أفكار آسيوية 30: القطار الاسترالي السريع "دهس" تلاميذ اوزباكستان
من الوهلة الاولي شعرت ان اوزباكستان ستكون ضحية الانفلات الفكري للمدربين، الذي بدأ مع انطلاقة دور الثمانية لكأس الامم الآسيوية ، وتمادي في شكل بالغ السذاجة في مباراتي الدور قبل النهائي، فمن قال إن الوصول إلي مرحلة خروج المغلوب ، يعني الاداء بمجازفة و بمنتهي التهور وفتح اللعب علي مصراعيه ، والتخلي عن النظام والانضباط التكتيكي وتأمين الدفاع ، واللجوء إلي الهجوم بشكل أرعن يؤدي إلي حدوث كوارث وفضائح لا لزوم لها ولا داعي، كما حدث من قبل في مباراة - طيب الذكر- المنتخب الاخضر السعودي ، التي اندفع خلالها بكل صفوفه وبتهور خالي من الانضباط لتحقيق فوز معنوي علي اليابان، فكانت خسارة ثقيلة جدا بالاربعة امام اليابان، ونفس الشيء عندما لقي المنتخب الاوزبكي خسارة تاريخية امام الكانجارو الاسترالي بستة أهداف نظيفة ، كان يمكن ان تكون عشرة أهداف ، لولا براعة الحارس تيمور جوراييف انقاذ مرماه من عدة انفرادات قاتلة .. ولكن لماذا هذه الهزيمة المذلة – وهذه أكثر الكلمات التي أكرهها في قاموسي اللغوي الكروي – ولماذا خرج الفريق الاوزبكي بهذه الفضيحة الكروية ، رغم أنه حقق أفضل إنجاز لبلاده في هذه البطولة ؟، لماذا يصبح فريق كبير ومحترم ويضم مجموعة من أفضل النجوم "هفية" و"ملطشة" امام منافسه ، وكأن لاعبيه عادوا مرحلة لعب الحواري ونسوا اي مهارات او تكتيكات او طرق لعب ؟
والواقع أنني كنت أحسد المدرب الاوزبكي فاديم ابراموف علي حنكته الكروية التي جعلته من أفضل المدربين تكتيكا في مرحلة المجموعات ، لانه يلعب بتأني وانضباط تكتيكي كبير ، وقد علم فريقه عي الصبر والتحفظ حتي يكتشف نقاط القوة والضعف في منافسه ، وحتي يغري هذا المنافس بتمركزه في حالة الدفاع ولما تنكشف تحصيناته ينقض عليه في هجمات مرتدة منظمة وبعدد وافر من المهاجمين، ليسجل في مرماه، وبهذه الطريقة فاز علي العنابي القطري ثم علي الازرق الكويتي ، واكتفي بالتعادل مع التنيين الصيني، وحتي في دور الثمانية وفي مواجهة نشامي الاردن كانت للفريق استراتيجية ومبادرات هجومية لم تكن ابدا علي حساب الانضباط التكتيكي والمحافظة علي الايقاع الذي يريده الفريق ولما خطفوا هدفين في خمس دقائق من النشامي ، عادوا إلي تجميد المباراة واستهلاك الوقت باحترافية حتي ظفروا بالفوز.
ويبدو ان الاوزبك – علي عكس تصريحات مدربهم – عاشوا حالة من الهلع والخوف من نجوم الكانجارو، فنزلوا الملعب متوترين وانقادوا بسهولة لايقاع المنتخب الاسترالي ، وفقدوا مع الوقت التحكم والانضباط وتنظيم الصفوف خاصة بعد الهدف المبكر جدا لهاري كيويل .
وتوقعت من ابراموف الذي زعم قبل المباراة ان فريقه يتحرق شوقا لمواجهة الاستراليين والفوز عليهم ، سيلعب بطريقة احترافية متحفظة في مواجهة فريق مكون من محترفين يلعب أغلبهم في الدوري الانجليزي ، وأنه قادر علي امتصاص الحماس الاسترالي واستغلال مواهب نجومه جينريخ وجيباروف وحسنوف وشاتسكيخ ، ولكنه ارتكب مع لاعبيه العديد من الاخطاء وأولها إبقاء النجم الكبير ورأس الحربة المميز جينريخ علي مقاعد الاحتياطيين طوال المباراة، وهو بهذا فقد قائد نصف الملعب الامامي للاوزبك ، الذي يقوم بتنظيم الاداء من نصف ملعب المنافس ، بالاضافة الي أدواره الاساسية كصانع لعب ومنظم لموجات الهجوم ورأس حربة هداف ، والخطأ الثاني الاساسي في تغيير طريقة اللعب للمرة الثالثة ، فبينما كان يلعب في بداية مبارياته بطريقة 4/4/2 ، المتطورة الي 4/2/3/1 ، قام بتغييرها امام الاردن إلي 3/5/2 ، ولكنه بدأ امام استراليا بطريقة 4/3/2/1 ، وهذا التغيير والتنويع في مباريات متتابعة يفقد الفريق تركيزه وحفظ اللاعبين لمهام مراكزهم ، وهكذا مثلا نسي حسنوف ميله للجانب الايمن من خط الوسط دون التوغل في العمق ، ليفقد أهم أدواره في سحب الفريق ، ويفقد خطورته امام مدافعين اقوياء ، يتميزون بالسرعة ولا يمكن مراوغتهم بسهولة ، ونفس الشيء في الادوار الاخري لابرز مفاتيح الفريق ، فصانع اللعب وعقل الفريق جيباروف ، نسي دوره في قيادة الوسط والجمع ما بين الواجبات الدفاعية والهجومية ، ونسي ملكة التسديد ، ولم يظهر له الزملاء المساندين مثل ثلاثي دفاع الوسط حيدروف وشاتسكيخ وكابادزه الذين تراجعوا للدفاع من نصف ملعبهم ، فافتقد الفريق للربط بين دفاعه وهجومه ، وأربكوا المدافعين ، فتضاعفت الاخطاء وتورط المدرب فاديم وجميع لاعبيه في أنهم انقادوا بشكل أعمي للايقاع السريع الذي لعب به الاستراليون ، والسعي لتقليدهم بشن هجمات سريعة ، وبعدد كبير من اللاعبين وبدون أسس سليمة للارتداد للتغطية والتأمين ، مما فتح الثغرات في خطوط الاوزبك وضاعف من الاخطاء الهدف المبكر والارتباك الذهني ، حيث لم يجهز ابراموف لاعبيه نهائيا لهذا السيناريو ، وتورطوا جميعا في اللعب باستعجال لادراك التعادل او الاقتراب من منافسهم ، ولما كانوا يفشلون ويتعرضون للسعات النحل الاسترالي النشط من خلال إضافة أهداف جديدة ، كان يزداد توترهم وارتباكهم وأخطائهم القاتلة التي استغلها الاستراليون بلا رحمة وحققوا انتصارا تاريخيا لاينسي ، ويكفي أنهم سجلوا الرقم القياسي لبطولة الدوحة في مرمي الاوزبك .. ويستحق منتخب استراليا كل التهنئة لان لاعبيه أدوا أروع مبارياتهم في البطولة ، ولعبوا باستراتيجية هجومية باغتوا بها منافسهم من البداية ، وسجلوا في مرماه مبكرا ، ولم يكتفوا أبدا بكل ما سجلوه من أهداف ، راغبين في تسجيل المزيد بشكل أخرج منافسهم عن حالة الهدوء والتركيز ، وتكامل الاداء الاسترالي ، لان الفريق لعب بطريقته المعروفة 4/4/2 ، وبتشكيله الذي تغلب به علي الاردن ، وكان كل اللاعبين نجوما ، بداية من الحارس العملاق شوارزر ، ومرورا بقلبي الدفاع لوكاس نيل وساسا، والظهيرين ويلكشير وكارني ، ورباعي الوسط وخاصة لاعب الارتكاز جديناك وكارل فاليري، والجناحين بريت هولمان ومكاي، وأخيرا رأسي الحربة هاري كيويل أو هاري بوتر كما يطلق عليه الاتراك وتيم كاهيل، وحتي الاحتياطيين كلكيني وامرتون وكروس تألقوا وكان لهم حظ من النجومية .. والغريب عندما تتأمل في قائمة أصحاب الاهداف الستة ، ستجد من بينهم لاعبين في كل الخطوط والاغلبية للمدافعين ، فقد سجل قلب الدفاع ساسا والظهير كارني، ومدافع الوسط فاليري ، وسجل ايضا البدلاء لاعب الوسط امرتون والمهاجم كروس ، ولا ننسي هدف البداية لهاري "بوتر" لانه كان نقطة التحول في المباراة لكشف النمر الورقي الاوزبكي!
ويبقي خلف هذه المنظومة بلا شك المدرب الالماني هولجر اوسييك ، وبالتأكيد أنه أحسن إعداد لاعبيه وضع الخطة المناسبة ولعب علي مفاجأة منافسه ، ولكنه يدين بالشكر بالتأكيد للمدرب الاوزبكي الذي سهل مهمته ،وأظهره في دور عبقري التدريب وهو ليس كذلك بكل تأكيد ، وخير دليل علي ذلك فوزه بهدف الثواني الاخيرة علي أسود الرافدين العراقي بعد مباراة متكافئة لولا فرط نجوم الهجوم العراقي عماد محمد ويونس محمود ومصطفي كريم اقتناص الاهداف السهلة التي لاحت لهم ، لكان العراقيون والعرب أصحاب هذا الفرح التاريخي في الفوز علي الاوزبك .. أخيرا يستحق الثناء الحكم الدولي الاماراتي علي حمد ومساعديه ، وخاصة في إدارته للمباراة بسلاسة وعدم تساهله في طرد كاباييف ، ولا تعاطفه في بعض القرارات لصالح الفريق المهزوم.