الكرة المصرية على صفيح ساخن
عندما توّج المنتخب المصري مطلع العام الماضي بلقب كأس الأمم الأفريقية "أنغولا 2010" للمرة الثالثة على التوالي فأبهر العالم أجمع بهذا الإنجاز وصعد إلى المرتبة التاسعة عالمياً على لائحة الفيفا لتصنيف المنتخبات، لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين أنه بعد أقل من عامين سيتراجع مستوى ونتائج الفريق للدرجة التي يخرج فيها من تصفيات كأس الأمم الأفريقية للمرة الأولى في تاريخه بعد أن تذيل مجموعة ضمت منتخبات النيجر وسيراليون وجنوب أفريقيا، ما أدى إلى تراجع ترتيبه العالمي في أقل من 18 شهراً من التاسع إلى المرتبة الرابعة والثلاثين.
لم يتوقف الأمر فقط على المنتخب الأول، فقد عصفت الإخفاقات والمشاكل بكل ما يخص الكرة المصرية، فعلى الصعيد القاري تواصل فشل الأندية المصرية في إحراز لقب كأس الاتحاد الأفريقي السنة تلو الأخرى، ففي العام الماضي خرج حرس الحدود من دور المجموعات بينما لم يوفق أي فريق مصري في التأهل إلى الدور ذاته في هذا العام وذلك لأول مرة منذ فترة طويلة، أما على صعيد دوري أبطال أفريقيا فقد فشل الأهلي للعام الثاني على التوالي في التأهل للمباراة النهائية وكان خروجه من نسخة عام 2009 مأساوياً عندما ودع البطولة وهو حامل اللقب من الدور التمهيدي قبل أن يتحسن أداؤه العام الماضي ويصل إلى نصف النهائي، والذي ودعه أيضاً على يد الترجي التونسي.
تراجع كبير
وبالتأكيد فإن البعض سيرجع التراجع الحادث حالياً في الكرة المصرية إلى الأحداث التي مرت بها مصر منذ بداية العام الحالي والمتمثلة في اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي أطاحت بنظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، إلا أن المؤكد أيضاً أن الانهيار الذي حدث في مستوى المنتخب الوطني كان قبل اندلاع الثورة بفترة كبيرة، حيث تعادل الفراعنة في عقر دارهم مع سيراليون بهدف لهدف في الخامس من أيلول عام 2010، قبل أن يسقطوا بشكل مأساوي أمام منتخب النيجر المغمور في العاشر من تشرين الأول-أكتوبر الماضي بهدف دون رد، أي أن تراجع مستوى المصريين جاء لأسباب فنية وإدارية كثيرة ليس لها علاقة بالأحداث التي وقعت مطلع العام الحالي.
أما على مستوى الدوري المحلي، فحدث ولا حرج، حيث استمرت الإدارة المتخبطة للمسابقة الأم في مصر هي السمة السائدة، فالتأجيلات كثيرة والمباريات غير منتظمة والدوري يعاني من مشاكل عدة بداية من سوء حالة العديد من الملاعب مروراً بسوء مستوى التحكيم وما تسبب فيه من أزمات كادت تعصف بالمسابقة أكثر من مرة بالإضافة إلى شغب الجماهير والذي كان يتزايد من مباراة إلى أخرى بسبب عدم قدرة الاتحاد على اتخاذ قرارات حاسمة وعقوبات قاسية على الأندية والجماهير، وصولاً إلى فشل الاتحاد في تطبيق دوري المحترفين وفي تطبيق المادة 18 والتي تنص على عدم السماح بأن يلعب ناديان لهما نفس الإدارة في مسابقة واحدة، وهو ما يحدث عكسه تماماً في الدوري المصري، إذ يوجد في البطولة فريقي إنبي وبتروجيت التابعين لوزارة البترول وفريقي الجيش وحرس الحدود التابعين لوزارة الدفاع، إضافة إلى فريقي الشرطة والداخلية التابعين لوزارة الداخلية المصرية.
ويقف الاتحاد المصري لكرة القدم أمام كل هذه المشاكل والقضايا المعلقة عاجزاً عن اتخاذ أي قرار، ويتعامل مع هذه العقبات التي تعيق مسيرة اللعبة بشكل عام تارة بالتجاهل على اعتبار أن الزمن كفيل بحل كل هذه المشاكل وتارة بالمراوغة ومرة أخرى باتخاذ قرارات خاطئة تزيد الأمر سوءً.
أزمة الهبوط
ولعل أزمة الهبوط التي عانى منها الجميع في نهاية الموسم الماضي خير دليل على ما نقصده بالفشل التام للاتحاد المصري في التصدي لحل الأزمات التي يواجهها بل والتسبب في أزمات أخرى أكبر وأعمق، فعلى الرغم من أن الدوري الممتاز في موسمه الماضي انتهى نهاية طبيعية واكتملت كل مراحله بالرغم من كل الأحداث الجسام التي مرت بها مصر وعلى الرغم من أن فترة التوقف الكبيرة التي واكبت أحداث الثورة المصرية من الممكن أن تكون قد أثرت على الجميع وفي مقدمتهم الزمالك وصيف البطل والذي كان متصدراً بفارق ست نقاط قبل نهاية الدور الأول من المسابقة ثم تراجع بشدة بعد استكمال البطولة يوم الأربعاء الثالث عشر من نيسان -أبريل الماضي، حيث خسر العديد من النقاط أدت لتراجعه أمام منافسه التقليدي الأهلي الذي أحرز اللقب فيما بعد، فإن المسؤولين في الاتحاد خرجوا علينا بقرار يعتبر من أسوأ القرارات في تاريخ الكرة المصرية، ألا وهو إلغاء الهبوط والإبقاء على فرق الاتحاد والمقاولون وسموحة ضمن الدوري الممتاز، لإرضاء هذه الأندية والابتعاد بنفسه عن الصدام المحتمل مع أندية القاع التي كانت تعد العدة لعقد جمعيات عمومية طارئة للإطاحة بمجلس إدارة الاتحاد.
بالتأكيد كان قرار الإبقاء على ثلاثي الذيل في الدوري المصري كالزلزال الذي ضرب الكرة المصرية في مقتل فكيف لمسابقة كانت تنظم بصعوبة في ظل وجود 16 نادياُ أن تتحمل زيادة هذا العدد إلى 19 أو 20، ماذا عن رزنامة الكرة المصرية المزدحمة دائماً؟ والتي تعاني من التأجيلات والتوقفات الكثيرة، ماذا عن الملاعب المحدودة، ماذا عن الصعوبات الأمنية التي أصبحت تواجه الاتحاد لتأمين المباريات، هل سأل المسؤولين في اتحاد "الجبلاية"، كما يحلو للمصريين أن يطلقون على اتحاد الكرة في بلادهم، أنفسهم عن الموسم القادم المزدحم والذي سيشهد تصفيات التأهل لدورة الألعاب الأولمبية "لندن 2012" والتي ستستضيفها مصر، هل سألوا أنفسهم عن مشاركات المنتخب في تصفيات كأس الأمم الأفريقية القادمة؟ أو عن انطلاق تصفيات كأس العالم مطلع عام 2012، هل أخذ في الاعتبار مشاركات الأندية المصرية في بطولتي دوري أبطال أفريقيا وكأس الاتحاد الأفريقي؟ ماذا عن التوقفات الكثيرة التي سيحتاجها المنتخب الأول للعب مباريات ودية حتى يتعرف المدير الفني الجديد للفريق على إمكانيات اللاعبين وخطة اللعب التي سيعتمد عليها والتي ستناسب المصريين في الفترة القادم، أسئلة كثيرة وحائرة لا تجد من يجيب عليها دائماً، في ظل تفرغ مجلس إدارة الاتحاد لحماية نفسه من الحل أو العزل عن طريق الجمعية العمومية، التي يعد عدد كبير من أعضائها العدة لانعقاد طارئ لمناقشة أوضاع الكرة المصرية المتردية في الفترة الأخيرة.
صراعات واستقالات
ولعل أكبر دليل على حجم الصراعات والانشقاقات الداخلية التي يعاني منها الاتحاد المصري هو استقالة الرجل القوي في الاتحاد ونائب رئيسه، هاني أبو ريدة عضو اللجنة التنفيذية في الاتحادين الأفريقي والدولي والذي يقال إنه تقدم باستقالته من عضوية الاتحاد اعتراضاً على القرار المنفرد لرئيسه سمير زاهر باستكمال مباريات التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الأفريقية بالمنتخب الأولمبي بدعوى تجهيز الفريق للتصفيات الأولمبية، وهي حجة واهية بكل المقاييس لسببين، أولهما أن المنتخب الأولمبي من الممكن أن يحقق نتائج سيئة تفقد لاعبيه الثقة بأنفسهم خاصة وأنهم يواجهون فرق تقاتل من أجل التأهل للنهائيات، وقد وضح ذلك في لقاء سيراليون الماضي والذي خسره الفريق (1-2) في العاصمة فري تاون، كما أنه يواجه النيجر التي ستلعب بكل قوتها وطاقتها من أجل الظفر بالنقاط الثلاث في القاهرة لحسم تأهلها.
أما السبب الثاني وهو الأهم فيؤكد بدوره أن الاتحاد يتخبط في قراراته بشكل كبير حيث أنه اعتذر عن مشاركة المنتخب الأولمبي في مسابقة كرة القدم ضمن دورة الألعاب الأفريقية التي تجري منافساتها في موزمبيق حالياً وتستمر حتى 18 الجاري، ولو كان الاتحاد يبحث فعلاً عن إعداد حقيقي للمنتخب الأولمبي لاشترك في الدورة التي كانت تعتبر خير إعداد لمنافسات التصفيات الأولمبية خاصة أنها تشارك فيها منتخبات متأهلة إلى هذه المنافسات مثل جنوب أفريقيا والسنغال إضافة إلى الكاميرون وغانا وأوغندا وموزمبيق، فكيف يتم الاعتذار عن بطولة رسمية قوية، من أجل لعب مباراتين لا ناقة للاعبي المنتخب الأولمبي فيهما ولا جمل.
أي أن لاعبي الفريق الأولمبي وضعوا كبش فداء للاتحاد في ظل فشله وعجزه المؤسف في العثور على مدير فني يقود الفراعنة الكبار في المرحلة القادمة.
وتواترت الأنباء عن اقتراب الاتحاد من التعاقد مع الأميركي بوب برادلي المدير الفني السابق للمنتخب الأميركي والذي بالرغم من كفاءته الواضحة إلا أنه يفتقر إلى أي خبرة بالكرة الأفريقية، بل وبالتدريب خارج أميركا بوجه عام، الأمر الذي سيجعل قيادته للمنتخب المصري أمراً محفوفاً بالمخاطر ويؤدي لتداعي ذكريات أليمة على المصريين عندما تولى الإيطالي ماركو تارديللي المنتخب وقاده بكفاءة منقطعة النظير للخروج من تصفيات أفريقيا المؤهلة لمونديال 2006.
إنجازات المنتخب
بعد كل ذلك قد ينبري المدافعون عن الاتحاد ويقولون إنه ليس عدلاً أن نكيل الهجوم لسمير زاهر ورجاله خاصة بعد إنجاز الفوز بكأس الأمم الأفريقية لثلاث مرات متتالية، إلا أنه يجب أن نفرق تماماً بين المنتخب الوطني المصري الذي شهد وبحق عصراً ذهبياً تصادف فيه أن اجتمع نخبة من أفضل اللاعبين المصريين في تاريخ الفراعنة مع أحد أفضل وأهم المدربين في العالم وهو حسن شحاتة، المصادفة لعبت دوراً كبيراً في ذلك، واستطاع شحاته الملقب بال"معلم" أن يعزل بعبقرية وذكاء واضح لاعبيه عن كل الظروف المعاكسة التي كانت تمر على الكرة المصرية فترة ولايته، وقد يفاجأ الجميع عندما يعرفون أن شحاته نفسه عانى مراراً وتكراراً من هذا الاتحاد خاصة في سنوات ولايته الأولى عندما كان يواجه بشكل واضح مطالب من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد للإطاحة به، ولولا مثابرة الرجل والتوفيق الذي حالفه ما استمر كثيراً مع الفريق، ويكفي أنه عندما سافر إلى غانا عام 2008 للمشاركة في أمم أفريقيا وقتها كان بعض الأعضاء في مجلس إدارة الاتحاديجهز نفسهللإطاحة به في أي وقت، أي أن إنجاز الرجل يعود بالدرجة الأولى له وللاعبيه قبل أن ينسب إلى أي أحد آخر.
كل ذلك يدفعنا أن نتساءل، هل ستستطيع الكرة المصرية أن تقوم من عثرتها تحت قيادة هذا الاتحاد أم أن الفترة القادمة ستشهد مفاجآت قد تطيح بمجلس إدارة الـ"جبلاية" وتأتي بشخصيات أخرى وبفكر جديد ينقذ اللعبة ويصحح الأمور قبل حدوث أي انهيارات وتداعيات جديدة " عن الجزيرة الرياضية".