعاد الحكمين ، الذين كانا من خيرة حكامنا ، وخاصة ابن بيت لقيا جواد عاصي ، الذي حمل الشارة الدولية لمدة عشر سنوات ، وجابت صافرته مختلف الملاعب ، قاضية في أصعب المباريات .
وبدأت قصة عاصي الرياضية في بلدة بيت لقيا ، التي أصبحت تحتل مساحة رياضية أكبر من مساحتها الجغرافية ، ومن مدارسها وفريقها الفتي ظهرت مواهب أبي رضا ، لتساهم الحياة الجامعية في بداياته مع الصافرة الذهبية .
وخاض " جواد التحكيم " أفضل التجارب في دوري الدرجة الممتازة ، ليصبح من خيرة الحكام بعد انطلاق قطار الاحتراف الفلسطيني ، الذي ساهم في نضج تجربة العاصي ، وطورها .
ولأنّ المحيط التحكيمي ليس وردياً دائماً ، يبدو أن رجل المباريات الصعبة لم يتحمل الضغط ، الذي يصفه بالغبن ، فرمى المنشفة مستسلماً ، في قرار يختلف معه فيه كلّ محبيه ، ممن تمنوا لو بقيت صافرته تصدح في ملاعبنا ، حتى يساهم في إنجاح المباريات ، وينقل تجربته للحكام المستجدين .
ولا يبدو أن قصة الغبن هذه وحدها أبعدت صاحب الصافرة الذهبية ، ففي الأفق قصص وحكايات كثيرة ، أتركه يلخص لكم بعض محطاتها في هذا اللقاء .
- اسمي جواد محمد فرج عاصي" أبو رضا " من مواليد بيت لقيا برام الله يوم 25/11/1979 ، ولقبي رجل المهمات الصعبة .
- مثل غيري من أبناء فلسطين لعبت الكرة في حارات وأزقة بيت لقيا ، وفي ساحات مدارسها ، ولعبت لفرق المدارس منذ المرحلة الابتدائية ، حتى انهيت دراستي الثانوية ، وذلك تحت قيادة المربي منير موسى ، وكان لي شرف تمثيل منتخب مدارس مديرية رام الله والبيرة .
- وتزامناً مع ذلك كنت ملتزماً مع فرق النادي ، من براعم ، وناشئين ، وشباب ، بإشراف الكابتن راسم عاصي ، صاحب الفضل الكبير على معظم لاعبي بيت لقيا ، وفي النادي تدرجت مع المراحل السنية حتى وصلت الفريق الأول للنادي سنة 1997، وكان مدرب الفريق وقتها الكابتن سلامة رزق ، وقد لعبت للفريق حتى التحقت بالدراسة الجامعية خارج البلاد .
- وبدأت قصتي مع التحكيم منذ دراستي في الجامعة الأردنية ، حيث التحقت بدورة حكام نظمها الاتحاد الأردني ، وحصلت على الدرجة الثالثة ، تحت قيادة الحكم الدولي السابق عمر بشتاوي ، وبعد نهاية دراستي ، وعودتي للبلاد واصلت لعب كرة القدم ، مع التحاقي التدريجي بسلك التحكيم الفلسطيني ، بدعم كبير من عضو الاتحاد في حينها ، الحاج عزام اسماعيل ، والاخوة هاشم كرزون ، وشفيق ابو الحيات ، وحامد العمصي ، وعبد الناصر الشريف ، وحسني يونس ، وكلهم ساعدوني على ممارسة كرة القدم في الدرجة الأولى ، وتحكيم الدوري الممتاز حينها ، واستمر الحال كذلك حتى عام 2005 ، حيث ابتعدت عن ممارسة كرة القدم ، والتزمت بشكل تام بالسلك التحكيمي .
- وخلال مسيرتي التحيكيمة قدت مباريات في معظم الدرجات ، لكن الحصة الأولى كانت لدوري الممتازة ، ثم دوري المحترفين ، ثم تشرفت بالترشح للشارة الدولية سنة 2008 ، وأصبحت حكماً دولياً لمدة عشر سنوات ، انتهت " بمؤامرة " كانت سبباً مقنعاً لابتعادي .
- ولم يكن اعتزالي الصافرة اعتزال بمعنى الكلمة ، فالكلمة الأدق ابتعاد ، نظراً لسوء إدارة دائرة التحكيم ، وضعف اللجان المتتالية ، وتفرد مدير الدائرة بقراراته ، لضعف اللجنة ، أو بالأحرى لجان على الورق فقط ، وتصفية حسابات مع حكام ناجحين ... فقررت الابتعاد بعد 17 سنه ، كنت خلالها من صفوة الحكام ، وكانت تسند لي المهمات الصعبة ، ولا أخفيك أمراً بخصوص الابتعاد ، أنني شخص لا أحابي ولا أنافق .
- وخلال مسيرتي ساهمت في تنظيم دورتين للحكام الجدد في رام الله ، بالتعاون مع الأمين العام حينها عبد المجيد حجه ، ومدير التطوير حينها عبد الناصر الشريف ، ولكن للأسف أتلفت الملفات بفعل مدير الدائرة ، ولم يؤخذ بالنتائج .
- أعتقد أنّ أفضل طاقم تحكيمي عملت معه يتشكل من جواد عاصي ، وفاروق عاصي ، وأمين حلبي ، و معاذ سماحه ، وأيضاً جواد عاصي ، وعلي عاصي ، وخلدون ابو قبيطه ، ومحمد ناصر .
- بالنسبة لي أفضل مباراة قدتها محليا جمعت جبل المكبر بشباب الخليل على ملعب الحسين ، بحضور 8000 متفرج تقريبا ، وانتهت بالتعادل 2-2 ، وحضرها في حينه الأخ اللواء جبريل الرجوب ، وضيفه رئيس الاتحاد الاماراتي يوسف السركال .
- أمّا عربيا وآسيويا فجمعت أفضل مباراة لي السعودية بايران ، في نصف نهائي بطولة غرب آسيا للشباب سنة 2015 بالدوحة ، وقبلها شاركت في بطولة التضامن الاسلامي بإندونيسيا ، مع زميلي أمين الحلبي ، وكانت مشاركتي ناجحة بشهادة المقيم الاماراتي خالد الدوخي .
- كثيرون هم اللاعبون ، الذين أعجبت بهم أثناء تحكيمي ، لكن بصراحة أعجبني كثيراً لاعب الظاهرية خليل الصانع ، وحالياً لاعب بلاطة محمود الأطرش ، إضافة إلى لاعب الأهلي – والشباب حالياً - خلدون الحلمان .
- بصراحة لم أتعرض خلال مسيرتي لاعتداءات جسدية ، لكن الاعتداءات اللفظية كانت كثيرة ، وأفتخر بكوني لم أكن اسمح بأيّ نقاش حول تقارير المباريات ، وتسجيل ما يحدث خلال اللقاءات .
- للأسف ليس لدي سجل دقيق للمباريات التي أدرتها ، لكن بالحد الأدنى تصل مبارياتي إلى 1200 مباراة في جميع الدرجات .
- أفضل الحكام الفلسطينيين حالياً براء ابو عيشة ، وعربيا العراقي مهند قاسم ، ودوليا التركي شاكير ، والايطالي روزي ، والحكم الذي أتوقع له مستقبلاً رضا جواد عاصي ، ومعاذ عوفي.
- أعتقد أنّ أفضل حكام المحافظات الشمالية من مختلف الأجيال ، ومن جميع المحافظات طارق النقيب ، وعبد القادر عيد ، ووليد الصالحي ، وابراهيم غروف ، ورافع ابو مرخية ، وأمين حلبي ، ويونس شويكي ، وفاروق عاصي ، ومحمد بدير ، وبراء ابو عويشة ، ومعاذ سماحة ، وعماد بوجه ، واسحق الكيلاني ، وارى أن سامح قصاص هو الحكم الواعد .
- أهم الفروق بين حكام زمان ، وحكام اليوم الموهبة ، وحب العمل ، وليس حب المال .
- أكيد أنا لست نادماً على العمل في سلك التحكيم ، الذي عشقته ، لن أندم عليه مهما كانت السلبية التي حصلت ، لكن أطالب الاتحاد بالالتفات لحكام عملوا ، وسهروا ، وضحوا في ملاعبنا ، لخدمة الرياضة الفلسطينية.
- أرى أنّ الإعلام الرياضي لا يساعد التحكيم ، ولا يهتم بأداء الحكام المجيدين ، لدرجة أنّ الإعلام أحيانا لا يذكر اسم الحكم في المباريات .
- كثيرة هي القصص والحكايات الطريفة ، التي حصلت معي في الملاعب ، وأغربها حين اطلقت صافرة بداية الشوط الثاني ، ولم أجد حارس المرمى في الملعب ، فضحكنا جميعاً ، كحكام ، ولاعبين ، وعاودنا الاستئناف
- في الختام أقول : يجب أن يحترم الحكم من الجميع ، ولا يعامل كموظف بأجر ، لأن ما يتقاضاه الحكم ، لا يذكر مقارنه بدول الجوار ، ويجب أن يكون هناك استقلالية تامة للجنة الحكام ، وأن تكون صاحبة كلمة وقرار ، لا أن تكون حبراً على ورق ، وحتى نصنع جيلاً من الحكام الجدد ، يجب أن تحفز وتذكر ما علمت أنت للحكام ، لكي يكون مثالاً وقدوة للجيل القادم.