الفريق الرياضي بصفته جيشاً
خالد إسحاق الغول
لا يتوافر لدي الحد الأدنى من الإلمام بالثقافة والمصطلحات العسكرية، ولكنني أعتقد انه من الممكن تشبيه الفريق الرياضي بالجيش، وابرر هذا التشبيه بما يلي:
1- يمتاز عناصر الجيش بالانضباط والدقة والتنظيم والترتيب والصلابة والصبر والتفاني، والاستعداد الدائم للتضحية، والقدرة على البرمجة ورهافة المشاعر واللباقة والأخلاق الرفيعة والأناقة واحترام الآخرين، والتواضع الذي يتلازم مع الشموخ والعزة.
2- توجد مراتبية في الجيش يحترمها الجميع من أدنى مرتبة إلى أعلى مرتبة في صفوفه. وتعتمد منهجية الترقية فيه على مستوى الأداء الذي تثبته التجربة، وعلى مستوى الانتماء الذي يتجسد في المعتركات التي تخوضها العناصر في مراتبها المختلفة.
3- يخضع الجنود باستمرار لتدريبات مكثفة من اجل تطوير مهاراتهم ورفع مستوى لياقتهم وتنمية قدراتهم القتالية، وفق احدث الأساليب المتبعة في التدريب، ولا يمكن أن يحافظ أي جندي على مكانه ومكانته في صفوف الجيش، إلا من خلال الالتزام والانتظام والطاعة لبرنامج وأصول التدريب.
4- يكون الجندي مطالبا طوال الوقت بإثبات قدراته وتبرير حضوره في صفوف الجيش، لأن تدني المهارة وانخفاض اللياقة وترهل الأداء، سوف يعرض الجيش لهزائم متكررة. وفي هذه الحالة لا يجب التمسك بالجندي الضعيف أو المخضرم إلى الأبد مهما كان مستوى أدائه السابق. ذلك ان التحديات الكبيرة والاستحقاقات لا تعترف بالتاريخ ولا تعرف المجاملات، وكل ما يهمها من الذي يضمن تحقيق النصر في المعارك القادمة.
5- تقيم الفرق الرياضية عند التحضير للبطولات الرئيسية معسكرات تدريب تكون شاقة وطويلة ومكثفة، وينقطع فيها اللاعبون عن أي ارتباطات أخرى اجتماعية كانت أو ترفيهية او شخصية، ويتم خلال هذه المعسكرات استنفار كل الطاقات والإمكانيات، والاستفادة من كل الكفاءات والمؤهلات المتوافرة، واختبار كل القدرات، والعمل على تطوير كل العناصر التي يمكن المراهنة عليها. ويكون محور التركيز هو مواجهة التحديات القادمة للفريق الرياضي. وفي هذه الحالة يعيش الفريق وطاقمه الفني والإداري كل الأجواء التي يعيشها الجنود في معسكرات الجيش. ومن هنا جاءت التسمية (معسكرات تدريب).
6- توجد قوانين ولوائح عمل داخلية تنظم العمل اليومي والتفصيلي في جميع المراحل التي يمر بها عناصر الجيش، يجب الالتزام بها التزاما حديديا، وعدم التمرد عليها إلا في حالة ثبوت تناقضها مع المصلحة العليا.
7- توجد تعليمات صارمة وقرارات ملزمة لا يمكن ردها أو التلكؤ في تنفيذها عند الشدة. وعندما تصدر القرارات من القيادة العليا، فان المهمة المطروحة للتنفيذ لا تخضع للنقاش أو الأخذ والرد، خصوصا عندما تكون هنالك استحقاقات لا يجوز التهرب من خوض غمارها، وإلا فان النتيجة ستكون الغياب الكلي عن الخريطة.
8- توجد للجيش قيادة مركزية تتمتع بالكفاءة والمهنية والخبرة، وتتبع احدث الأساليب في تطوير مستوى أداء عناصرها، ولها سلطة تقرير الزمان والمكان والعناصر المنفذة والوسائل اللازمة والخطط والتكتيكات المتبعة، لكي يتم تنفيذ أي مهمة بشكل دقيق يضمن الوصول إلى أفضل النتائج.
9- لا يوجد جيش في العالم بدون إستراتيجية عسكرية وبرنامج عمل وخطط وأهداف، يسعى إلى تحقيقها من خلال المعارك التي يخوضها. وهذا الأمر يستدعي قيادة عسكرية منسجمة مع نفسها ومع الآخرين، وقادرة على تعبئة وحشد كل قواها وعناصرها لكي تحقق الأهداف الجماعية التي لا تكون لمصلحة جهات محددة في داخل الجيش، ولا تتعارض إطلاقا مع المصلحة العامة للبلد.
10- لا يكفي الاعتماد على انتماء جنود الجيش ومهاراتهم الفردية وروحهم القتالية العالية، بحكم انتمائهم وتفانيهم واستعدادهم التام للتضحية، بل يجب أن يسبق ذلك وجود قيادة محنكة وصاحبة رؤية إستراتيجية شمولية وتكتيك خلاق وذكي لا يخلو من الدهاء، ولا من الوعي بكل عناصر اللعبة من اجل تحقيق أعلى النتائج ومواجهة التحديات التي تفرضها الاستحقاقات القادمة.
11- يصاب الجيش بكارثة محدقة إذا كانت قيادة الجيش اقل حنكة وخبرة ومهارة من عناصره القاعدية. ولا يمكن في هذه الحالة توقع شيء آخر غير الهزيمة تلو الهزيمة. وبالتالي من الطبيعي حدوث انهيار في معنويات الجيش وتسيب عناصره وانفراط عقده.
12- أي شللية او تكتلات في داخل وحدات الجيش تصيبه بمقتل، وتحول المجموعات المتكتلة إلى خناجر في الظهر، وأدوات ضغط داخلية تلهي الجيش عن التصدي لمهماته الأصلية في خوض المعارك الخارجية بصلابة وقوة وتماسك في مواجهة الخصم.
13- نجاح التكتل والشللية والكولسات في خلق امتيازات لبعض الجنود أو الضباط، يؤدي إلى استشراء الفساد في صفوف الجيش، مما سيؤدي بالضرورة إلى غياب الكفاءات الحقيقية، وسيطرة نهج التمييز والمحسوبية وبالتالي ضعف بنية الجيش وخور قواه.
14- في حال اشتداد الأزمة في صفوف الجيش فان المشكلة لا يتم حلها بتغيير المراكز وتبديل القبعات، بل يجب إجراء تغيير جذري في بنية الجيش، وفي قيادة الجيش، وفي إستراتيجيته العسكرية.
15- يحق لمختلف عناصر ومكونات المجتمع المدني بمختلف أشكالها النقابية والجماهيرية أن تمارس الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات التي تراها مناسبة، وفي الأوقات التي تختارها، لتلبية مطالبها المشروعة، وفي كثير من الأحيان يكون اختيار الاعتصام أو الإضراب في اللحظات الحرجة، لكي يكون مؤثرا، فمثلا، إضراب المعلمين في نهاية شهر آب ومع بدايات العام الدراسي، يمكن أن يشكل أداة ضغط على وزارة التربية والتعليم لضمان تحقيق أهداف الإضراب، أما في حالة الجيش فانه لا مناص من تنفيذ الأوامر عندما يحين أوان المعركة، وعندما تصدر أوامر القيادة العسكرية بالمواجهة مهما كان حجم المطالب الداخلية، ولا مبرر في هذه الحالة على الإطلاق لعدم تنفيذ الأوامر لان الخسارة ستكون على الجميع، وسوف لن يكون هناك أي معنى للحديث عن مطالب أو مكاسب صغيرة في المستقبل بعد (خراب البصرة).
16- الجيش في أي دولة هو عنصر محايد في الصراعات الداخلية، وهو صمام الأمان الذي يضمن الحفاظ على الاستقرار والهدوء. وعندما تكون هنالك أزمة محتدمة فان تدخله يصبح مبررا، شريطة أن يكون عقلانيا ومتوازنا، وان يكون قادرا على امتلاك الحلول التي تضع حدا للازمة، بحيث لا يصبح هو نفسه سببا إضافيا في تصعيد الفوضى، واستفحال الأزمة، ويجب أن يكون عاقلا ومنطقيا وصاحب رأي سديد ويمتلك في جعبته حلولا مدروسة تنقذ الجميع بكامل المسؤولية والحرص والوعي والانتماء.