الأستاذ سامي مكاوي طليعة الاعلاميين الرياضيين المتميزين

الخليل- كتب فايز نصّار/ مرهقة جداً أيام الغربة، وحتى لو كانت الحياة رغدة ومرفهة هناك ، فلا شيء يعدل الوطن.. ولم تمنع ليالي الغربة الصعبة رجال فلسطين من التألق في كثير من المجالات الرياضية ، وغير الرياضية ، فارضين أنفسهم رواداً في كثير من المجالات.
وشخصياً أشعر بذلك، لأنني واحد من الذين قضوا زهرة شبابهم خارج الوطن ، وأفهم جيداً الظروف الصعبة، التي حقق من خلالها الفلسطينيون أعظم النجاحات الرياضية ، كلاعبين ، ومدربين ، وحكام ، وإداريين ، وإعلاميين .
والأكيد أن الأستاذ سامي مكاوي هو واحد من فرسان فلسطين، الذين تركوا بصمة رياضية مؤثرة خارج الوطن، من خلال عمله مديراً إدارياً ، وسكرتيراً، ومنسقاً للجنة الرياضية العليا لنادي العين الإماراتي مدة سبعة عشر عاماً، كان العين خلالها في أوج انتصاراته عربياً وآسيوياً.
ولم يجد أبو يوسف ظروف النجاح نفسها عندما عاد إلى بيته المقدسي ، والأمر يصعب فهمه على غير المجربين، لأنّ كثيرا من طيورنا المهاجرة - ممن حققوا النجاحات في الغربة - عجزوا عن ذلك في بلدهم ، والأمر بحاجة إلى بحث محايد ، لأنّه لا يعقل أن يكون العيب دائماً في العائدين.
وكان المكاوي ظهر كلاعب كرة سلة في جمعية الشبان المسيحية ، وكرة يد في نادي الموظفين منذ مطلع الستينات، وعاد من مصر بشهادة رياضية ، ليشقّ طريقه في كتابة الأخبار، والتعليقات الرياضية المحلية، من خلال صحيفتي القدس والفجر .
ولمّا عاد محمد سامي من الغربة وجد الأمور معقدة في دروب الإعلام المحلي ، فكانت له تجربة في اتحاد الكرة الفلسطيني، بعد النهوض الكبير ، الذي قاده اللواء الرجوب ، ليترك الاتحاد ويتفرغ لمسؤوليات بيته، تاركاً للزمن ذكريات الإعلام الرياضي بحلوه ومرها ، ومنها هذه المحطات الهامة، التي يرويها لكم في هذا اللقاء.
- اسمي محمد سامي حسين مكاوي "أبو يوسف" من مواليد القدس يوم 25/2/1947 .
- ظهرت مواهبي الرياضية لأول مرة في المدرسة الراشدية بالقدس ، ومع التدريب المستمر تطورت مهاراتي في رياضتي كرة السلة ، وكرة اليد بدعم من الأستاذ نادي خوري ، الذي كان في الوقت نفسه مدرباً لجمعية الشبان المسيحية، فصرت انتقل من المدرسة إلى النادي للتدريب في رياضة كرة السلة ، مع بعض النجوم الذين أذكر منهم عبد الله الخطيب، وروحي الترهي.
- ولعبت كرة اليد في نادي الموظفين منذ سنة 1963 ، وكان يدربنا الأستاذ نادي خوري، الذي كان لاعباً في المنتخب الأردني لكرة اليد، وكان فريقنا يضم نخبة من اللاعبين طوال الأجسام، وأذكر أننا لعبنا مباراة في على ملعب المطران مع نادي القامشلي السوري سنة 1964 .
- أذكر بالخير صديق الطفولة الرياضي المهندس خميس الحلواني د، وأيضاً الثنائي رائف ورأفت اشتيه، الذين كانا يلعبان لنادي الموظفين.
- وسنة 1966 سافرت إلى مصر لدراسة التربية الرياضية في معهد أبي قير بالإسكندرية، وبفضل الله حصلت على المرتبة الثانية على المعهد، بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف، في دفعة كانت تضم 320 طالباً.
- وبعد تخرجي عينت أستاذاً للتربية الرياضية في مدرسة الرصيفة قرب عمّان ، وقبل اكمال سنتي الأولى على رأس عملي اندلعت أحداث أيلول ، التي شاهدت فيها مواقف لا تنسى، فقررت العودة إلى القدس، حيث قضيت سنة كاملة دون عمل ، ليتمّ تعيني مدرساً في المدرسة العمرية بالبلدة القديمة في القدس، ولكن الأمر لم يكن يلبي طموحي، ولمّا طلبت نقلي لمدرسة ثانوية ، تمّ الاستغناء عني.
- وقتها كان زملائي، الذين تخرجوا من مصر أسامة قطينة، وعيسى أبو الكامل، واسحق البديري، والمرحوم عطية أبو ارميلة يعملون في تحرير أخبار صحيفة القدس ، فقمت بزيارتهم للاطلاع على سير العمل ، وهناك تحدثت مع سكرتير التحرير المرحوم ماجد الجاعوني ، ومسؤول تخطيط عناوين الجريدة المرحوم الأستاذ يوسف النجار ، فعرضا على صاحب الجريدة الراحل محمود أبو الزلف فكرة عملي في الصفحة الرياضية ، وتمت الموافقة.
- قبل ذلك كان المرحوم أحمد عديلة يزود الصحيفة بأخبار متفرقة، معظمها عن مباريات نادي سلوان وأندية القدس الأخرى ، وكانت تلك الأخبار تنشر في عمود صغير ضمن المجتمع المحلي، فبدأت بكتابة مقالات رياضية، تساهم في توعية الجمهور، أذكر منها مقال عن التعصب الأعمى، وآخر عن الشخصية الرياضية، وثالث عن الروح الرياضية، وغيرها من الأمور التي تندرج ضمن صميم دراستي.. وبحمد الله لاقت هذه الكتابات ترحيب واستحسان القراء ، مما شجعني على التنقل لملعب المطران لكتابة تقارير عن المباريات، رفقة المصور فهمي الششتاوي، الذي كان يحضر لي بعض الصور الأولية، وكنت أرفد بها التقارير الرياضية.
- ومع الوقت أصبحت الأمور أكثر جدية ، فصرت أحضر إلى الجريدة الساعة التاسعة صباحاً ، للاطلاع على الأخبار المختلفة من الصحف والمجلات، وأصبحت أكتب مقالي بشكل شبه يومي وأبقى في الصحيفة حتى ساعة متأخرة من الليل، لأتابع الصفحة الرياضية في المطبعة، وكان الأمر يلاقي استحسان صاحب الجريدة ، لأني كنت أعمل بشكل مجاني لمدة سنة كاملة .
- وأذكر في تلك الفترة كان بعض الصحفيين يتلقون رواتب قدرها 50 دينار اردني من اللجنة الفلسطينية بالأردن ، وفعلاً تقدمت بطلب لتلقي هذا الراتب ، ولكن دون جدوى، فبقيت أحصل على مصروفي اليومي من والدي، ليأتي الفرج بتعييني في دار المعلمين برام الله ، قبل نقلي لمدة سنة إلى المركز المهني بقلنديا ، ولمّا عدت جرت مباراة هامة فاز بها معهد المعلمين على معهد قلنديا، مما شجع المسؤولين على الاهتمام بأمور الرياضة ، فصرت أدرب الطلاب في عدة رياضات ، وصاروا يبذلون جهداً كبيرا ، فتضاعف استهلاكهم للطعام ، كما لاحظ مسؤولو المعهد.
- وكانت المحطة التالية في مدرسة الفوار بالخليل، وهناك أشرفت مع الأستاذ عمر موسى على تنظيم أول مهرجان رياضي كبير ، بعد جهد استمر لأشهر ، ساهم فيه الطلاب بإحضار الحجارة ، وأثمر تجهيز ملعب المدرسة بالباطون والحجارة، وتم رسم شعار الاونروا بالإنجليزية في الساحة، ولاقى المهرجان استحسان مسؤول الاونروا، ورئيس بلدية الخليل يومها المرحوم الشيخ محمد علي الجعبري .
- وتشرفت سنة 1972 بالإشراف على استفتاء رياضي نظمته صحيفة القدس ، بالتعاون مع طلاب المعهد ، لاختيار أبرز نجوم كرة القدم في فلسطين، ويومها اختير عارف عوفي كأبرز لاعب ، متبوعاً بحاتم صلاح، ثم اسماعيل المصري ، فموسى الطوباسي، فمطيع طوقان، الذي حلّ بعده توالياً عمر موسى، وناجي عجور ، وجورج زرينة، وعبد الله الكرنز ، وبلال مسلم.. واحتل المراكز من العاشر حتى العشرين على التوالي عزيز بشيتي ، وأحمد أبو عزيز ، وخريستو الأعرج ، وخليل بطاح، وعدنان أبو سرية، وإبراهيم نجم ، ووليد عبد اللطيف، وسامح كنعان ، ومحمد عثمان الأسمر، ومحمد حنو .
- ويعتبر هذا الاستفتاء وثيقة تاريخية ، تذكرنا بالنجوم الذين صالوا وجالوا فوق الملاعب الترابية ، وحافظوا على سمات الكرة الفلسطينية في الأيام الحالكات ، التي شهدت احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة ، وتجميد اللعب في كثير من الأندية في دفتي الوطن... والمؤسف أن هؤلاء النجوم لم يجدوا يومها من يكرمهم ، واقتصر الأمر على نشر أسمائهم في الصحيفة .
- وكانت محطتي التالية سنة 1976 ، إذ بعد سهرنا للساعة الواحدة ليلاً لإعداد الصفحة الرياضية، تفاجأنا صباحا بحجب الصفحة الرياضية، واستبدالها بدعاية انتخابية، ويومها أعلن الصحفيون الاضراب، وانتقل كثير من العاملين إلى صحيفة الفجر ، التي تسلمت فيها مهمة إعداد صفحة الرياضة والشباب بين سنتي 1976 و 1979 ، مع كتابتي أحياناً في أمور اجتماعية أخرى تخص الطفولة، والصناعة المحلية ، وغيرها من الأمور ، ومنها تقرير عن مصنع تعليب البندورة في الخليل، رفقة الزميل غسان طهبوب .
- وتركت الوطن سنة 1979 ، والتحقت بجامعة امريكية دفعت لها كل ما أملك ، وكنت أوازن بين التعليم والعمل في سوبرماركت، حتى كانت الحادثة الكبرى سنة 1981، حين عشنا أجواء ارهابية غير مسبوقة من قبل مسلحين، اقتحموا السوبرماركت وسرقوا كلّ شيء ، فأثر الموقف على نفسيتي، وعدت إلى البلاد لأعمل مدة سنة في جامعة النجاح.
- ولمّا وجدت أنّ الأمور المعيشية صعبة سافرت إلى دولة الإمارات ، وعملت مديراً إدارياً في نادي العين، في الفترة من سنة 1982 إلى سنة 1998 ، ولم تتح ليّ في تلك الفترة فرصة الكتابة، بالنظر لقيمة مسؤولي النادي، ومنهم مجموعة من شيوخ ال نهيان وبعض الوزراء، الذين يملكون النادي ، فصرت أحياناً أختلس الكتابة في الصحف باسم مستعار .
- ولمّا ودعت الغربة سنة 1998، عدت إلى صحيفة القدس، وعملت مع الزميلين منير الغول، وهشام الوعري، وكانت الأمور سيئة جداً، بسبب اجراءات تفتيش الجيش قرب الصحيفة، وسيرنا مسافة طويلة على الأقدام، وعملنا في الصحيفة حتى الثالثة صباحاً، ولكن في المقابل كانت هناك شبكة من المراسلين من مختلف مناطق الضفة والقطاع، واعتز بعملي معهم جميعاً، مع حفظ الأسماء والألقاب ، لأترك العمل سنة 2003 .
- وبعد تولي الفريق الرجوب زمام الأمور على رأس اتحاد كرة القدم، تمّ تعييني أميناً عاماً للاتحاد لمدة سنتين ونيف، حاولت خلالها بجهد كبير خدمة الرياضة في بلدي .
- وبعد عودتي من الإمارات كنت أعمل على تسهيل تنفيذ مشاريع الهلال الأحمر الإماراتي في النواحي التعليمية والصحية والانسانية، وطلب مني الزملاء - إعلامي الرياضة - أكثر من مرة الانضمام لمجلس رابطة الصحفيين ، ولكني فضلت البقاء بعيداً.
- أعتز كثيراً بملهمي في مجال الصحافة ، الأستاذ محمد حسنين هيكل ، صاحب المقال المعروف "بصراحة" ، وكنت أحرص على قراءة الصحف اللبنانية ، وخاصة صحيفة النهار البيروتية ، بما تتضمن من مقالات رائعة ، ويعجبني كثيراً المعلق الجزائري حفيظ دراجي ، فهو معلق متميز أفتخر به .
- أعتقد أنّ الفرق كبير بين الإعلام الرياضي قديماً وحالياً ، حيث أصبح الطريق ممهداً أمام الإعلاميين، كي ينهلوا من كلّ المشارب الإعلامية ، مع أهمية أن يكون لكلً إعلامي مشربه ، فالمواضيع الرياضية كثيرة وقريبة، عكس العمل في زمان التلكس ، حيث كنا نعاني للحصول على المعلومة .
- أنصح ابنائي الإعلاميين الشباب بالتعامل مع الحقائق كما هي، وتحكيم الضمير الصحفي في التعامل مع مختلف المواضيع ، وعدم الخوف من التعامل مع مختلف القضايا ، لأنّ المركز والمال والحظوة زائل، ويبقى موقف الإعلامي ، الذي يجب أن يتحرى النزاهة والالتزام في عمله الصحفي.
- أرى أن الارشيف الرياضي مهم جداً ، لأنك يجب أن تطلع على ماضيك ، حتى تعرف أين انت ؟ وتخطط لمستقبلك ، ويجب على المؤسسات الإعلامية والرياضية إيلاء هذا الجانب أهمية خاصة ، بإنشاء مراكز توثيق متخصصة ، بما يسهل على الباحثين الوصول إلى المعلومة الدقيقة ، والأرشفة السليمة تسهل العمل لكثير من العاملين في مجال الرياضة والشباب .
- أخيراً أرى أنّ ما تقوم به أستاذ فايز خطوة هامة لتسجيل وقائع الرياضة الفلسطينية، من خلال الرجال الذين عايشوا الزمن الرياضي الجميل، آملاً ان تهتم المؤسسات المعنية بهذا العمل، ويتم تسجيله في مصنفات خاصة