أصعب المهن الإعلامية

كتب محمود السقا- رام الله
الإعلامي النابه والذكي والحصيف هو الذي يبحث عن التميز والتفرد، وهو الذي يمتلك شخصية، يستطيع من خلالها التأكيد على فرادته وجدارته، عبر تعليقاته وأفكاره وآرائه، وفي حالة المعلقين التلفزيونيين، فإن المعلومات، التي يضعها في متناول المشاهدين، هي التي تؤكد علو كعبه وقدرته على التغلغل في نفوس وعقول وخلجات قلوب الجماهير.
بطولة أمم أوروبا، التي تدور رحاها، حالياً، في فرنسا، بالضبط مثل سوق عكاظ، ذاك السوق، الذي كان يؤمه جهابذة وفحول الشعراء العرب واكثرهم فصاحة وبلاغة، وينخرطون في تحدي بعضهم بعضاً.
ما كان يحدث في سوق عكاظ أراه يُستنسخ في منافسات «اليورو»، وإذا تحدثنا عن مدارس التعليق فهي من الكثرة الكاثرة، وكل واحدة لها مذاقها ورونقها وبهاؤها، وكل واحدة تختلف، جذرياً، عن الأخرى، فهناك مَنْ يعتصم بفضيلة اللغة العربية في التعليق، كما يفعل حفيظ دراجي، وهناك مَنْ يتمسك بلغة بلده الأم، فيبرع فيها ويروج لها، بالضبط كما يفعل عصام الشوالي، هذا المعلق، الذي يقطر موهبة، ويزداد تألقاً وعطاءً.
عصام الشوالي، يُتحفك بصوته الرخيم، أولاً، ثم بمعلوماته الهائلة، وهي إشارة واضحة الى انه يستعد لأي لقاء، يعتزم التعليق عليه، ولا يكتفي بالتحوصل والتقوقع في كواليس ودهاليز الكرة، بل يصطحبك خارج أسوارها، فيُحلق بك في السياسة والأدب والشعر والفن والتاريخ، وكل ذلك يحتاج الى بحث وتحر، وهذا ما يفعله الشوالي، فهو لا يتردد في التقاط اللحظة المناسبة، كي يُتحفك بما لذ وطاب من معلومات، وفي تقديري ان هذا النهج هو ما دفع بعصام كي يجلس في الصفوف الأمامية للمعلقين.
اللافت ان عصام الشوالي لم يتنكر للغة التونسية، ولم يُدر لها ظهره، ولو فعل ذلك، لكنّا التمسنا له العذر، كونه يخاطب شعوباً وقبائل تختلف في لهجاتها ولغتها وتفكيرها، لكنه آثر الإبقاء على لغته، وهذا موقف يُحسب له.
وطالما ان الشيء بالشيء يُذكر، فإنني اغتنم الفرصة كي أتمنى على مُعلقينا المحليين، وهم بالمناسبة معدودون على أصابع اليد الواحدة، ان ينتصروا للهجتهم، وان يتمترسوا في خنادقها فهي جميلة ورشيقة وعذبة ومُحببة.