حوار في حياة حفيظ دراجي.. وجهٌ خفيّ بعيدًا عن ساحةِ الملاعب
الجزائر-غزة / حاورته إيمان شبير / "يا بابابابا يا، من أين لك كل هذا يا عنتر، من أين لك كل هذا يا عنتر"، قد يكون هذا التعليق الصوتي مر عليكم ذات مباراة، لكن ما لا يعرفه الجيل الصغير، أن هذه الكلمات الارتجالية لا بد وأن صُودف سماعها بين الجيل الرياضي.
تميّز بطريقته في "التعليق الرياضي" عند إعلان هدفٍ ما، "الله الله الله جوووووووول جووووووول الله أكبر"، وجعل "الملعب الرياضي" مكانًا عملاقًا يستطيع الارتجال فيه بأسلوبه التشويقي والذكي في إدراج القضايا المختلفة.
سافر إلى عالم الرياضة، وأصبح مولعًا بـ "كرة القدم"، والتعليق الرياضي، وباتت روحه الشبابية مستمدة من مجال الرياضة "الشباب"، ولكن -وفق تعبيره- أن ذلك لا يمنع بأن يطرق أبواب "الشيب" وكبر السن حتى "الكهولة" مُقتنعًا أن "العمر مجرد رقم".
رافقته منذ الطفولة كلمة أثرها لا يزول، (الجزائر) احتلت مكانًا عميقًا في قلبه، وأثَّرت به ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، مُعبًّرا أنها "الوطن الغالي" بغض النظر عن الكثير من الكلمات الأخرى التي يُمكن أن تؤثر به، واصفًا "الجزائر" أنها الحياة، الحب، الأب والأم، وكل شيء جميل في هذا الوجود رغم المنغصات.
من الجزائر وصل صوت الإعلامي الرياضي حفيظ دراجي إلى هاتفِ "وكالة سند للأنباء"، بذاتِ النبرةِ الجزائرية القوية.
فمساحة "الحديث الهاتفي" الذي عبّر خلالها "دراجي" عن مدى حبه لفلسطين، يستطيع أن يُغري كل فلسطيني بالاستماع إلى كل شخصٍ جزائري يتحدث عن فلسطين.
ضيفنا "دراجي" (57 عامًا)، من مواليد الجزائر العاصمة، إعلامي رياضي، اشتهر بعمله في مجال التعليق الرياضي، وتنقل بين العديد من المحطاتِ التلفزيونية.
عَمِل في التلفزيون الجزائري معلّقًا على مباريات كرة القدم ثم أصبح مُنتجًا لبرنامج "أرقام وتعاليق"، وقدم -أيضًا- عددًا من البرامج الاجتماعية والسياسية مثل حوار مع المجتمع، وبرنامج سهرة الأحلام.
وَعلَّقَ ضيفنا على ما يقارب 4000 مباراة في كرة القدم، محلية، قارية، ودولية، بما في ذلك تغطيتها، كأس العالم لكرة القدم، ألعاب أولمبية، ألعاب إفريقية، ألعاب عربية، نهائيات كأس الأمم الإفريقية.
وكتب العديد من المؤلفات أبرزها، "في ملعب السياسة، دومينو، ولا ملك ولا شيطان"، وحاز على الكثير من الجوائز الدولية التي تمثلت في جائزة أحسن معلق رياضي في العالم العربي حسب جريدة الأحداث المغربية لعام 2001.
وعُرِفَ "دراجي" بموقفه الواضح من القضية الفلسطينية، وقال في إحدى مقابلاته التلفزيونية: "الوقوف مع شعبنا الفلسطيني واجب وليس منّه أو صدقة".
ينبشُ "ضيفنا" ذاكرته في مستهل حديثه معنا، ليتحدث عن طفولته: "لم تختلف طفولتي كثيرًا عن أي جزائري، ممزوجة بين سعادة ومعاناة في نفس الوقت، مُشيرًا أنها جميلة مقارنة في أيام أطفال اليوم، لأنها كانت على الفطرة فلم تكن موجودة تكنولوجيات اليوم، فصناعة الألعاب كانت بالأيدي، مؤكدًا أنها لم تكن الأفضل لكنها مختلفة ومتميزة عن أطفال اليوم".
وفي سؤالنا "هل تُؤمن بوجود امرأة مُلهمة لغيرها؟ مَن هي في حياة "حفيظ؟"، أجابنا بنبرةٍ هادئة: "لدي امرأتي "المُلهِمة" وهي والدتي، تعلمتُ منها الحب والصبر والعطاء، وتعلمت منها الكثير من الحكمة رغم أنها لم تدخل مدرسة أو جامعة، ولكن علمتني لأكون".
وبالانتقال إلى علاقته بأبنائه، يستطرد: "علاقة صداقة أكثر من أبوة، فأنا دائمًا أسعى لأقترب منهم، وأكون صديقًا، وأحب أن أشعرهم بالمسئولية أكثر، مُردفًا:" أنا أحاول أن أحقق مع أولادي أكثر مما فعله معي الوالدين؛ لأن المجتمع اليوم يختلف عن مجتمع أمس والمغريات كثيرة، ومع ذلك أحاول أن أكون قريبا منهم في كُلِّ وقت".
"الغربة"
مشاعره الجياشة ملأت روحه وهو يسرد موقفه من الغربة، قائلًا: " أنا أتألم عندما يكون وطني يتألم، ومادام وطني وشعبي بخير فسأكون مرتاح، ولكن عندما يكون الوطن يعاني أشعر بضرورة العودة إليه ومرافقته".
"هل تعتقد أن السفر يؤثر على آفاق تفكيرنا بالإيجاب؟" سألته فأجاب بشخصيته المُتزنة: "لا اعتقد أن السفر يؤثر على آفاق تفكيرنا بالإيجاب، لكن بالنسبةِ لي، أثر بـ "الإيجاب"؛ لأن السفر يجعلك تنظر إلى الوطن من بعيد دون أن تكون داخل "المعمعة"، يجعل لديك القدرة على التركيز والمقارنة والمقاربة والتخطيط، فخلال سفري ثمة عادات مختلفة أتعامل معها بإنسانية أو كما هي".
ويُتابع: "الغربة تعرفت فيها الكثير من الأشياء التي لم أكن أعرفها، كنت أعتقد أنني في الجزائر أعرف كل شيء، ولكن الغربة تعلم أشياء كثيرة لم نكن ندركها ونعرفها".
وعن الصفات التي لا نعرفها عن "دراجي"، بنبرةٍ مفعمة بالحيوية يقول: " أنا قنوع، وهذي صفة لا يمكن أن يكتشفها البعض عندي، ولكن عن نفسي أنا قنوع، فطموحاتي كبيرة جدًّا، لا أتأثر كثيرًا بـ "القيل والقال والتهكم"، مُشيرًا أنه عندما يُحدد هدف أو غاية، يجمع الإمكانات والخطط متوجهًا نحو تحقيق".
كأس العرب
وفي سؤالنا "كيف ساهمت البطولة في إحياء العروبة ووحدة الشعوب العربية تحت مظلة رياضية وحدث مشترك واحد رغم الأزمات والصراعات بين بعض الدول؟" عن سؤالي هذا جاءت الإجابة حاضرة: " بطولة "كأس العرب" حققت ما لَمْ تحققه القمم العربية والتظاهرات العربية، كان جو من الود والحيوية، مُردفًا: "أن المونديال القطري كان له طور كبير في "لَم الشمل" بين الشعوب العربية، لافتًا أن الجمال كان حاضرًا بقوة في حضرة العلم الفلسطيني على كافةِ المدرجات العربية والميادين بشكل كبير".
"هل تعتقد أن بطولة كأس العرب نجحت في تجاوز معارضة الاتحاد الدولي "فيفا" الرافض في السنوات السابقة لفكرة إقامة الأحداث الرياضية على أساس العرق أو القومية أو الدين؟"، يُجيبنا: " صعب الحديث عن هذا الكأس أنه تمكن من تجاوز العراقيب من طرف "الفيفا"؛ لأن قوانين "الفيفا" تنص على أن المسابقات الرياضية يجب أن تكون "ديموغرافيًّا" وليست "عرقيًّا"، مؤكدًا أن الصورة التي رتبتها قطر للعالم والمنتخبات، قد تجعل "الفيفا" يغيروا من نظرتهم حول هذه المسابقات التي أتمنى أن تدوم وتشارك بها المنتخبات العربية".
ولا يبخل علينا ضيفنا "دراجي" بنصيحته الذهبية في مجال التعليق الرياضي بعد هذه التجربة الخصبة، مُلخّصًا ذلك: "مَن يريد أن يصبح معلقًا رياضيًّا، عليه أن يكون مُولعًا بالمجال، ويجب أن تكون لديه الموهبة، ويرافقها بالقراءة والكتابة والاطلاع ولا يتحدث فقط عن كرة القدم، ولكن قد يخوض في مجالات أخرى، عليه أن يجتهد ويرى في ذاته لا يزال دائما يتعلم".
"الجزائر وفلسطين"
حظيت فلسطين بمحبة الجزائر وأهلها، عن ذلك يُوضح ضيفنا: " لا يوجد سر بعلاقة الجزائر بفلسطين سوى التقاسم المشترك الذي يواجه الظلم والتهجير والاستيلاء على الأراضي وسلب الحريات، هذي التي عان منها أجدادنا وآباءنا".
ويُكمل: "لا نُريد المعاناة لأي أحد، فما بالكم إن كان فلسطينيًّا، موضحًا أن فلسطين بالنسبةِ للجزائر هي "الملهمة"، وهي التي تمنحهم الأمل في الصمود، فوحدهم مَن يدافعون على ما تبقى من شرف هذه الأمة".
"وما رسالتك للجمهور الرياضي من الأمتين العربية والإسلامية تجاه دعم وإحياء القضية الفلسطينية وتوعية الجيل الصاعد؟"، يُجيب بنبرةٍ من القوة: " رسالة للرياضيين، أن يقوموا بواجبهم فقط لا أكثر ولا أقل، كل واحد في موقعه الأمر لا يتعلق بقضية شعب فلسطين، وإنما يتعلق بالأمر الإنساني، ويتعلق بشعب يُريد حريته واسترجاع سيادته وكرامته وهذا يكفي لأن يقوم كل واحد منا بواجبه".