"الكابويرا".. توحد فلسطين والبرازيل
رام الله- رشا حرزالله / قفزت رئيسة مكتب الممثلية البرازيلية لدى السلطة الوطنية ليجيا ماريا شيرر من على مقعدها، وأخذت تصفق بحرارة لأداء أطفال مخيم الجلزون الذين أدوا فنون 'الكابويرا' على أنغام الموسيقى البرازيلية، في عرض خاص قدمه هؤلاء الأطفال في إحدى قاعات المخيم، وهي تردد: 'شيء مذهل وجميل، لقد رقصوا بطريقة احترافية'.
و'الكابويرا' من أشهر فنون القتال البرازيلية التي عرفت منذ القرن السادس عشر، وتحمل معنى ورمزا وطنيا، ويتم تدريب أطفال المخيمات الفلسطينية على هذه الفنون بهدف مساعدتهم على تفريغ الضغط النفسي الذي يشعرون به.
تقول شيرر: 'الكابويرا تعبر عن الثقافة البرازيلية، وتكون إما عن طريق اللعب أو الفن، أو الرياضة التعبيرية، وجاءت هذه التسمية من أحد المزارعين القدامى الذي كان يقوم بإحراق العشب الجاف واليابس، لينبت مكانه العشب الأخضر، إلا أنها اليوم تعني الفن'.
وتضيف: 'الشعب البرازيلي يتطلع بشغف لمساعدة الأطفال الفلسطينيين في شتى المشاريع الاستثمارية، وحينما تقدمت مؤسسة 'بدنا كابويرا' بطلب لنا لمساعدتها في مشروع تدريب أطفال المخيمات على هذا الفن، لم نتردد في تقديم هذه المساعدة لهم ودعمهم'.
ونوهت شيرر إلى أن هناك نية للمساهمة في دعم وتطوير مشاريع تساعد الأطفال الفلسطينيين على التكييف، والوصول لمرحلة يصبحوا فيها قادرين على التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم وأفكارهم، للوصول للحرية، وأضافت: قمنا سابقا بتمويل مشاريع في خمسة تجمعات سكانية هي: عايدة، وشعفاط، والجلزون، والقدس، وقلنديا، ونركز حاليا على مخيمي قلنديا والجلزون'.
وتابعت: 'هناك أفكار جديدة سنقوم بطرحها تشمل تبادل الزيارات بين أطفال الكابويرا الفلسطينيين والبرازيليين، وفي حال تمكنا من الحصول على الدعم الكافي لذلك سنقوم بهذا الأمر بكل تأكيد'.
هذا المشروع بدأ في شهر آذار الماضي، ومن المتوقع أن يستمر طالما وجدت جهات تمويلية، حسبما قال مدير مؤسسة 'بدنا كابويرا' طارق الصالح.
وأضاف: 'بدأ أطفال المخيمات بتكوين علاقات صداقة جديدة مع بعضهم، وهذا شيء مهم في الكابويرا، والبعض منهم بدأ بتعلم اللغتين البرازيلية والبرتغالية، وكسر حاجز اللغة مع مدربيهم، ونعمل على إيصال رسالة هؤلاء الأطفال إلى العالم، عبر مواقعنا الإلكترونية الخاصة واليوتيوب، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل 'فيس بوك' و'توتير'، ووضعنا صور الأطفال خلال التدريب، والأنشطة والمشاريع التي نقوم بتنفيذها، فكل واحد منهم رسالة بحد ذاتها، يعبر فيها عن شخصيته وأحلامه'.
ديالا مدحت هي المرشدة الاجتماعية في مؤسسة 'بدنا كابويرا'، وتقوم من خلال عملها بمراقبة سلوك الطلبة قبل وبعد التدريب، ومدى التغيير الحاصل في شخصية كل طالب، تقول: 'هناك جزء كبير من ألعاب الكابويرا تهتم بالجانب النفسي للأطفال، وفي نهاية كل تدريب يتم تخصيص 20 دقيقة يتحدث فيها المتدرب عما يجول في خاطره ويتبادل أفكاره ومشاعره مع الآخرين، كذلك يتم تناول الأحداث التي دارت خلال التدريب، وهذا يساعد على بناء الثقة والطاقة وتعزيز شخصية الأطفال بتعبيرهم عن مشاعرهم وأفكارهم'.
وأضافت: 'نعمل حاليا على إدخال الموسيقى بألعاب الكابويرا، لتدريب الأطفال على تفريغ ضغطهم النفسي بالموسيقى، وتكون حلقة الوصل بين المدربين وبين هؤلاء الأطفال من خلال الآلة الموسيقية، ومن خلال التدريب تبين لنا الحاجة الماسة لهؤلاء الطلبة من كلا الجنسين لمثل هذه الألعاب'.
ونوهت إلى أن هناك الكثير من فتيات المخيم يعانين من أزمات نفسية وخجل زائد وانطوائية، بالإضافة إلى أن هناك أطفالا يمارسون العنف في مدارسهم، لكن بعد انضمامهم لفريق الكابويرا طرأ تحسن بنسبة 70% على حياتهم وانخراطهم بالمجتمع، وانتظامهم في المدارس.
الطفل جمال المقدادي (13 عاما) من مخيم الجلزون، توشح بالعلم البرازيلي، وارتدى قميصا أصفر، وبدأ بتأدية الحركات البهلوانية القتالية 'الكابويرا' التي تدرب عليها منذ عامين، حتى باتت من أكثر الألعاب المحببة لديه.
يقول: 'تعلمت حركات كثيرة، أصبح لدي لياقة بدنية عالية، اجتزت حاجز الخوف والخجل، وكونت صداقات كثيرة مع أطفال المخيم الذين يلعبون الكابويرا، بالإضافة إلى أنني استعدت ثقتي بنفسي، ولا أخجل من المطالبة بحقي، وأكثر الأوقات التي أرغب فيها باللعب حينما أغضب'.
وبدت المواطنة سوزان أبو خليفة من مخيم الجلزون سعيدة بما حققته ابنتاها 'روند ورناد' اللتان بدأتا بممارسة لعبة الكابويرا منذ عام تقريبا، وقالت:' روند كانت خجولة جدا، وقليلة الحركة والاختلاط مع صديقاتها، إلا أنها وبعدما بدأت بلعب الكابويرا، أصبحت جريئة في طرح أفكارها ومشاعرها، وتقوم بتعليم هذه اللعبة لشقيقاتها في المنزل'.
'أن أكون هنا في فلسطين هو حلم بالنسبة لي، كشخص يلعب ويعمل بـ'الكابويرا'...'، كلمات مختصرة عبر بها المدرب البرازيلي جورجي غويا عن سعادته لوجوده في الأرض الفلسطينية.
بينما المدرب دانيال مارتنيز، الذي قدم منذ حوالي 9 أشهر قال: 'هؤلاء الأطفال إخوة لي، الله لم يرزقني بإخوة ولكنهم استطاعوا أن يعوضوني عن ذلك، هم محل للثقة، ولديهم قدرات هائلة أن يكونوا شيئا عظيما'.