شريط الأخبار

الرياضة في فلسطين".. نفس مقطوع منذ عامين والدمار طاول 288 منشأة...

الرياضة في فلسطين.. نفس مقطوع منذ عامين والدمار طاول 288 منشأة...
بال سبورت :  

"


رام الله- كتب خليل جاد الله/ انقطعت أنفاس الرياضة في فلسطين، وتحديداً في قطاع غزة، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فلم تشهد ملاعب كرة القدم إقامة أي مباراة رسمية منذ ذلك التاريخ إثر تدمير الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 288 منشأة رياضية، ورفع وتيرة الإغلاقات والحواجز بين المُدن والقرى والمخيّمات الفلسطينية. 

   قرّر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم واللجنة الأولمبية الفلسطينية إيقاف جميع النشاطات الرياضية في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، مباشرة بعد بدء حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، فشهد ملعب الشهيد فيصل الحسيني في ضاحية الرام، شرقيّ القدس المحتلة، إقامة آخر مباراة رسمية في دوري المحترفين الفلسطيني بين فريقي هلال القدس وترجي واد النيص في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ضمن لقاءات الجولة الرابعة من البطولة التي كان يتصدرها فريق شباب الظاهرية برصيد تسع نقاط، فيما شهد ملعب اليرموك في مدينة غزة إقامة آخر مباريات دوري الدرجة الممتازة بين فريقي اتحاد الشجاعية وهلال غزّة (3-1) في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ضمن لقاءات البطولة التي كان يتصدّرها اتحاد الشجاعية مع اختتام منافسات الجولة السادسة، قبل توقّف المنافسات الرياضية، والكروية تحديداً، في فلسطين حتى إشعار آخر. 


** ملاعب فلسطين تحوّلت إلى مراكز اعتقال أو إيواء للنازحين 

حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ملعب اليرموك التاريخي في قطاع غزة إلى مركز اعتقال وتنكيل بالفلسطينيين، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023. المشهد الصادم اجتاح العالم بأسره، إذ أجبرت قوات الاحتلال عدداً كبيراً من المواطنين على خلع ملابسهم والاصطفاف بشكل مُهين للتحقيق معهم أو اعتقالهم أو التنكيل بهم، في مشهد وصفه اتحاد كرة القدم الفلسطيني بـ: "الفاشي"، مضيفاً في بيان نشره مطالباً الجهات الرياضية الدولية والقارية بالتدخل: "خرج علينا الاحتلال بصور فظيعة خلال اجتياحه لملعب اليرموك في قطاع غزة، في خرق واضح وصريح للميثاق الأولمبي وكافة القوانين والمواثيق القارية والدولية، وكجزء من استهدافه للحركة الشبابية والرياضية والكشفية الفلسطينية".

   ويُعد هذا الملعب أحد أقدم الملاعب في فلسطين، حيث تم تأسيسه في عام 1938 وتم تجهيزه ليلبي المتطلبات الدولية لاعتماده ملعباً بيتياً فلسطينياً، وفق البيان، الذي أكد أنّ "هذا الانتهاك الصارخ والفاضح لكافة المواثيق، يضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات بحق الرياضة الفلسطينية، وما شملته من قتل اللاعبين واعتقالهم". وطالب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بصفته المظلة الراعية لكرة القدم في العالم، والاتحاد الآسيوي، وكافة الاتحادات القارية والدولية، وكافة الجهات ذات العلاقة، بـ"ضرورة اتخاذ موقف عاجل تجاه هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق أحد اتحاداتها الأعضاء". 

   وعلى جانب آخر، تحوّل ملعب الشهيد محمد الدّرة في دير البلح، وسط قطاع غزة، إلى مركز إيواء للنازحين، وأجرى "العربي الجديد" حواراً مع لاعب اتحاد بيت حانون والنادي الأهلي المصري سابقاً محمود سلمي (27 عاماً)، بعد اتخاذه الملعب مكاناً للنزوح، حاملاً معه طفلته الثانية (سيلا) التي تبلغ من العمر ثلاثة أشهر، عبّر فيه عن صدمته أمام ما يجري، مشدّداً على أنه "لم أتخيّل حدوث هذا الأمر يوماً ما. جئت إلى الملعب، ولم أعرفه أبداً، ثم أصبحت نازحاً فيه، بعد أن كُنت لاعباً على أرضه في يوم من الأيام.. كنت أحلم بخوض بطولة كأس آسيا 2023 رفقة المنتخب الوطني، أما الآن فأحلم بالعودة إلى منزلي الذي دمّره الاحتلال، فقط هذا ما أريده". 

   وأشارت أرقام الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى تدمير أكثر من 288 منشأة رياضية في فلسطين عموماً، معظمها في قطاع غزة، ولم ينشر اتحاد اللعبة في فلسطين أرقاماً مُحدّثة حول عدد المنشآت التي دُمرّت منذ قرابة عام، بسبب صعوبة وصول طواقمه إلى أماكن وجود قوات الاحتلال، أو تشويه معالم المُدن والمناطق وانتزاع ملامحها. 

  وتحوّل ملعب رفح البلدي، جنوبي قطاع غزة، إلى مستشفى ميداني تابعٍ للهلال الأحمر الإماراتي، وهو الملعب الرئيسي لقطبي مدينة رفح (خدمات رفح، وشباب رفح)، فيما تحوّل مقرّ نادي خدمات رفح تحديداً إلى مركز توزيع مساعدات على النازحين من مناطق غزّة المختلفة، ومكان سكنٍ لعدد من الرياضيين، وتحوّل مقرّ النادي الجماعي إلى مركزٍ لمساعدة النازحين، وأقام، هو الآخر، مطبخاً من أجل إطعـام الأسر التي لا تملك قوت يومها.

   وقرر عدد من إدارات الأندية المختلفة في جنوب قطاع غزة توفير مكانٍ لسكن اللاعبين الذين فقدوا منازلهم، فلم تجد أقرب من مقرّاتها للقيام بذلك، مثلما فعلت إدارة نادي اتحاد دير البلح، وسط القطاع، عندما أعطت مفاتيح مقرّها الرئيس لقائد منتخب فلسطين السابق، أحد أبطال برونزية الدورة العربية مع منتخب فلسطين عام 1999 صائب جنديّة (48 عاماً)، بعدما اضطر لترك منزله المدمّر في حيّ الشجاعية، فوجد نفسه نازحاً مع عددٍ كبيرٍ من أفراد أسرته في مقرّ النادي وملعبه المصغّر. 

  ودمّرت قوات الاحتلال مقرّات أندية الصداقة، وأهلي النصيرات، واتحاد الشجاعية وشباب خانيونس، وخدمات البريج، وهلال غزّة، والجزيرة، وهلال غزّة، إلى جانب تدمير ملاعب فلسطين، واليرموك، وبيت لاهيا، وبيت حانون، والتفاح، وخانيونس، وجنين، وأكاديمية المدرب الفلسطيني أيمن صندوقة، كلياً أو جزئياً. 


** استهداف ممنهج لأندية القدس والرياضة فيها 

وتزامناً، اشتدت وطأة انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمؤسسات الرياضية الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة خلال حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ضمن سياسة يفهمها الفلسطينيون بأنها محاولات مستمرّة لتهويد المدينة وإخضاع الشبان فيها لسيطرة الاحتلال واللعب تحت شعار اتحادهم بدلاً من انتمائهم الأصيل ورفعهم علم فلسطين في البطولات المحلية أو الدولية. وشهدت العاصمة الفلسطينية استهدافاً واضحاً لعددٍ من الأندية فيها، حيث أخطرت قوات الاحتلال مقر نادي العيساوية بالهدم في 19 فبراير/ شباط 2024، وهددت نادي سلوان بالمصادرة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، واقتحمت مقر نادي أبو ديس وحولته إلى مركز اعتقال في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

   وتعرّض لاعب منتخب فلسطين ونجمه الحالي تامر صيام (32 عاماً)، للتحقيق أثناء مروره عبر أحد الحواجز الإسرائيلية التي تؤدي إلى مدينة القدس، بعد عودته من المشاركة مع منتخب فلسطين في بطولة كأس آسيا 2023، وحاول جنود الاحتلال إجباره، رفقة زميله زيد قنبر، على خلع قميص منتخب فلسطين، قبل الرفض،، واضطر المدرب الفلسطيني محمد الدجاني (32 عاماً)، للعودة إلى أرض فلسطين بعدما خيّره الاحتلال بين العمل في أوروبا أو حرمانه من وثيقة إقامته في مدينة القدس، الأمر الذي دعاه لتقديم استقالته من عمله في نادي أياكس أمستردام الهولندي، بعدما كان المدرب الفلسطيني الأول الذي يعمل في أحد أهم أندية العالم.

   ووصف مدافع منتخب فلسطين موسى فيراوي (27 عاماً)، في حديث خصّ به "العربي الجديد" في وقت سابق، حال القدس بالمدينة الميّتة، مؤكداً أن "لاعبي القدس ولاعبي فلسطين غير قادرين على إيجاد أماكن يلعبون فيها، والحال في القدس بيقطّع القلب". 


** لاعبون دون مصدر دخل لأسرهم.. وآخرون اعتزلوا

يتقاضى نحو 1500 لاعب في فلسطين راتباً ثابتاً في دوري المحترفين الفلسطيني لكرة القدم ودوري المحترفين الجزئي (الدرجة الأولى)، المقامين على أراضي الضفة الغربية، وفي دوري الدرجة الممتازة ودوري الدرجة الأولى في قطاع غزة، بينما يدفع عدد من الأندية في دوري الدرجتين الثانية أو الثالثة في الضفة الغربية مكافآت مادية للاعبيه، لكن ذلك كله توقف بعد حرب الإبادة التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين. هذا الحال دفع عدداً لا بأس به من لاعبي كرة القدم في فلسطين للعمل في مجالات أخرى، كما فعل مدافع نادي الخليج سرت الليبي وفلسطين الأولمبي سابقاً بشار الشوبكي (25 عاماً)، إذ اضطر للعمل في مقصف مدرسيّ في بداية الحرب الإسرائيلية، قبل سفره للاحتراف في الدوري الليبي.

ويعمل عدد كبير من اللاعبين الفلسطينيين السابقين في أندية كبيرة، كشباب الظاهرية، وشباب الخليل، وشباب السموع، وهلال القدس، في وظائف غير معتادة (رفضوا الإفصاح عن أسمائهم)، كالعمل في ورشات للبناء، أو في سوق للخضار والفواكه، أو في صالونات الحلاقة. واضطر جزءٌ لا بأس به من لاعبي كرة القدم في فلسطين للإعلان بصورة صامتة عن اعتزالهم لعبة كرة القدم بعد فشلهم في الاحتراف خارج فلسطين بسبب محدودية الفرص وتقدّمهم بالسّن، ومنهم قائد منتخب فلسطين الأسبق عبد اللطيف البهداري، الذي فضّل الهجرة بعدها إلى أوروبا، وقبله مهاجم منتخب فلسطين السابق إسماعيل العمور. 


** محاولات استعادة الأنفاس 

فتح عدد من الاتحادات العربية الأبواب للاعب الفلسطيني، لا سيّما اتحاد كرة القدم الليبي واتحاد كرة القدم القطري، اللذين عاملا اللاعب الفلسطيني معاملة اللاعب المحليّ من أجل المساهمة في توفير مصدر دخل كريم للاعبي كرة القدم في فلسطين، وللمحافظة على فرصة "الفدائي" في البقاء على قيد الحياة، وتمثيل فلسطين بأفضل صورة ممكنة في المسابقات الدولية والقارية.

  وبعيداً عن كرة القدم، اختتم الاتحاد الفلسطيني لكرة السلة أولى بطولاته الرسمية منذ السابع من أكتوبر 2023، عندما أقام بطولة تنشيطية تنافست فيها الأندية الفلسطينية بنظام المناطق، ثم التّجمع، وتُوّج بلقبها نادي أرثوذكسي ثقافي بيت ساحور، بعد الانتصار على أرثوذكسي بيت جالا في المباراة النهائية التي أقيمت في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، وحملت اسم "دورة غزة الصامدة". وشهدت أكاديمية جوزيف بلاتر في مدينة البيرة إقامة أول دورة للمدربين (المستوى الثالث) على أرض فلسطين منذ بدء حرب الإبادة، وشارك في الدورة التي انطلقت في الرابع من أكتوبر الجاري مجموعة من أفراد الشرطة الفلسطينية المنتمين للاتحاد الرياضي للشرطة الفلسطينية. 

  خلال العامين الماضيين شهدت بعض الاتحادات الفلسطينية نشاطاً ملموساً حاولت فيه الإبقاء على نَفَس الرياضة الفلسطينية حيّاً، وشكّل نادي خدمات النصيرات حالة استثنائية في ذلك، إذ أصرّ على احتضان المباريات، وتدريب الأطفال وتوعيتهم وتثقيفهم داخل مقرّه أو صالته الرياضية المغلقة رغم الاجتياح البرّي والقصف المستمرّ الذي طاول قطاع غزة ومنطقة النصيرات.

مواضيع قد تهمك