القائد الكشفي محفوظ قاحوش: الشاهد على التاريخ والسنديانة التي تحملت

القدس - إعلام جمعية الكشافة- علاء صبيحات/ للوهلة الأولى عندما تجلس لتحاوره يتبادر لذهنك من تجاعيد محيّاه البشوش أنه سنديانة صامدة مرّ عليه حول ذاخر بالتاريخ، عندما ابتدأنا الحديث قال لي "إن كنت سنديانةً فتحمل وإن كنت مطرقة فاضرب" وأوضح لي أنه مثل روسي، هو رجل في الستينات من العمر أنيق الملابس استحمّ بعطر فلسطين وارتوى بماء وديانها خلال مسيرته الكبيرة في العمل الكشفي، لا يكفي تقرير لا يتجاوز الألف كلمة أن يفيه حقه وما سرده علينا من التاريخ، هو القائد محفوظ يوسف قاحوش رئيس هيئة الرواد.
أبسط ما يمكن أن يقال لوصف هذا الرجل إنه أرشيف متنقل للحركة الكشفية الفلسطينية وشاهد على تاريخها الموغل فبحسب قوله إن الحركة الكشفية الفلسطينية بدأت منذ عام 1912 وهي أول حركة كشفية في الوطن العربي ومن أوائل الدول التي ظهرت فيها الكشافة كعمل منظم خيري فاعل، حيث بدأت الحركة الكشفية في فلسطين مع دخول الانتداب البريطاني لها.
وأضاف القائد قاحوش أن الحركة الكشفية في فلسطين كانت حركة منظمة ولها دور بارز في استكشاف فلسطين الزاخرة بالمعالم والآثار والأنهار والقصور والطبيعة السهلة والصعبة، حيث انضم لها في العام 1960 على أيدي قادة كشفيين عسكريين منضبطين بالأخلاق والتعامل وهو الأمر الذي جعل نشأته الكشفية ممتازة ودقيقة حيث كان العمل الكشفي في ذلك الوقت مرتكز على الرحلات الخلوية والمخيمات الاستكشافية والممارسة العملية لكل المبادئ الأساسية التي تحملها روح الكشافة.
واستطرد رئيس هيئة الرواد قائلا: إن روح العمل الكشفي تتلاشى رويدا رويدا لأنها أصبحت تُقام كدورات في غرف مغلقة وهذا ما جعل شريحة كبيرة من المنتسبين او الهاوين للعمل الكشفي تبتعد عنه وذلك لأن الحركة الكشفية لا يمكن أن تنجح داخل غرفة مغلقة فهي بحاجة لقادة فعليين حقيقيين يقيمون العمل الكشفي في الميدان وفقا لروح ومبادئ الكشافة، فالعمل الكشفي ليس فقط فرقا موسيقى تعزف ألحانها في الأعياد والمناسبات الدينية والرسمية.
فالفرق الموسيقية كما أضاف قاحوش كانت جزءا صغيرا من العمل الكشفي بالإضافة لنشاطات أكبر وأعم وأوسع، حتى أن تأسيس الفرق الموسيقية كان في وقت متأخر في تاريخ الحركة الكشفية الفلسطينية، وللنهوض بالعمل الكشفي برأيه يجب الخروج داخل الغرف المغلقة للاستكشاف في الطبيعة الفلسطينية العظيمة والكبيرة بالإضافة للخروج من حالة الفئوية والعمل الفئوي داخل الكشافة.
أذكر أننا كنا نخرج طليعة يصل عددنا إلى 6-7 أفراد فقط للاستكشاف من رام الله لوادي القلط ومن ثم لأريحا وهي رحلة كانت تستغرق منا أياما، لكنها أيام مليئة بالمتعة والسعادة.
"حتى أن الكشافة أوصلتني للعقبة مشيا على الأقدام" كما قال، وأضاف أن العمل الكشفي أوصل قادة كبار في الحركة الكشفية الفلسطينية ممن دربوه هو، إلى الولايات المتحدة الأمريكية مشيا على الأقدام من رام الله، مثل البروفيسور جمال نصار والبروفيسور عزمي الحبيب والبروفيسور إبراهيم اللدعة، الذين استقروا هناك بعدما وصلوا مشيا.
ويذكر محفوظ في قصتهم أنهم خرجوا مشيا وباعوا في الطريق شارات توضع على الصدر وورود وحتى المحارم لتأمين مصروفهم اليومي حتى يستطيعوا الوصول، وهذا ما يجب الاعتماد عليه الآن من أجل تأمين مصاريف المجموعة الكشفية لا المساعدات الخارجية فقط.
ويذكر "أبو الصابر" بأنه ذات مرة وفي ريعان شبابه أقيمت مسابقة بين أفراد مجموعته والتي شارك فيها هو نفسه كانت للوصل إلى دير القرنطل صعودا على الجبل باستخدام السكين فقط والتي يعتمد فيها على غرس السكين في الصخر والاتكاء عليها ومن ثم الصعود خطوة واحدة ومن ثم يتكرر الأمر حتى الوصول للهدف، فالكشافة بحسب رأيه عسكرية بدون سلاح.
ويعود قاحوش لسرد تاريخ الحركة الكشفية، حيث كانت في الستينات بداية ظهور الحركة الوطنية، ولأن الحركة الكشفية الفلسطينية كانت حركة منظمة ولها تراتبية وطريقة عمل واستراتيجية ومبادئ وتسلسلية، استهدفها الاحتلال خوفا منها خاصة بأنه كان يمنع كل أشكال التجمعات، وطيلة تلك الفترة كان يمنع علينا التجمع ورفع العلم لذلك كنا نتجمع "بالسرقة" كما وصف قاحوش الأمر، في الأماكن القريبة من رام الله.
وفي عام 1964 طلب أبو جهاد تأسيس اتحاد للعمل الكشفي، حيث تأسس وأقيم أول مؤتمر في الخارج له عام 1964 وكان اسمه في الضفة اتحاد الكشافة الفلسطيني وفي غزة الهيئة العامة للكشاف الفلسطيني، لكن لم يستطيعوا تنفيذ أي نشاط علني في داخل فلسطين بحكم وجود الاحتلال وكان الأمر يقتصر فقط على النشاطات السرية.
استمر العمل الكشفي كذلك حتى مجيء السلطة في التسعينات، وكان وقتها المنتسبين للحركة الكشفية حوالي 200 شاب وفتاة، وحتى ذلك الوقت لم يمتلك أي منا أية آلة موسيقية لأنها لم تكن ضمن نطاق اهتماماتنا ثم لاحقا وبإصرار البعض اشترينا بعض الآلات الموسيقية والتي استقبلنا فيها الراحل ياسر عرفات عندما دخل مدينة رام الله ولأننا أول من عزف النشيد الوطني الفلسطيني آنذاك اعتبرنا الشهيد أبو عمار الفرقة الموسيقية الخاصة بالجيش وكنا نعزف النشيد الوطني في الاستقبالات الرسمية لأكثر من عامين، وبحكم التزام العديد منا بالجامعات والتزامات الحياة شكل أبو عمار فرقة موسيقية عسكرية وتفرغنا للعمل الكشفي بعد ذلك.
لاحقا أسسنا مفوضية في مدينة رام الله والبيرة ونفذن أول تدريب كشفي في غزة لإعداد القادة الكشفيين وكان أول مخيم في السودانية وشارك معنا قادة من الطراز الأول مثل حسام الدهدار ونعيم خورية ولاحقا نفذنا دورات قادة في الخليل ورام الله للفتيات والشبان.
وبعد ذلك أصبح هناك مؤسسة تابعة لوزارة الشباب والرياضة واستطاع من خلالها الدكتور فايق طهبوب وبفكره الواعي وثقافته وسعة اطلاعه تأسيس حركة كشفية منظمة في الضفة.
وعن تاريخ الحركة الكشفية المكتوب يقول قاحوش بأن أحد المؤرخين من آل يزبك في الناصرة استطاع أرشفة وكتابة وتأريخ الحركة الكشفية الفلسطينية في دراسة احتوت على 8000 صفحة ونعمل حاليا على نشرها باسمه.
ثم مؤخرا اتخذت قراري في أن أدخل في حركة الرواد، والرواد تعني كل من هم فوق سن ال 35 عاما ومارسوا الحياة الكشفية وغير نشطاء في المجموعات الكشفية، وأصبحت رئيسا للهيئة وأنشأت من وقتها هيئة إدارية قوية من 18 عضوا، وقدمنا للاعتراف الدولي وحصلنا على وعود مؤكدة بالاعتراف فيها في المؤتمر العالمي للرواد والذي سيقاف في اسبانيا في شهر شباط القادم.
واختتم القائد محفوظ يوسف قاحوش حديثه متمنيا للحركة الكشفية الفلسطينية الاستمرار والتطور والانتماء من أجل بناء شباب قادرة على أن تعمل ضمن جماعة وبمبادئ الحركة الكشفية التي نبني فيها وطن مستقل وحر.