المقدسية سجى أبو عيشة.. تسلّقت 4 قمم عالمية وتصبو نحو إيفرست..
"" كان (كليمنجارو) في أفريقيا، أول الجبال التي تسلقتها سجى عام 2018، بعدها بأشهر جبل (أرارات) أعلى قمة في تركيا، ثم توجهت عام 2019 نحو (ألبروس) أعلى قمة في روسيا وجبال القوقاز، ثم إلى (كوتوباكسي) ثاني أعلى قمة في الإكوادور عام 2021 ""
ا لقدس- / احتفلت الشابة المقدسية سجى أبو عيشة بذكرى ميلادها الـ30 على طريقتها الخاصة، حيث استيقظت فجرا وارتدت ملابسها الرياضية، لتركض 30 كيلومترا من بيتها ببلدة بيت حنينا بالقدس المحتلة، مرورا بأحياء ومعالم المدينة كحي الشيخ جراح وباب العامود، وصولا إلى قرية المالحة المهجّرة غربا، ثم العودة إلى بيتها في ركض متواصل لـ3 ساعات.
وصنعت سجى قلادة من الصلصال تحمل الرقم 30 لتوثّق إنجازها الرياضي الذي سبقته بالركض 26 كيلومترا في ذكرى ميلادها عام 2019 على ساحل البحر الأبيض المتوسط غربي فلسطين. وعلى الرغم من سهولة الطريق الساحلي مقارنة بطبيعة القدس، فضلت سجى أن تركض عامها الـ30 في مدينتها التي ولدت وعاشت فيها.
تعرّف الشابة المقدسية نفسها على حسابها الشخصي في فيسبوك بسطرين؛ الأول امتلأ بأعلام 10 دول زارتها في عقدها الماضي، والثاني بأسماء 4 جبال تسلقتها (كليمنجارو، وأرارات، كوتوباكسي، وإلبروس)، أما حسابها في منصة إنستغرام فنشرت عليه صور مغامراتها وإنجازاتها الرياضية حول العالم وهي مرتدية الحجاب.
التقت "الجزيرة نت" بالرياضية المقدسية التي درست الهندسة الميكانيكية، وتواصل تعليمها في تخصص هندسة الحاسوب، بينما تمضي أسبوعها بين الركض والتدريب الرياضي، وتنمية هواياتها الأخرى مثل ركوب الدراجات الجبلية والسباحة.
منذ الصغر
كانت السباحة أولى الرياضات التي مارستها سجى أبو عيشة في عمر الخامسة، لتتدرب بعدها على "الكاراتيه" لمدة 9 سنوات، وتداوم على رياضة "اليوغا" حتى عام 2019. وخلال ذلك بدأت بالركض الفردي عام 2016، أسوة بزميلاتها في العمل اللواتي كن يركضن في الاستراحة أو بعد انتهاء الدوام مسافات طويلة رغم أعمارهن الكبيرة. تقول سجى "كان عمري نصف عمرهن، ويركضن أكثر مني، هنا أيقنت أن العائق نفسي وليس جسديا، وانطلقت".
وبما أن "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة"، بدأت سجى بالركض لكيلومتر واحد ثم تدرجت لتصل إلى 30 كيلومترا، وتشارك في سباقات ركض محلية بمدينتي بيت لحم وأريحا، وعربية ودولية في البتراء وقبرص، منجزة نحو نصف ماراثون (21 كيلومترا)، وتطمح بإنجاز ماراثون كامل (48 كيلومترا).
تستوحش سجى الركض في الليل بسبب الأوضاع الأمنية بالقدس، فتركض نهارا في شوارع بلدتي بيت حنينا وشعفاط، رغم انعدام المسارات المخصصة لذلك، وتقول إنها تشعر بالراحة أكثر، لكونها بين مجتمعها المقدسي، بعيدا عن القلق والتعرض لاستفزازات المستوطنين، كصراخ أحدهم في أذنها وهي تركض ذات مرة.
وعامل آخر ترتاح له سجى وهو تنوع المشاهد أثناء الركض في الشارع، فترى بيوتا وأشخاصا وطرقات مختلفة، الأمر الذي لا يتوفر في مسارات الركض المخصصة الرتيبة. ولا تخفي سعادتها من إشادة كبار السن المارين وعبارات التشجيع والإطراء على نشاطها. وتؤكد أنها لم تتعرض يوما لأي استهزاء أو مضايقات أثناء ركضها.
"حجابي ليس عائقا"
تتعمّد سجى نشر إنجازاتها الرياضية لتكسر الصورة النمطية في أذهان البعض عن الحجاب، وتضيف "هناك تصوّر خاطئ أن رياضة الأنثى لا تكتمل إلا بكشف الجسد والملابس الضيقة، فأردت أن أثبت للناس أنني أستطيع الركض وتسلق الجبال وتحقيق الإنجازات وأنا مرتدية حجابي.. أستطيع أن أفعل ما أحب دون إغضاب ربي".
ولتحقيق هدفها، تشتري سجى الأقمشة والملابس الرياضية عبر الإنترنت، وتكمل قصورها لتبدو كما تريد، فتصل القمصان القصيرة بقطع إضافية لتبدو أطول، وتحرص على اقتناء الملابس الواسعة والحجاب الساتر للرقبة، وتؤكد "حجابي كان داعما لا عائقا، وهذه رسالتي".
تصبو لإيفرست
لم يقتصر طموح الشابة على الركض الطويل، بل غامرت وتسلّقت 4 جبال خلال 4 سنوات، وتطمح لتسلق المزيد مثل قمتي "إيفرست" و"ميرابي" شرق آسيا.
وعن رياضة التسلق تقول إنها خطيرة ومكلفة، لكنها ممتعة وتحمل قدرا كبيرا من التحدي والصبر والإصرار. وتدعم شغفها في ذلك والدتها التي تشجّعها وتتابعها على الدوام، ووالدها الذي ربّاها على نمط حياة رياضية منذ الصغر، وبدعم مجموعة رياضيين فلسطينيين جمعتهم الأهداف والعزيمة ذاتها.
وكان جبل (كليمنجارو) في أفريقيا، أول الجبال التي تسلقتها سجى عام 2018، حيث كانت أول فتاة من مجموعتها (14 شخصا) تصل قمته بعد 6 أيام من التسلّق، وتلخّص تجربتها الأولى فتقول "أبهرتني التجربة، كأنني في حلم، رغم رداءة الطقس والنوم واقفة متكئة على عصاي ونقص السكر في الدم وبعض الهذيان بسبب نقص الأكسجين، إلا أنني صرخت بأعلى صوتي ممتنة حين وصلت القمة الثلجية، ودوّنت تفاصيل المغامرة عندما عدت إلى القدس".
بعدها بأشهر، حزمت سجى حقيبة التسلق ومعداته من جديد لتكون على موعد مع جبل "أرارات" أعلى قمة في تركيا، وبعدها عام 2019 نحو "ألبروس" أعلى قمة في روسيا وجبال القوقاز، ثم إلى "كوتوباكسي" ثاني أعلى قمة في الإكوادور عام 2021، وهو بركان طبقي نشِط قالت إن تسلقه كان الأصعب بالنسبة لها. ونجحت الشابة في بلوغ كل القمم باستثناء قمة ألبروس بسبب الطقس، لكنها قالت "تعلمت حينها تقبل الخسارة، وأن الله يفعل ما يريد".
الوعي الرياضي أولا
عام 2020، اجتمع ضيق الحجر الصحي وألم الإصابة على سجى، فقد اضطرت للتوقف عن الرياضة سنة كاملة تزامنت مع جائحة كورونا، وذلك بسبب إصابتها بآلام شديدة في ساقيها، تقول إن مردها ضعف الوعي الرياضي لديها، حيث كانت تركض دون إشراف مدرب أو برامج مخصصة لتقوية العضلات ودون تزويدها بالغذاء المناسب.
تعافت سجى بعد عام، وبدأت بالعلاج الفيزيائي والمتابعة الاحترافية، وتقول إن ذلك رفع النجاعة والسرعة الرياضية لديها.
" أنت تستطيعين، خلقك الله لتفعلي الكثير من الأمور، وكتب لك هذه، فانطلقي وأنجزيها"، هذا ما تقوله سجى لنفسها أمام المرآة عندما تخاف أو تراودها الأفكار السلبية، وتختم حديثها الملهم قائلة "الجميع يستطيع، المانع الحقيقي هو العائق الفكري والنفسي وما دونه يهون".