الرياضة الجامعية.. بساطة المنافسة وإثبات الوجود على ضفاف المحبة والمشاركة

رام الله كتب محمد الرنتيسي/ لو عدنا إلى تاريخ الرياضة الجامعية، لوجدنا أن قمة أنشطتها تجسدت في الفترة من (1974 - 1978) وتحديداً منذ أن دعت جامعة بير زيت، زميلاتها من الجامعات الفلسطينية، للمشاركة في أول بطولة رياضية جامعية، على مستوى الجامعات والمعاهد العليا، والتي نظمتها وأشرفت عليها جامعة بير زيت، العام (1974)، ومنذ ذلك الحين، بدأت العلاقات واللقاءات والمهرجانات الرياضية تنشط، لتتطور فيما بعد، وتصبح البطولات الجامعية تُنظم سنوياً من قبل الجامعات المختلفة، وبشكل دوري، إلى أن بدأت هذه الأنشطة تصطدم بالتشويشات والمعوقات الكثيرة، التي كانت تفرضها الحواجز العسكرية الاحتلالية، والإغلاقات المتكررة للجامعات، ما أدى إلى ضعف النشاط الرياضي للجامعات بشكل ملحوظ. ولا يخفى على أحد، الظروف العصيبة، التي مرت بها الجامعات الفلسطينية، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، في الفترة من (1987 - 1993)، حيث أغلقت بعض الجامعات، لفترة تقارب الأربع سنوات، بشكل متواصل، حتى وصلت الرياضة الجامعية إلى أدنى مستوياتها.
إثباب وجود:
يقول الرياضي المخضرم، كمال شمشوم، الذي ارتبط اسمه بالرياضة الجامعية، في تقييمه للأنشطة الرياضية للجامعات، في سنواتها الأولى، بأنها فاقت كل التوقعات، رغم حداثة إنشاء بعض الجامعات، وقلة الإمكانيات، وعدم توفر المنشآت والمرافق الرياضية اللازمة، مبيناً أن النشاط الرياضي المشترك للجامعات، حقق الأهداف المرجوة بشكل رائع، وعلى مختلف الأصعدة، التربوية والاجتماعية والفنية، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على إثبات الوجود للرياضة الجامعية، وقدرتها على الاستمرار والتطور.
كان شمشوم، من أوائل من دعوا إلى تأسيس اتحاد رياضي للجامعات في فلسطين، تكون مهامه متابعة المشاكل والمعوقات، ووضع الأنظمة واللوائح، إضافة إلى تنظيم البطولات المختلفة بين الجامعات، والإشراف عليها، وعمل الاتصالات الخارجية مع الجامعات العربية والعالمية، وتشكيل منتخبات رياضية تمثل الجامعات الفلسطينية بمختلف الألعاب، عربياً ودولياً، كما أنه من أوائل من توقعوا أن تنال مثل هذه الخطوة، الدعم والتأييد، من قبل إدارة الجامعات المختلفة، ووزارة التربية والتعليم العالي، و»وزارة الشباب والرياضة» في حينه، كجهة داعمة ومتعاونة، داعياً إلى تبني شعار «التعاون والعمل الجماعي لبناء رياضة جامعية متطورة».
أبيض وأسود:
في مكتبه بدائرة التربية الرياضية، يمضي إسحاق عيد، رئيس برنامج الرتبية الرياضية بجامعة بيرزيت، وقته بالتحضير والترتيب لمزيد من الأنشطة الرياضية، وتبدو على جدارن مكتبه، العديد من الصور القديمة، ذات اللونين «الأبيض والأسود» لمنافسات رياضية قديمة، مرّت عليها سنوات، وألعاب مختلفة، تكاد تكون مغمورة في وقتنا الحالي، وكأن الشوق والحنين يأخذه بين الحين والآخر، لذاك الزمن العريق والمهيب والجميل. يوضح عيد لـ»أيام الملاعب» أن العلاقات الإنسانية بين الرياضيين ولاعبي الفرق المختلفة، كانت مميزة، ومبنية على المحبة والمودة والإحترام المتبادل، كما كانت العلاقات بين المشرفين والمدربين وأساتذة الجامعات، يسودها الاحترام والتفاهم، وكان الهم الأكبر عند الجميع، هو اللقاءات الرياضية، التعارف، ونسج العلاقات الأخوية الصادقة، وتجمع أكبر عدد ممكن من الطلبة، والاحتكاك، وقضاء أيام رياضية ممتعة، مغلفة بتنافس «بريء».. إذ كان الفوز والنتائج، بمثابة تحصيل حاصل، وآخر ما بفكر به اللاعبون. ويؤكد، أن نسبة المحبين للرياضة وممارستها، والطلبة المتفوقين من الرياضيين في الألعاب الجماعية، والذين كان يتم قبولهم في الفرق المختلفة، كانت عالية، بالنسبة لعدد المقبولين في الجامعة، لافتاً إلى شعور الطالب المتفوق رياضياً واللاعب في منتخب الجامعة، بالإحساس بالتميز بين طلبة الجامعة وإدارتها، مبيناً أن قلة عدد طلبة الجامعة ما بين نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، والذي لم يكن يتجاوز (1500) طالب، كان يجبر الجميع على المشاركة، في كافة الأنشطة الرياضية، في نهاية اليوم الدراسي، سواء من خلال المهرجانات، أو العروض الرياضية، أو البطولات الداخلية والخارجية، فحتى الطلبة غير الرياضيين، كانت تسند إليهم بعض المهام، للقيام بواجبات لوجستية، كحفظ النظام، والإعداد، والإشراف والتنظيم.
يقول عيد: «كانت الرياضة سابقاً تقوم على مبدأ أو فلسفة الهواية، وخدمة المجتمع والتطوع، وعند قدوم السلطة الفلسطينية، وجدنا تحول وتغيير جذري في هذه الفلسفة، إلى مبدأ الاحتراف والمقابل المادي في كل شيء، وبالتالي عزوف الرياضيين عن الإنخراط في الأنشطة الرياضية، بسبب النظرة المادية، علماً أن الرياضة سابقاً وممارستها، كانت عبارة عن «تطوع» وهذا ما أدى إلى انعكاسات سلبية، إثرت على النهوض بالحركة الرياضية، وأقصد هنا المستويات الفنية.. ومعلوم للجميع أن مبدأ الاحتراف، إذا ما مورس بطريقة صحيحة، من شأنه أن يساهم في النهوض بالرياضة وتطورها، لكن بتلك الفترة، كان في تلك الخطوة شيء من التسرع، لا سيما في ظل الظروف السائدة آنذاك، والأوضاع الصعبة سياسياً وإقتصادياً».
وحول الإعلام الرياضي، بيّن إسحاق عيد، أنه يلعب دوراً كبيراً في النهوض بالحركة الرياضية، بجميع المستويات، شريطة أن يواجه الواقع والتحديات بطريقة مهنية وموضوعية، أما المدارس، فهي برأيه شكلت محطات مفصلية، وكانت تلعب دوراً أساسياً في رفد الرياضة الجامعية بالمواهب، نظراً للإهتمام بالرياضة المدرسية في تلك الفترة، وهذا ينعكس على المستوى العام، لدى الطلبة الرياضيين الجامعيين. إسحاق عيد، كان يحدثنا وهو ينظر برفق، للصور القديمة التي زينت كل ركن وزاوية بمكتبه.. يستعيد الذكريات العطرة، وبساطة المنافسة، قلت له: «كل الصور بمكتبك أبيض وأسود»، فرد عليّ: "ذاك الزمان هو الأبيض.. نتمنى أن لا يكون زماننا أسود".